2024 March 29 - ‫الخميس 19 رمضان 1445
خارج الفقه(كتاب النكاح)1439 المسألة 23 متن
رقم المطلب: ٤٨٢ تاریخ النشر: ٢٩ رجب ١٤٣٩ - ٠٢:٤٩ عدد المشاهدة: 1687
دروس بحث الخارج » خارج الفقه(كتاب النكاح)1439
خارج الفقه(كتاب النكاح)1439 المسألة 23 متن

مسألة 23:

كما يحرم على الرجل النظر إلى الأجنبية يجب عليها التستّر من الأجانب، و لا يجب على الرجال التستّر و إن كان يحرم على النساء النظر إليهم عدا ما استثنى، و إذا علموا بأن النساء يتعمّدن النظر إليهم فالأحوط التستر منهنّ، و إن كان الأقوى عدم وجوبه.

نقطة تمهيدية:

بعد أن تحدث السيد الماتن و هو الامام الخميني (ره) بشأن اشتراك الاجنبي و الأجنبية في حرمة النظر الي غير المماثل‘ بدأ ببيان الفرق بينهما فقال بوجوب التستر علي الاجنبية و عدم وجوب التستر على الأجنبي.

و لاشك في أن مقصود الامام من الفرق الموجود بينهما في وجوب التستر و عدمه ‘ هو التستر في غير العورة ‘ لان تستر العورة بالنسبة الى الرجل كوجوب التستر بالنسبة الى جميع جسد المرأةإ فيجب عليه كما يجب عليها.

 

تحليل المسألة من جهة اشتمالها على الفروع:

ان هذه المسألة التي تعرض لها السید الماتن مشتملة علی فروع أربعة.

منها: وجوب التستر علی النساء الاجانب.

منها: عدم وجوب التستر علی الرجال.

منها: حرمه النظر من النساء الی الرجال فی صوره عدم تسترهم.

منها: وجوب التستر احتیاطا علی الرجال اذا علموا ان النساء ینظرن متعمدة الیهم.

و هذه الفروع الاربعة مندرجة في المسألة و لكن الفرع الثالث منها قد تقدم بيانها في المسالة التاسعة عشر و لا نعيد الى ذكرها و أما الثلاثة الأخر فلابد من بيانها هنا.

 

الفرع الأول: وجوب التستر على النساء الأجانب

لا ریب فی ان مساله وجوب التستر و الحجاب علی النساء باجمالها مما تسالم علیها جمیع طوائف المسلمین فضلا عن اصحابنا الامامیه، و لاخلاف فیها و لا یردد فیها احد، بل هی اجماعیه و من اهم المسایل فی جمیع ابواب الفقه بل من ضروریات الدین بحیث صارت من امارات النساء المومنات، و أن الأجانب كذلك يعرفون أن وجوب التستر علي النساء من اجماعيات المسلمين.

و لکن تعرض لها قلیل من الفقهاء بوجه مبسوط، بل اکثرهم اشارو الیها فی ضمن طرح بعض المسایل فی مواضع اخر، و لعل عدم بسطهم لهذه المساله من جهه وضوحها و تسالم الفقهاء من لدن زمن الاول الی یومنا هذا علیها، و عدم بیان شبهه مهمه لها، و لکن فی عصورنا المتاخره قد وردت على هذه المسالة ای وجوب التستر النساء شبهات عددیه من الأجانب و بعض منوری الفکر، و بهذا السبب قد حصل لبعض الشباب و الطلاب شک و تردید فی وجوبه و ضرورته، و لهذا یجب علی الفقیه الباهر فی زماننا ان یبحث بنحو ابسط مما ذکروه من قبل، حتی یمکن لاحد ان یدفع به الشبهات الوارده.

 

الستر اوالحجاب:

ان اللفظ الذی استعمل من لدن زمن تشریع الاسلام هو لفظ الستر، و لذلك استخدمه الفقهاء فی ثلاثة كتب من الكتب الفقهية :

في کتاب الطهارة (مبجث التخلی) و في کتاب الصلاة (لباس المصلی) و في کتاب النکاح (وجوب التستر علی النساء) کلها بلفظ الستر و لا يوجد أثر عن لفظ الحجاب.

و ان لفظ الحجاب بالمعنی الذی نریده هنا لا یستعمل الا جدیدا و یراد به المعنی الذی ذکرناه، لان الحجاب بمعنی الحائل و لا یرتبط بالستر و لذلك قال الفقیه الشهید الشیخ مرتضی المطهری: لیته لا یتغیر اللفظ لان لفظ الستر احسن معنى و اكثر استعمالا.

 

أدلة وجوب التستر علی النساء:

یستدل علی ذلک بادله متنوعه شامله و نحن نذکر بعضا منها:

آیات من الکتاب و اخبار من السنه، و السیره القطعیه من المتشرعه  و براهین عقلیه، و امور فطریه.

 

كلمة لمناسبة ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني

 ن هذا اليوم يوم مبارك علي الشعب الايراني و علي الشعب المسلم في كل مكان.

لأن الثورة الإسلامية ببركة قيادتها الحكيمة للإمام الخميني الراحل آتت أكلَها في هذه الأيام، وقدمت للعالَم عموماً والعالم الإسلامي على وجه خاص ثمارها و هوالاسلام الاصيل و العزة والحرية و المقاومه و الحياة الصحيح.

فلذلك إحیاءنا لهذه المجالس وذکریات، لیس أمرا الهیا مقدسا نبتغي من خلاله الأجر و الثواب فقط, بل من خلال هذه الموتمرات نرید أن نعیش مع الامام الخميني في أوضاعنا المعاصرة و نريد ان نتلقی الدروس الکبیرة منهم  لحیاتنا المعاصرة, لانه هو القايد الصالح للامه الصالحه.

لان القياده الصالحه هي روح الامه و روح الاسلام و روح المجتمع البشري!

و الامه بلا قياده صالحه کجسم بلا روح, و الإمام الخميني بالمقیاس الإنساني البشري قائد الامه الاسلاميه والإنسانيه، و واضح ان الامة الانسانية من دون قیادة صالحة إما یئول أمره إلی التوحش أو التخلف.

فالقياده الصالحه هي الرمز الإلهي بين الرب و الخلق, و في الحقيقه ان القايد الصالح هو قائد العدل و الأخلاق وقايد الامه نحو الحیاة الخالدة الأخرویة.

و اذا كان كذلك فالامه الانسانيه من خلال القياده الصالحه تعرف العقیدة و تتخلق بالأخلاق و تعرف الشریعة و تسير الطریقه الصحيحه في الحیاة.

فلذلك يمكن ان نقول: ان القياده الصالحه هي الأساس في الإسلام, و اذا نشاهد في الروايات هذه الكلمه (فما نودي في الاسلام بمثل ما نودي بالولايه) فمعناها القياده الصالحه, و هي القياده الالهيه, و اذا قلنا بولايه الفقيه في زمن الغيبه فقد قلنا بالقياده الصالحه.

فإحیائنا لهذه الموتمرات لیس هو سرد تاریخي فقط, و ليس معناه أن نتضامن مع صاحب الموتمر في ماضي حیاتنا و حیاته, بل معناه ان نعیش معه بعنوان القياده الصالحه في حالنا و مستقبلنا.

واذا کانت ایدی الناس فی ایدی الامام و صاحب الهدایه من الله تعالی و فی ایدی ولی من اولیاء الله، و صاحب قيادة صالحة و ولي الفقيه فلا یقدر ای مضل یضلهم و لو کان المضل الشیطان الاکبر او الطاغوت الاعظم.

 

الاستدلال بالكتاب علي وجوب تستر المرأة

اما من الکتاب فقوله تعالی :

وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآلِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآلِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَ تِهِنَّ أَوْ نِسَآلِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُنَّ أَوِ التَّبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَ تِ النِّسَآءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )النور:31/24)

 

فی هذه الایه الکریمه من سوره النور ثلاث فقرات یمکن ان یستدل بها علی ذلک.

الاولی: وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا.

الثانیه:وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ.

الثالثه:وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ

و لابد لنا من التحقیق فی کل من االفقرات بدقه وافیه.

وجه الاستدلال بالفقره الاولی والثالثه:

وجه الاستدلال بهاتين الفقرتين من الآیه مبتن علی مقدمة و هی أن المراد من الزینة التي کانت في الفقرة الاولی من الآیة هی مواضع الزینة، لا نفس الزینة، و هو ثابت فی الآیة بما أن من الواضح عدم خصوصیة لنفس الزینة كي يجب سترها، بل هي مقدمة لحفظ المراة عن النظر.

ان قيل: اثبات هذه المقدمة يحتاج الى قرينة و دليل من خارج الآية لان الآية بنفسها و من دون النظر الى الخارج و الى أدلة خارجية لا تدل على أن المراد من الزينة مواضع الزينة‘ بل الظاهر من الآية ارادة نفس ما تتزين به المرأة.

مضافا الي ذلك قد ورد في ذيل الآية النهي عن اظهار نفس الزينة و نفس ما تتزين به المرأة: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ.

و هذا يدل على أن المراد من الزينة هو نفس الزينة لا موضع الزينة.

نقول: من تأمل في الآية يجد أن المراد منها هو المنع من ابداء موضع الزينة و ليس المراد المنع من ابداء نفس الزينة‘ لأن نفس الزينة اولا لا خصوصية لها من ابدائها أو اخفائها.

ولاريب في أن النهي عن الابداء انما هو لحفظ المرأة و كذلك ذيل الآية يدل على أن المراد موضع الزينة و أن ورد النهي عن نفس الزينة!

لأنه و ان ورد في قوله تعالي النهي عن الضرب بأرجلهن‘ و لكن هناك سوال: الضرب بالارجل يكشف عن ما؟ ز ماذا ينكشف بسبب الضرب بالارجل؟

هل ينكشف للسامع وجود الزينة مثل الخلخال فقط؟ أو ينكشف للسامع و الناظر أن هنا رجل المرأة و عليها زينة مثل الخلخال؟

فمن تامل فلابد من أن يقر و يعترف بأن المنكشف هو موضع الزينة و هو رجل المرأة.

و سر النهي عن الضرب بالارجل من النساء هو الصيانة و الحفظ علي المرأة و علي حيائها لكي لا يتصور شخص أجنبي في ذهنه بأن هناك رجل المرأة و لا يتصور في ذهنه التوجه و الالتفات فعل حرام و أو نظر حرام  تصور حرام.

و أما السيد الخويي يقول: من الواضح أن ضرب الرجل علي الارض لا يوجب العلم بموضع الزينة‘ و انما الذي يوجبه هو العلم بنفس الزينة من الخلخال و غيره فان ضرب الرجل يوجب حركتها و ايجاد الصوت فيعلم بها لا محالة.

و لكن نحن نقول: ان ما قاله السيد الخوئي صحيح و لكن أسأله و أقول: ان الصوت باي سبب يوجد ؟ هل بسبب الزينة نفسها من دون اتصالها بالرجل؟ أو بسبب ضرب الرجل و اتصال الزينة بها؟ فقطعا لابد لنا من القول بأن وجود الرجل سبب ايجاد الحركة و سبب ايجاد الصوت و سبب العلم بوجود الزينة و طبعا يعلم الانسان الاجنبي بوجود رجل المرأة ‘ فلما ذا نقول يحرم ابداء الزينة ؟

فهل اذا كانت الزينة غير متصلة بالرجل و بسبب ضربها علي الارض يوجب الصوت فهل نقول هذا حرام و مشتمل عل يالمفسدة أو لا؟

فمن المعلوم أن المهم و الاساسي في سر هذه الآية الصيانة على المرأة حتي علي تصور جسد المرأة الاجنبية.

هذا الذي قلنا الى هنا فهو بالنسبة الى الآية نفسها و و من دون النظر الي قرائن و أدلة خارجية و أما بالنسبة الي الروايات الموجودة في تفسير الآية فلا يبقي مجال للشك في دلالة الآية على وجوب التستر علي جسد المرأة!

فقد ورد فی النصوص المتعدده ان المراد من الزینه هی مواضع الزینه لا نفس الزینه و الیک نص واحد منها و هی صحیحة الفضیل:

محمد بن یعقوب عن عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ  لذِّرَاعَيْنِ مِنَ الْمَرْأَةِ أَ هُمَا مِنَ‏ الزِّينَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ؟

 قَالَ: نَعَمْ وَ مَا دُونَ الْخِمَارِ مِنَ الزِّينَةِ وَ مَا دُونَ السِّوَارَيْنِ . الکافی: 5/520 باب ما یحل النظر الیه من المراه. ح1.

و یوید ما قلناه ما قاله اکثر الفقهاء نظیر صاحب الحدائق و غیره.

قوله عليه السلام : " وما دون الخمار " أي ما يستره الخمار ، من الرأس والرقبة ، فهو من الزينة ، وما خرج عن الخمار من الوجه ، فليس منها ، " وما دون السوارين " يعني من اليدين ، وهو ما عدا الكفين ، وكأن " دون " هنا في قوله " دون الخمار " بمعنى تحت الخمار ، ودون السوار بمعنى تحت السوار ، يعني الجهة المقابلة للعلو ، فإن الكفين أسفل ، بالنسبة إلى ما فوق السوارين من اليدين. الحدائق الناضرة  ج 23  ص 54.

فظهر مما ذکرنا ان الفقرتین من الایه تدلان علی عدم جواز ابداء محل الزینه من جسد المراه.

وانت تعلم ان وجود الملازمه بین حرمه الابداء و وجوب التسترعلی المراه الاجنبیه مما لا خلاف فیه.

فلذلك أن السيد الخويي بعد الاشكال المتقدم ذكره‘ صرح بدلالة الآية علي وجوب ستر بدن المرأة وقال:

لا بد من التكلم في معنى البداء كي يعرف منه معنى الآية الكريمة فنقول : البداء بمعنى الظهور كما في قوله تعالى : ( وبدت لهما سوآتهما ) والابداء بمعنى الاظهار فإذا كان متعلقا بشئ ولم يكن متعديا باللام يكون في مقابل الستر وإذا كان متعلقا باللام كان في مقابل الاخفاء بمعنى الاعلام والإراءة كما يقال يجب على الرجل ستر عورته وليس له اظهارها في ما إذا كان يحتمل وجود ناظر محترم وكذلك يقال إن بدن المرأة كله عورة فيراد به ذلك، وأما إذا قيل أبديت لزيد رأيي أو مالي فمعناه أعلمته وأريته . ومن هنا يظهر معنى الآية الكريمة فإن قوله عز وجل أولا (وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) إنما يفيد وجوب ستر البدن الذي هو موضع الزينة وحرمة كشفه ما عدا الوجه ، واليدين لأنهما من الزينة الظاهرة ،......

في حين أن قوله عزو جل ثانيا (وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ...) يفيد حرمة إظهار بدنها وجعل الغير مطلعا عليه وإراءته مطلقا من دون فرق بين الوجه ، واليدين وغيرهما إلا لزوجها والمذكورين في الآية الكريمة .

فيتحصل من جميع ما تقدم أن الآية الكريمة بملاحظة النصوص الواردة في تفسير الزينة تقيد حكمين .

الأول : حكم ظهور الزينة في حد نفسه فتقيد وجوب ستر غير الظاهرة منها دون الظاهرة التي هي الوجه واليدان .

الثاني : حكم اظهار الزينة للغير فتفيد حرمته مطلقا من دون فرق بين الظاهرة، والباطنة إلا للمذكورين في الآية الكريمة حيث يجوز لها الاظهار لهم .

 المباني في شرح العروة الوثقي ضمن الموسوعة: 3242.

و اما الاستدلال بالفقره الثانیه:

و هو مبتن علی مقدمة و هي التامل في معنی الخمر و الجیوب، و الیک نص کلمات اللغویین و المفسرون.

كلمات اهل اللغة و التفسير:

قال الراغب الاصفهانی فی المفردات: اصل الخمر ستر الشی و یقال لما یستر به

خمار، لکن الخمار صار فی التعارف اسما لما تغطی به المراه راسها، و جمعه خمر، قال تعالی: ولیضربن بخمرهن علی جیوبهن. المفردات: 298.

قال الواحدی: الخمر جمع الخمار و هی ما تغطی به المراه راسها والمعنی : ولیلقین مقانعهن علی جیوبهن لیسترن بذلک شعورهن و قرطتهن و اعناقهن کما قال ابن عباس : تغطی شعرها و صدرها و ترائبها و سالفها. 3/316.

قال الزمخشری: کانت جیوبهن واسعه تبدو منها نحورهن و صدورهن و ما حوالیها و کن یسدلن الخمر من ورائهن فتبقی مکشوفه، فامرن بان یسدلنها من قدامهن حتی یغطینها.

و یجوز ان یراد بالجیوب : الصدور تسمیة بما یلیها و یلابسهاو قولک: ضربت بخمارها علی جیبها، کقولک: ضربت بیدی علی الحائط اذا وضعتها علیه. تفسیر الکشاف: 3/62.

الشريف الرضي يقول: هذه استعارة والمراد منها اسبال الخمر التي هي المقانع علي فرجات الجيوب لانها حصاصات الي الترائب و الصدور و الثدي والشعور و اصل الضرب من قولهم: ضربت الفسطاط اذا أقمته باقامة أعمال و ضرب أوتاده‘ فاستعير هاهنا كناية عن عن التناهيفي اسبال الخمر و و أضفاء الازر.

المعجم في فقه لغة القرآن و سر بلاغته: 17897.

قال صاحب مجمع البیان: والخمر المقانع جمع خمار و هو غطاء راس المراه المنسدل علی جیبها، أُمِرن بإلقاء المقانع علی صدورهن تغطیه لنحورهن فقد قیل إنّهنّ کُنّ یلقین مقانعهن علی ظهورهن فتبدو صدورهن و کُنّی عن الصدور بالجیوب لأنها ملبوسه علیها. مجمع البیان، ذیل الآیه.

و انت اذا تاملت فی موارد استعمال الجیب فی کتاب الله عزوجل ظهر لک ان الجیب علی قسمین و علی ما عبر به الدامغانی فی کتابه الوجوه و النظایر: الجیب علی وجهین: فوجه منها: الجیب : الصدر، قوله تعالی (ولیضربن بخمرهن علی جیوبهن) یعنی علی صدورهن.

والوجه الثانی: الجیب : الابط قوله تعالی: و ادخل یدک فی جیبک.

الوجوه النظایر: 225.

في مجمع البحرين للطريحي قال: قوله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ)ـ أي مقانعهن ـ جمع خمار وهي المقنعة ، واختمرت المرأة أي لبست خمارها وغطت رأسها.

قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير: أمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ فَالْخُمُرُ وَاحِدُهَا خِمَارٌ، وَهِيَ الْمَقَانِعُ.

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ نِسَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ كُنَّ يَشْدُدْنَ خُمُرَهُنَّ مِنْ خَلْفِهِنَّ، وَإِنَّ جُيُوبَهُنَّ كَانَتْ مِنْ قُدَّامُ فَكَانَ يَنْكَشِفُ نُحُورُهُنَّ وَقَلَائِدُهُنَّ، فَأُمِرْنَ أَنْ يَضْرِبْنَ مَقَانِعَهُنَّ عَلَى الْجُيُوبِ لِيَتَغَطَّى بِذَلِكَ أَعْنَاقُهُنَّ وَنُحُورُهُنَّ وَمَا يُحِيطُ بِهِ مِنْ شَعْرٍ وَزِينَةٍ مِنَ الْحُلِيِّ فِي الْأُذُنِ وَالنَّحْرِ وَمَوْضِعِ الْعُقْدَةِ مِنْهَا، وَفِي لَفْظِ الضَّرْبِ مُبَالَغَةٌ فِي الْإِلْقَاءِ، وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهَا «مَا رَأَيْتُ خَيْرًا مِنْ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ، لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إِلَى مِرْطِهَا فَصَدَعَتْ مِنْهُ صَدْعَةً فَاخْتَمَرَتْ فَأَصْبَحْنَ على رؤوسهن الْغِرْبَانُ. التفسير الكبير: 23364.

و كذلك هذه الرواية رواها ابن جرير الطبري عن عائشه زوج النبى(صلى الله عليه وآله) انّها قالت يرحم الله النساء المهاجرات الاول لما انزل الله«وليضربنّ بخمرهنّ...» شققن اكثف مروطهن فاختمرن به. جامع البيان، ج 9، ص 306.

المرط بالكسر واحد المروط و هى اكسيه من صوف او خز كان يؤتزر بها.

و نظيرها في در المنثور:

أخرج البخارى وأبو داود والنسائى وابن جرير ابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه والبيهقى فى سننه عن عائشة قالت: رحم الله نساء المهاجرات الُاوَل لما أنزل الله وليضربن بخمرهن على جيوبهن أخذ النساء ازرهن فشققنها من قبل الحواشى فاختمرن بها. جلال الدين سيوطى، درالمنثور، ج 5، ص42.

 

مقتضى التحقيق:

فظهر مما ذکروه اهل اللغه والتفسیر ان ان الخمار نوع خاص من الساتر الذی یستر الراس و بعض اعضاء جسد المراه غیر ما يلبسن النساء فی بیوتهن و عند محارمهن کالالبسه الساتره لاکثر جسدها کستر الجسد بالقمیص و السلوار و غیرهما، لان القمیص قد یکون بلا کم‘ فلذلك لا یلبس الذراع و الزند و المرفق و قد لایستر القمیص الصدر و العنق، و انما الخمار هو لباس خاص طویل قابل لستر جمیع البدن او اکثره فوق القمیص والسلوار و هو اشبه ما تلبسها النساء المتشرعات والمومنات فی بلاد الاسلامیه و سماه بالفارسیه (چادر).

و الجیب بمعنی ما یتحصل و یتراءی من انخراق القمیص فی جهه الصدر، و بمضمون ما ورد فی الآیه لابد من ستره بالخمار، لان القمیص لایستر هذا المقدار المستفاد من الجیب ای الصدر و العنق غالبا، و ستره معمول و متعارف بالخمار.

و هذا المعنی المفسر یلزم ستره باللزوم الحظریه و نهی عنه ترکه بقوله تعالی: ولایبدین زینتهن الا ما ظهر منها....... فثبت وجوب التستر علی النساء من الاجانب.

مضافا الی ذلک اضافه الخمر الی الضمیر (هن) و هو مشیر الی ان الخمر من لوازم النساء و مما یلازمهن، و لاتنفک عنهن، و هو مفید لتاکید لزوم التستر علی جیوب النساء.

 

و من الکتاب ایضا الاستدلال بمفهوم قوله تعالی: وَ الْقَوَ عِدُ مِنَ النِّسَآءِ الّلاَتِى لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَتِ‏ بِزِينَةٍ وَ أَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )النور:60/24)

و کیفیه الاستدلال ان الآیه صرحت بان القواعد من النساء لیس علیهن ان یضعن ثیابهن عن اجسادهن، و معناه الرخصه فی ترک الستر فی مقابل الاجنبی و بالملازمه دلت علی جواز النظر الیهن.

و لاریب فی ان مفهوم الآیه دلت علی ان غیر القواعد من النساء لا یجوز لهن ان یضعن ثیابهن و لا یجوز ایضا النظر الیهن بالملازمه ، و وجوب التستر علیهن،  و واضح ان اطلاق المفهوم یشمل عدم الجواز فی وضع الثیاب و عدم التستر عن غیر القواعد و عدم جواز النظر الیهما، بل یجب التستر  علیهن و هو الذی نرید اثباته.

ان قلت: ان الثیاب مجمل من حیث معناه فی ان معناه هل هو یشمل جمیع الثیاب عن جمیع البدن ام یختص ببعض مواضعه و بعض ما یستر به المراه جسدها؟

قلت: لاریب فی عدم جواز وضع الثیاب عن جمیع جسد النساء و ان کن من القواعد! لان هذا من ضروری المذهب بل الدین ، و بهذا البیان یلزم ان نخصص الثیاب هنا بمعناه الخاص ببعض اعضاء الجسد، لا جمیعها، لا سیما اذا کان فی غیر واحد من الاخبار فسرت الثیاب التی کانت فی الآیه بالخماروالجلباب و هما ساتران الراس و الشعور من النساء لاغیرهما.

و الیک نص بعضها:

الاول:  صحیح حریز

محمد بن یعقوب عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ،عن أبی عبد اللّه (علیه السّلام): أَنَّهُ قَرَأَ أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ قال (علیه السّلام): الجِلبابُ. وَ الْخِمارُ إذا کانت الْمَرْأةُ مسِنَّةً. الکافی: 5/522 باب القواعد من النساء ح4.

الثانی: صحیح الحلبی

محمد بن یعقوب عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي عن أبی عبد اللّه (علیه السّلام) أَنَّهُ قَرَأَ أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ، قال(علیه السّلام): الْخِمارُ وَ الجِلبابُ: قُلتُ: بَیْنَ یَدَیْ مَنْ کان؟ قال (علیه السّلام): بَیْنَ یَدَیْ مَنْ کان. غَیْرَ مُتَبَرِّجَةٍ بِزِینةٍ. الکافی: 5/522 باب القواعد من النساء ح1.

الثالث: صحیح أبی حمزة الثمالی

محمد بن یعقوب عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن أبي حمزة ،عن أبی عبد اللّه (علیه السّلام) قال: الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ لَیْسَ علیهنَّ جُناحٌ أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ قال (علیه السّلام): تَضَعُ الجِلْبابَ وَحْدَهُ. الکافی: 5/522 باب القواعد من النساء ح2.

الرابع: صحیح علاء بن رزین

محمد بن یعقوب عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه (علیه السّلام) قال فی قوله تعالی وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللّاتِی لا یَرْجُونَ نِکاحاً: مَا الَّذی یَصْلحُ لَهُنَّ أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ؟ قال(علیه السّلام): الجِلبابُ. الکافی: 5/522 باب القواعد من النساء ح3.

و بعد ذکر النصوص المفسره یتضح لکل من تامل فیها انها کلها صحاح، و فی جمیعها فسرت الثیاب بالجلباب و و علینا ان نلقی معنی واضحا للجلباب حتی یمکن الاستدلال تاما بلا ایراد.

 

تحقیق فی معنی الجلباب:

ان اللغویین قد فسروا الجلباب بنوع خاص من اللباس لکن بتعابیر مختلفه لا یضر بمعناه.

1 - قال الجوهری فی الصحاح: إنّه الملحفة.

2 -  قال الفیومی فی مصباح المنیر: «إنّه ثوب أوسع من الخمار و دون الرِّداء و نقل عن ابن فارس أنّه قال: الجِلباب ما یُغطّی به من ثوب.

3 - قال الطریحی فی مجمع البحرین: هو ثوب أوسع من الخمار و دون الرداء تلویه المرأة علی رأسها و تبقی منه ما تُرسِله علی صدرها. و قیل: الجِلباب الملحفة و کل ما یُستر به من کساءٍ أو غیره.
ثم قال: قوله تعالیٰ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلَابِیبِهِنَّ، أی یرخینها علیهنّ و یغطّین به وجوههنّ و أعطافَهُنّ أی أکتافهنّ.
4 - قال الفیروزآبادی فی القاموس: إنّه القمیص و ثوب واسع للمرأة دون الملحفة أو تُغَطّی به ثیابها من فوق کالملحفة أو هو الخمار.
5 - قال ابن منظور فی لسان العرب: الجِلباب: القمیص و هو ثوب أوسع من الخمار دون الرِّداء تُغطّی به المرأة رأسها و صدرها. و قیل: هو ثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة، و قیل: هو الملحفة. و قیل: هو ما تغطی به المرأة الثیاب من فوق کالملحفة، و قیل هو الخمار، و قیل: جِلباب المرأة ملائتها التی تشتمل بها.

6 - قال ابن عباس فی تفسیره: إن المقصود من الجِلباب هو المقنعة و الرداء.
7 - قال الطبرسی فی مجمع البیان: إنه المُلاءَة التی تشتمل بها المرأة عن الحسن. و قیل: الجلباب مقنعة المرأة أی یُغطّین جباههنّ و رؤوسهنّ إذا خرجن لحاجة عن ابن عباس و مجاهد. و قیل: أراد بالجلابیب الثیاب و القمیص و الخمار و ما تستر به المرأة عن الجبائی و أبی مسلم.
8 - قال الزمخشری فی تفسیر الکشّاف: الجلباب ثوب واسع أوسع من الخمار و دون الرداء تلویه المرأة علی رأسها وتبقی منه ما ترسله علی صدرها. ثم نقل عن ابن عباس أنه قال: هو الرداءُ الذی یُستر من فوق إلی أسفل. و قیل: الملحفة و کلّ ما یستتر به من کساءٍ أو غیره.

فنتحصل من جمیع ما ذکرناه من نصوص اهل اللغه: ان للجلباب ثلاث معان فی الخارج و کلها مفید للاستدلال علی ما قلناه

أحدها: الخمار.

ثانیها: الثوب الواسع الذی هو أوسع من الخمار و دون الرداء و یستر رأس المرأة و وجهها و کتفیها و صدرها و ما دون ذلک بمقدار.
ثالثها: ما تلبسه المرأة فوق الثیاب و تغطی به جمیع بدنها من رأسها إلی أسفل قدمیها، و هو الذی سمی في النصوص بالملحفة و الرداء و الکساء و الملاءه.

فبالنتیجه ان الاستدلال بمفهوم آیه القواعد بلاطلاقها مع انضمام الاخبار المفسره و بیان اهل اللغه علی وجوب التستر علی النساء صحیح لایرد علیه شی.

و من هنا ایضا یظهر صحه الاستدلال بقوله تعالی فی  سوره الاحزاب الذی امر الله تعالی فیه نبیه ان یامر نساءه و بناته بادناء الجلابیب علیهن.

یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلَابِیبِهِنَّ ذلِکَ أَدْنی أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ.. . الاحزاب: 33/59.

الاستدلال بقوله تعالی:

يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِىِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَظِرِينَ إِنَئهُ وَ لَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُواْ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُواْ وَ لَا مُسْتَئنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَ لِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِ‏ى مِنكُمْ وَ اللَّهُ لَا يَسْتَحْىِ‏ى مِنَ الْحَقِّ وَ إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَعًا فَسْئلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ وَ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَ لَآ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَجَهُ‏ مِن‏م بَعْدِهِ‏ى أَبَدًا إِنَّ ذَ لِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا .الأحزاب:53/33.

قد یستدل علی وجوب التستر علی النساء بهذه الآیه الشریفه و وجه الاستدلال بها ان الله عزوجل أمر المومنین بالسوال عن زوجات النبی من وراء الحجاب، وواضح ان الامر بالسوال من وراء الحجاب ظاهر فی الوجوب، و بالملازمة یدل علی انه اذا کان السوال عن النساء لازم من وراء الحجاب و یجب امتثاله، فیجب علی النساء التستر من الرجال و لا یجوز لهن ان یبدین بغیر الستر من غیر وراء الحجاب.، فعلیهذا ان التستر واجب علی النساء.

قال السید محمد باقر الرضوی الکهنوی فی کتابه اسداء الرغاب فی مسالة الحجاب: وجوب السؤال من وراء الحجاب في البيوت في محلّ الحاجة الي المتاع ادلّ علي وجوب الستر في غير محل الحاجة.

یعنی ان الملاک فی وجوب السوال من وراء الحجاب کونه فی مقام الحاجه، یعنی ان الرجال یسالون لکونهم محتاجين فی سوالهن، و النساء ایضا محتاجات فی الجواب، و اذا کان الحجاب لهن واجب فی مقام الحاجه، فبطریق اولی یجب فیما اذا لم یکن فی مقام الحاجة و هذا البیان یفید ان التستر بحکم الآیه واجب مطلقا.

و لکن اورد علی ما قیل ایرادات عديدة‘ بعضها قابلة للذب و بعض آخر غیر قابلة للذب عنها.

الاول: ان الستر الذی ورد فی الآیه لیس سترا  للمرأة بل  انما هو ستر للبیت و المقصود من ستر البیت ما یجعل علی أبواب البیوت و یغطی بها ما کان وراء الباب، ولاریب ان الستر الواجب علی النساء ستر بدن المراة لا ستر بیت المراة فلا یدل علی المطلوب.

و یمکن الجواب عنه: بانا لو سلمنا ان الآیه فی مقام بیان ستر البیت فی مقام السوال، و لکن هناک نقطة و هی اذا کان السوال عن النساء اللاتی کن فی البیوت یجب ان یکون من وراء الستر، فبطریق اولی یجب ان یکون جسدها من وراء الستر، لانه لا معنی لوجوب الستر فی البیت حین السوال فی حین أنه لایجب الستر عن الجسد.

یعنی ان وجوب السوال من وراء الحجاب بعد وجوب الستر علي الجسد و مفروغا عنه.

 

الثانی: اورد علی الاستدلال بالآیه ان هذا الحکم من خصائص زوجات النبی کسایر الاحکام المخصوصه بهن مثل تحریم زواجهن بعد رسول الله(ص) و غیره  و لایشمل غیرهن من النساء المکلفات‘ فالاستدلال علی وجوب التستر علی النساء بهذه الآیه؛ استدلال فی غیر محله.

و فیه: اولا سلمنا ان لزوجات النبی احکاما خاصة کالنکاح بعد رسول الله (ص) و غیره و لکن هنا قد بین الله فی ذیل الآیه حکمة للحکم المذکور ای السوال من وراء الحجاب ، و هی عامة لجمیع النساء المکلفات فی الجوامع و هی طهاره القلوب.

یعنی ان طهارة القلوب علة و حکمة لوجوب السوال عن النساء من وراء الحجاب و هي عامة لجمیع النساء المکلفات و لافرق فیها بین زوجات النبی و غیرهن.

یمکن ان نورد علی هذا البیان:

اولا: ان هذا الحجاب ای کون النساء خلف حجاب البیت لیس واجبا بالنسبه الی جمیع النساء  بالاجماع والضروره ، لانهن یذهبن الی الاسواق و یشترین المتاع من الرجال بلا کونهن من وراء الحجاب و یرجعن و هذا هو السیره القطعیه من المتشرعه المتصلة بزمن المعصومین القائمه علی ذلک و حاکیه عن عدم وجوب کون النساء من وراء الحجاب.

و ثانیا: ان الحکمة المذکورة في الآیه و هی طهارة القلوب ، علی قسمین: طهارة واجبة و طهارة غیر واجبة.

و لاریب فی ان طهاره القلب امر باطنی و حصولها بانواع مراتبها  لایجب  علی جمیع النساء ، لان للطهاره من الذنوب و المعاصی مراتب عدیده ، منها مرتبه شدیده و منها مرتبه ضعیفه، و من الواضح عدم وجوب جمیع مراتبها علی جمیع النساء المکلفات.

یعنی لو قلنا بوجوب تحصیل جمیع مراتب الطهاره بسبب کون النساء وراء حجاب البیت، لکان اللازم علی النساء عدم الخروج من البیت حتی لاینظر الیهن احد بلا کونهن من وراء الحجاب و هو باطل بالاجماع.

وان یمکن القول بوجوب المراتب کلها علی زوجات النبی من حیث تعلقهن به (ص)، لان النبی و ما یتعلق ببیتها اسوه للناس و ما کان مندوب علی جمیع الناس ، فرض علیهن.

فبالنتیجه الاستدلال بالآیه علی وجوب الحجاب الذی عباره عن کون النساء من وراء حجاب البیت في مقام سوال الناس عنهن المتاع، لایخلو من اشکال.

و لکن هذا الامر خارج عما نكون بصدد اثباته و هو لزوم الستر علی النساء و هو ثابت بهذه الآیه و غیرها ، لان فیها کما ذکرناه من قبل الاشارة الی أن التستر علی جسد المرأة أمر مفروغ عنه و الآیه بعد فرض وجوبه تحکم بکونهن من وراء حجاب البیت، لان لا معنی بالقول بوجوب کون النساء من وراء حجاب البیت و عدم وجوب التستر علی جسدهن.

الثالث: ان الخطاب فی الآیه متوجه الی الرجال دون النساء، بصراحه قوله تعالی ، وَ إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَعًا فَسْئلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ، و اذا کان کذلک فمعنی الآیه النهی عن ملاقاه الرجال مع النساء بغیر الحجاب ای المانع، و لا متوجه الی النساء حتی يجب علیهن ، فاللازم والواجب علی الرجال عدم ملاقاة النساء من دون الحجاب والحائل و لادلاله لها علی وجوب التستر علی النساء.

اللهم الا ان یقال بوجود الملازمه بین حرمه الملاقات و بین وجوب التستر و لا تخلو من اشکال.

ففی الحقیقه ان الایه فی مقام النهی عن دخول الرجال علی النساء بغیر اذهن و قبل کونهن من وراء الحجاب.

و فی الختام فالذی نقول به ان وجوب التستر علی النساء واجب بالاستدلال بالکتاب و لکن وجوب کونهن من وراء حجاب البیت علی جمیع النساء لا یخلو من اشکال و ایراد و ان یمکن القول باستحبابه و لیس بعیدا القول بتاکید استحبابه.

 

الاستدلال بالفقره الرابعه من قوله تعالی فی سوره النور المتقدم ذکرها:

وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ

قد قدمنا الاستدلال بالفقرات الثلاث من الآیه فی سوره النور ، و لکن لم نتعرض لهذه الفقره ای الرابعه، و من جهه صحه الاستدلال بها نتعرض لها هنا.

و وجه الاستدلال بها ان النهی عن ضرب الرجل یتصور بصورتین: الاولی: ضرب الرجل علی الارض حتی یعلم السامع به و ینظر الیها.

والثانیه: ضرب الرجل بالرجل کذلک.

وفی الحقیقه ان الهدف من ذلک الاقدام علی امر یوجب التوجه و التهیج من الرجال الی النساء و هو منهی فی هذه الآیه الشریفه و حرام.

و اشار بعض المفسرین الی وجود هذه السیره فی الجاهلیه الی نزول الاسلام و اذا نزل الاسلام نهی عن ذلک و امر باستتار الزینه.

قال الزمخشری: کانت المرأة تضرب الأرض برجلها لیتقعقع خلخالها فیعلم أنّها ذات خلخال و قیل کانت تضرب إحدی رجلیها الأخری لیُعلم أنّها ذات خلخالین. الکشاف: ج 3 ص 62 63.
و قال السیوطی: «عن سعید بن جبیر قال: إنّ المرأة کانت یکون فی رجلها الخلخال فیه الجلاجل فاذا دخل علیها غریب تُحرّک رجلها عمداً لیستمع صوت الخلخال. الدر المنثور: ج 6 ص 186.
و اذا کان هذا ممنوع بهذه الهدف ای ایجاد التهییج ، فالنظر الی جسد النساء بطریق اولی ممنوع و حرام.

مضافا الی انه یمکن القول بان کل اقدام یوجب الهدف المذکور منهی و حرام، سواء حصل بضرب الرجل علی الرجل او بعدم تسترهن من الرجال او بالتجمل الصناعی الغیر الخلقیه ، بسبب استخدام اللازم الزینه الخاصه بالنساء.

فالمراه ان زینت وجهها و سایر اعضاء جسدها و خرجت من البیت حتی ینظر الرجال الاجانب الیها فحرام بالعله المذکوره فی هذه الایه.

 

الاستدلال بالسنه:

بما ان السنه هی القول او الفعل او التقریر من المعصوم(ع)و بما ان مجموعها دلیل علی اثبات الحکم الشرعی فالاستدلال بها علی وجوب التستر علی النساء امر واضح لمن راجعها بادنی المراجعه.

و لکن من حیث انا تعرضنا لاکثر الاخبار فی المسایل السابقه التی بحثتا عنها من قبل ، لا نرجع الیها و لا نبحث عنها ثانیا بل نحول الطالب الی مظان بیانها فی المسایل السابقه، کمساله النطر الی الاجنبی و الاجنبیات، و مساله النظر الی العضو المبان، و مساله مستثنیات النظر الحرام، و غیرها و کاخبار الجلباب و الخمار و غیرهما.

و من يراجعها يظهر له أن الاخبار الدالة علی وجوب التستر علی النساء کثیرة جدا تبلغ حد الاستفاضة بل تبلغ حد التواتر المعنوي لو لم نقل بانه لفظی.

 

 و اما من جهه ان وجوب الستتر علی النساء امر تربوی للتربیه الجوامع الاسلامیه الانسانیه مضافا الی انه حکم واجب شرعی فقهی ، نشير هنا الی بعض الاخبار الوارده فی ذلک من هذه الجهه و الیک بعض نصوصها.

 

1 - قال امير المؤمنين عليٌّ عليه‏السلام لابنـهِ الحسنِ عليه‏السلام : واكْفُـفْ علَيهِنَّ مِن أبْصارِهِنَّ بحَجْبِكَ إيّاهُنَّ ، فإنَّ شِدَّةَ الحِجابِ خَيرٌ لكَ ولَهُنَّ ، ولَيس خُروجُهُنَّ بأشَدَّ مِن إدْخالِكَ مَن لا يُوثَقُ بهِ علَيهِنَّ ، وإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ لا يَعْرِفْنَ غَيرَكَ فافْعَلْ .  تحف العقول :86.


2 - عن علی عليه‏السلام : صِيانَهُ المَرأةِ أنعَمُ لِحالِها وَأدوَمُ لِجَمالها .غرر الحكم: 5820
3 - وروي عن أبي عبد الله - عليه السلام - أنه قال : على الصبي إذا احتلم الصيام ، وعلى المرأة إذا حاضت الصيام والخمار ، إلا أن تكون مملوكة ، فإنه ليس عليها خمار ، إلا أن تحب أن تختمر ، وعليها الصيام. المقنع  ص 196.

 

4 - محمد بن یعقوب عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : لا يصلح للجارية إذا حاضت إلا أن تختمر إلا أن لا تجده. الكافي:  5  ص 532.

 

5 - محمد  بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا إبراهيم ( عليه السلام ) عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطي رأسها ممن ليس بينها وبينه محرم ومتى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة ؟ قال : لا تغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة. الكافي  ج 5/533.

 

6 - الجعفريات : أخبرنا محمد ، حدثني موسى ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي ( عليه السلام ) قال : " قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا يقبل الله صلاة جارية قد حاضت حتى تختمر  ولا تقبل صلاة من امرأة ، حتى تواري أذنيها ونحرها في الصلاةو مستدرك الوسائل  ج 3  ص 215.

 

اشارة الى وصية السيدة فاطمة(س) الى علي(ع) بمناسبة ذكرى استشهادها

روى الخوارزمي : عن ابن عباس أنه قال : ولما جاء فاطمة الأجل لم تحم ولم تصدع ولكن أخذت بيدي الحسن والحسين فذهبت بهما إلى قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاجلستهما عنده ثم وقفت فصلت بين المنبر والقبر ركعتين ثم ضمتهما إلى صدرها والتزمتهما وقالت : يا ولدي أجلسا عند أبيكما ساعة وعلي ( عليه السلام ) يصلي في المسجد ثم رجعت نحو المنزل فحملت ما فضل من حنوط النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاغتسلت به ولبست فضل كفنه ثم نادت : يا أسماء وهي امرأة جعفر الطيار. فقالت لها : لبيك يا بنت رسول الله .

فقالت : تعاهديني فإني أدخل هذا البيت فأضع جنبي ساعة فإذا مضت ساعة ررلالاولم أخرج فناديتني ثلاثا فإن أجبتك وإلا فاعلمي إني لحقت برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم قامت مقام رسول الله في بيتها فصلت ركعتين ثم جللت وجهها بطرف ردائها وقضت نحبها.

 وقيل : بل ماتت في سجدتها فلما مضت ساعة أقبلت أسماء فنادت : يا فاطمة الزهراء ، يا أم الحسن والحسين ، يا بنت رسول الله ، يا سيدة نساء العالمين ، فلم تجب ، فدخلت فإذا هي ميتة.

 ، فقال الأعرابي : كيف علمت وقت وفاتها يا ابن عباس ، قال : أعلمها أبوها ، ثم شقت أسماء جيبها وقالت كيف اجترىء فاخبر ابني رسول الله بوفاتك ; ثم خرجت فتلقاها الحسن والحسين فقالا : أين أمنا ؟ فسكتت . فدخلا البيت فإذا هي ممتدة فحركها الحسين فإذا هي ميتة فقال يا أخاه آجرك الله في أمنا ; وخرجا يناديان يا محمداه اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت أمنا ثم أخبرا عليا وهو في المسجد فغشى عليه حتى رش عليه الماء ثم أفاق فحملهما حتى أدخلهما بيت فاطمة الزهراء فرأها وعند رأسها أسماء تبكى وتقول وايتامى محمداه كنا نتعزى بفاطمة ( عليها السلام ) بعد موت جدكما فبمن نتعزى بعدها ثم كشف علي ( عليه السلام ) عن وجهها فإذا برقعة عند رأسها .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفرع الثاني: عدم وجوب التستر علی الرجال

اولا قليل من الفقهاء تعرضوا لهذا الفرع من المسألة

و ثانيا قد نقل في ذلک اتفاق الفقهاء و فی ذلک قال السید الحکیم:

یظهر من کلماتهم انه من القطعیات عند جمیع المسلمین ، و ینبغی ان یکون کذلک، فقد استقرت السیره القطعیه علیه، بل يمکن دعوی الضروره علیه. مستمسک العروه الوثقی، 14 کتاب النکاح، مساله51.

و قال السید الخویی ایضا: جزما، بل جوازه من الضروریات التی قامت السیره القطعیه علیه. مبانی العروه المطبوع ضمن الموسوعه: 32/105.

فظهر ان المسالة من المسايل المتفاهم عليها والمتسالم عليها بين المسلمین، یعنی ان المسلمین سیرتهم علی عدم وجوب التستر علی الرجال فی غیر العورة.

والاصل الاولی ای الاباحه ایضا یقتضی ذلک ای عدم وجوب التستر علی الرجال‘ فيعاضده الاصل.

حیث انا لم نعثر علی دلیل لفظی فی مقابل السیرة المستمرة واصالة الاباحة من الآیات والاخبار، و واضح اذا لم یکن فی البین دلیل مخالف للاصل فیحکم بمقتضی الأصل و هو الاباحة، لأن الأمور یجری علی الأصول والقواعد العامة الاولیة حتی تخرجونها الأدلة الخاصة و هی غیر موجودة هنا، و لعل منشاء السیرة المستمرة ایضا ذلک ، ای عدم وجود الدلیل المخالف.

بقي هنا أمر:

نعم بقی هنا أمر فی بیان الحد فی عدم وجوب التستر علی الرجال هل هو مطلق یشمل جمیع البدن حتى العورة او لایشمل ذلک باطلاقه؟

فقد قدمنا البحث عنه فی بیان المساله التاسعه ان السیره المذکوره لیست مطلقه بل یشمل مقدار الذی لایستره الرجال غالبا کالوجه و الکفین والشعر والراس و مقدار من الصدر و القدم و غیر ذلک مما هو معروف فی العرف لا جمیع البدن و لا تستقر علیه السیره.

لانه ینبغی ان لایذهب علیک ان تعری الرجل عند المراه ینقسم الی ثلاثه اقسام: منها تعری جمیع جسده حتی العوره فهو مختص بخلوته عند الزوجه.

و منها تعری جسد الرجل غیر العوره و هو مختص بمحارمه، و لکن ذکرنا سابقا فی تعیین مقدار العوره من الرجل، ان ما یحرم علی المحارم و المماثل النظر الی العوره و هی تشمل احتیاطا ما بین السره و الرکبه،  ولا یختص بالقبل و الدبر فقط.

و منها تعری مقدار ما لا یستره الرجال غالبا کالوجه و الکفین و الشعر والراس و القدم و مقدار من الصدر هو مختص بالاجنبی ، مثل ما نحن فیه.

فظهر ان السیره لیست قائمه علی تعری جمیع جسد الرجل عند المراه الاجنبیه بل تختص قیامها بما لایستره الرجال غالبا.

 

الفرع الثالث:

حرمة النظر من النساء الی الرجال فی صوره عدم تسترهم.

ان هذا الفرغ قد تقدم البحث عنه فی المساله التاسعه عشر بالتفصیل فلذلك لا نعیده و من يريده فليراجع.

 

الفرع الرابع:

وجوب التستر احتیاطا علی الرجال اذا علموا ان النساء ینظرن متعمدا الی اجسادهم.

و توضيحه أن نظر المرأة الي أعضاء جسد الرجل عدا ما استثني حرام‘ و هو مقتضى الأدلة الشرعية‘ فأما اذا كان هناك ناظر محترم من النساء و علم الرجل بوجوده و بأنها تنظر الى جسده و لكن لم يهتم بتستر بدنه و جسده و بل أظهر جسده ‘ فالسيد الامام يقول: انه قد ارتكب حراما لانه كان يجب عليه احتياطا أن يستر جسده أمام المرأة.

و هذه المسألة مورد ابتلاء الناس و المتشرعة في المجتمع و عل يالخصوص في ميادين الرياضية لان الرياضيين يعلمون أن النساء ينظرون الي جسدهم و لكن لا يسترون اجسادهم.

 

أما الدليل علي ذلك:

استدل علی ذلک بقاعدة حرمة الاعانة علی الاثم کما استدل بها السید الیزدی فی العروه الوثقی:

و یجب علیهم التستر مع العلم بتعمد النساء فی النظر من باب حرمة الاعانة علی الاثم. العروه الوثقی: مساله 51.

و لاریب فی ان هذه القاعده ، قاعده فقهیه مسلمه عند الفقهاء و یتمسکون بها فی كثير من ابواب الفقه و لها دور واسع فی استخراج الحکم و الفتوی و منشاء تاسیسها آیه من کتاب الله عزوجل و هو قوله تعالی: تَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَنِ. المائده:5/2.

نعم لاشك في اثبات هذه القاعدة عند جميع فقهاء الامامية.

و لکن الكلام و الحديث فی انها هل تشمل ما نحن فیه ام لا؟

و من هذه الجهة قد اورد بعض علی استدلال السید الیزدی بایرادات نتعرض لبعضها.

الاول: ايراد السيد الحكيم

قال السید الحکیم فی شرح بیان صاحب العروه: التحقيق : إن الإعانة على الشئ تتوقف على قصد التسبب إلى ذلك الشئ بفعل المقدمة ، فإذا لم يكن الفاعل للمقدمة قاصدا حصوله لا يكون فعل المقدمة إعانة عليه . فمجرد علم الرجل بأن المرأة تنظر إليه عمدا لا يوجب التستر عليه من باب حرمة الإعانة على الإثم . مع أن مورد السيرة على عدم التستر من ذلك قطعا . مستمسك العروة  ج 14  شرح ص 60.

 

الثاني: ايراد السيد الخويي

والصحيح هو التفصيل في المقام بين ما إذا كان الرجل قاصداً بكشفه نظر المرأة إليه ، وبين ما إذا لم يكن قاصداً لذلك .
ففي الأول : يجب التستّر ويحرم عليه الكشف، لأ نّه بفعله مسبب للحرام، ومتعاون على عمل مبغوض للمولى .
وفي الثاني : فالحكم بالحرمة لا يخلو من إشكال بل منع ، لعدم صدق الإعانة أولاً .
وعلى تقدير صدقها فلا دليل على حرمة مطلق الإعانة على الإثم ، فإنّ الدليل مختص بإعانة الظالمين فلا يشمل غيرهم ، بل السيرة قائمة على الجواز في غير ذلك المورد من موارد ترتب المحرم على فعل المكلف في الخارج ، إذ لا يحتمل القول بحرمة بيع الخباز الخبز ممن يفطر به في شهر رمضان متعمداً ، وكذا صاحب السيارة أو السفينة إذا حمل من هو في سفر معصية إلى غير ذلك من الأمثلة ، بل المحرم هو التعاون على الإثم ومن الواضح أ نّه غير الإعانة ، فإنّه إنّما يتحقق بالاشتراك في الإتيان بالمحرم بحيث يكون له دور القيام ببعض الأجزاء والمقدمات ، وفي غيره لا دليل على الحرمة .المباني في شرح العروة الوثقي المطبوع ضمن الموسوعة: 32104.

قال الشيخ مكارم الشيرازي في تحليل المسألة و الدفاع عما يرد عليه السيد الخويي و السيد الحكيم:

أنّ نظر المرأة إلى أعضاء الرجل- عدا ما استثني- حرام بمقتضى الأدلّة الشرعية، فإذا كان هناك ناظر محترم من جنس النساء، وعلم الرجل به، ولم يستر بدنه، كان أعانها على الحرام، والإعانة على المحرّم حرام، فلا يتوقّف الحكم بالحرمة على صورة التلذّذ والريبة؛ لأنّ الحرمة غير قاصرة عليها. هذا.

وقد يستشكل على صغرى المسألة- بعد قبول كبراها؛ أي حرمة الإعانة-: بأنّ صدق الإعانة فرع قصدها، وبتعبير آخر: أنّ الإعانة على الشي‌ء، تتوقّف على قصد التسبّب إلى ذلك الشي‌ء بفعل المقدّمة، فإذا لم يكن الفاعل للمقدّمة قاصداً حصوله، لا يكون فعل المقدّمة إعانة عليه، فمجرّد العلم بأنّ المرأة تنظر إليه عمداً، لا يوجب التستّر عليه من باب حرمة الإعانة على الإثم‌ [1].

ولكن يرد عليه: أنّ الإعانة أمر عرفي لا يتوقّف على القصد في بعض الأحيان، وإن شئت قلت: قصده قهري؛ فمن يبيع أنواع السلاح لأعداء الدين، ولا سيّما عند قيام الحرب بينهم وبين المسلمين، ويزوّدهم بأنواع التجهيزات رغبة في الحطام والمنافع المادّية بغير قصد الإعانة، يكن معاوناً لهم عند جميع الناس، ولا يحتاج إلى نصّ خاصّ في المسألة؛ وإن ورد فيها بعض النصوص.

وكذلك من يبيع العنب لمصانع الخمر عالماً عامداً بقصد المنافع الكثيرة- من دون قصد صنع الخمر- يعدّ معاوناً لهم، ولا يقبل أحد منهم أنّه لم يقصد ذلك، بل قصد المنافع، ولا سيّما إذا كان البائع للمصنع منحصراً فيه.

ولذلك نمنع من ظهور الرجال عرايا في مقابل النساء في ميادين الرياضة، أو في مراسم العزاء الحسيني- سلام اللَّه عليه- ولا أقلّ من الاحتياط الوجوبي في ذلك؛ لما ذكرناه. هذا.

وقد يقال: لو لم يكن القصد شرطاً، بل يكفي فعل بعض المقدّمات مع العلم بأنّه‌

ينتهي إلى فعل الحرام من ناحية الغير، لم يجز بيع الخبز والطعام لأهل المعاصي؛ فإنّه مقدّمة لأفعالهم، ولولاه لم يقدروا عليها.

ولكن نجيب عنه: بأنّه فرق واضح بين المقدّمات القريبة المباشرة، والبعيدة النائية، ففي الاولى يصدق عنوان الإعانة على الإثم، وفي الثانية غير صادق، والشاهد عليه قضاء العرف والعقلاء بذلك.

و هناك نقطة أخري في تحقق العنوان بعد قصد الاعانة من المعین في فعله و هو تحقق المعان عليه ای الفعل الحرام.

فهو ایضا غیر متسالم علیه الفقهاء؛ لان بعضهم یقولون باشتراطه فیه و بعض آخر یقولون بعدم اشتراطه .

و اما الامام الخميني (ره) له بيان و كلام في ذلك وصرح به فی کتابه الآخر (المکاسب المحرمه) و الیک نص کلامه:

فيقع البحث في المفهوم الإعانة على الإثم عرفا أي في هذا العنوان التركيبي المتعلق للنهي :..... ولكن يمكن أن يقال : إن المفهوم العرفي من الإعانة على الإثم هو ايجاد مقدمة ايجاد الإثم وإن لم يوجد ، فمن أعطى سلما لسارق بقصد توصله إلى السرقة فقد أعانه على ايجادها ، فلو حيل بين السارق وسرقته شئ ولم تقع منه يصدق أن المعطي المسلم  أعانه على ايجاد سرقته وإن عجز السارق عن العمل ، فلو كان تحقق السرقة دخيلا في الصدق فلا بد وأن يقال : إن المعتبر في صدق الإعانة ايجاد المقدمة الموصلة ، أو الالتزام بأن وجود السرقة من قبيل الشرط المتأخر لصدق الإعانة وكلاهما خلاف المتفاهم العرفي منها بل هما أمران عقليان .

أو يقال : لا يصدق عرفا الإعانة على الإثم حتى وجدت السرقة ، فالفعل المأتي به لتوصل الغير إلى الحرام : مراعى حتى يوجد ذو المقدمة وبعده يقال إنه أعانه عليه وهو أيضا خلاف الواقع.

( أو يقال ) إن صدق الإعانة عليها فعلا باعتبار قيام الطريق العقلائي على وجود الإثم وبعد التخلف يكشف عن كونها تجريا لا إعانة ، وهو أيضا غير صحيح لأن الطريق العقلائي عليه لا يتفق إلا أحيانا ومع عدم القيام أيضا يقال : أعانه على ايجاده ، فمن أعطى جصا لتعمير مسجد يقال : إنه أعان على تعميره قبل تحققه بل مع عروض مانع عنه ، ولهذا يصح أن يقال : إني أعنت فلانا  على ؟ تعمير المسجد ولم يقع منه ذلك بلا شائبة تجوز. المكاسب المحرمه ج 1 ص 140.

 

التحقيق في صدق الاعانة على الحرام:

لاریب فی ان تحقق الاعانه و صدقها علی الموارد لابد من وجود بعض الشروط فیها: منها: قصد الاعانة من المعین في فعله.

و واضح اذا فقدنا الشرط او الشروط فلا تتحقق الاعانه علی الاثم.

و اما القصد الذی جعل من احد شروط صدق الاعانه فی ما نحن فيه كتعری الرجال اذا علموا ان النساء یتعمدن النظر الی جسدهم دون العورة، حتی یمکن الاستدلال بها  صحیح و لابد لکل احد من تحصیلها ، فالنقطة المهمة في ذلك أنه لا ینحصر صدق الاعانه علیه فقط، بل لصدق الاعانه و حقیقتها علامتان بل شرطان لابد من وجود احدهما علي سبيل منع الخلو: الاول: قصد الاعانه من المعین فی تحقق المعصیه. و ثانیمهما: تصدیق العرف بانه من مصادیق الاعانة و مواردها.

و هذه النقطة و اختلاف العلامة و الشروط حسب اختلاف الموارد‘ لان بعض الموارد یتحقق مع قصد الاعانة من المعین و بعض آخر یتحقق من دون تعلقه بالقصد الاختیاری بل یتحقق بالقصد القهری، یعنی فی بعض الموارد و ان لم یکن قاصدا لشیء لکن العرف یقضی بان هذا الفعل من مقدمات الاثم و لا یخلو من قصد القاصد و لو قهرا.

کمن اعطی السکین بید الرجل الذی کان مغضبا علی احد و اراد قتله بای شی يحصل فی یده و لکن بعد ان ارتکب الرجل القتل، قال المعطی بانه لم يقصد من فعله الاعانة، و لکن لایقبل احد قوله قط و یقولون بان فعله لا یخرج من القصد قهرا، و یمکن القول به ما نحن فیه یحتمل ان یکون من هذا القبیل.

عنوان الإعانة ليس مشتركا لفظا بين مواردها و أقسامها  بل يختلف في مواردها.

و يمكن القول بأن القصد ليس داخلا في حقيقة الإعانة إلا أن عند وجوده يعلم وجود الإعانة فيكون القدر المتيقن من موارده و مصاديقه مورد القصد لا أنه معتبر فيه القصد فقط‘ بل المهم نظر العرف في صدق الاعانة.

و بقیت نقطة مهمة و هو ان مقدمات الفعل علی قسمین:

الاولی: مقدمات قریبه لا تنفک من ذیها.

الثانیه: مقدمات بعیده یمکن الانفکاک بینهما.

و لابد فی تحقق القصد القهری ان تکون المقدمات قریبة لا بعیدة، لان البعیدة لیست متصلة بالفعل الحرام و یمکن ان یندم و یرجع تارکا له. و الی هذا التقسیم و التفصیل أشار المحقق الاردبیلی.

و علیهذا ما ذکره السید الحکیم باطلاقه یمکن الخدشه فیه و ان کان صحیح فی اکثر موارده، و لعل ما ذکره بعض الفحول من عدم اعتبار القصد فی تحقق الاعانه ذلک کالشیخ فی المبسوط حیث استدل علی وجوب بذل الطعام لمن یخاف تلفه بقول النبی صلّی اللّه علیه و آله: من أعان علی قتل مسلم و لو بشطر کلمه جاء یوم القیامه مکتوبا بین عینیه آیس من رحمه اللّه.  عوالی الئالی: 2/33 ح 48.

فجعل مجرد ترک بذل الطعام لمن یخاف تلفه مصداقا للإعانه علی قتل المؤمن، و لو لم یکن بقصد القتل.

و العلامه؛ حیث استدل فی التذکره علی حرمة بیع السلاح من أعداء الدین بأنّ فیه إعانه علی الظلم من دون شرط القصد.

والمحقق الثانی؛ حیث استدل علی حرمة بیع العصیر المتنجس ممن یستحلّه بأنّ فیه إعانه علی الإثم کذلک.

و کذا المحقق الأردبیلی؛ حیث استدل علی حرمة بیع العصیر ممن یعلم أنّه یصنع خمرا بأنّ فیه الإعانه علی الإثم.

فظهر ان هولاء الفحول من الفقهاء ایضا قائلون بان القصد یمکن وجوده فی المساعده و لو لم یقصده الفاعل بصراحه لفظه، لان بعض العمل لا ینفک عن القصد.

و یؤیّد ما ذکرناه الخبر النبوی المروی فی الکافی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام: «من أکل الطین فمات فقد أعان علی نفسه. وسایل الشیعه: 16/393 باب 58 کتاب الاطعمه و الاشربه.

لو سلمنا ان القصد من المعین قبل العمل و حین العمل لازم بوجوده الاختیاری و لا محاله فی تحقق عنوان الاعانه علی الحرام و لا معنی لوجوده القهری، فنقول: ان الکلام فی مورد علم الرجل ان المراه نظر الیه متعمدا، یعنی علم بتحقق المعصیه و الحرام بعد ایجاد المقدمه منه، و اذا کان کذلک فلازم لنا ان نتامل بدقه فی انه هل یمکن الانفکاک بین علم الرجل بتحقق المعصیه و الحرام بعد وجود المقدمه التی فعلها هو بنفسه، و بین عدم قصد الاعانه الی المعان  فی تحقق الحرام؟

و المعلوم ان العرف لاینفک بینهما ، یعنی ان العرف و اهله یقول ان هذا العمل لایخلو من قصد و اراده الاعانه علی الحرام.

و ان العرف یطلق الاعانه علی الاتیان بکل ما یعلم المعین بترتب صدورالاثم من غیر علیه، من شرط او سبب و نحوه من المقدمات، سواء کان هذا مما لو ترک المقدمه هو لترک المعصیه لعدم تمکنه منه او لاستلزامه المشقه والحرج او لایکون من هذا القبیل.

لان الاتیان بالعمل لایخلو من القصد بل کان ماهیه الاتیان مقرون بالقصد لامحاله الا ان یکون الفاعل غافلا غیر متوجه و غیر عالم بما فعل، والمفروض فیما نحن فیه یکون عالما بترتب الحرام علی فعله.

فظهر ان ملاک صدق عنوان الاعانه هو نظر العرف،  لا قصد الاعانه الملحوظ من المعین فقط بل یکفی علم المعین بتحقق الحرام فی صدقها، فعلیهذا لا وجه لاناطتها بالقصد الصريح!

وان للشيخ الانصاري (ره) تحقيقا جامعا في تحرير و بيان جهات هذه القاعدة اي قاعدة حرمة الاعانة علي الاثم‘ و فيه بعد أن حكى آراء الفقهاء في ذلك قال:

و يظهر من الأكثر عدم اعتبار القصد. منهم الشيخ في المبسوط .....والعلامة في التذكرة ....و المحقق الاردبيلي و....

و انما اشترط الأردبيلي في صدق الإعانة أحد أمرين: قصد الإعانة، أو صدقها عرفا وإن لم يقصد بذلك الإعانة. كم قلنا بذلك آنفا.

و هناك تفصيل للبجنوردي في قواعده:

وفصل البجنوردي بين ما لو صدرت الإعانة قبل إرادة الفاعل للإثم (المعان) أو بعدها، فعلى الأول لم تصدق الإعانة على الإثم، وعلى الثاني تصدق وإن لم يقصد المعين بفعله إعانة الفاعل على صدور الإثم منه.

و أما بالنسبة الي تفصيل السيد البجنوردي في ذلك فلابد و أن نقول: ان هذا البيان صحيح لو نقول بأن ليس العرف مرجعا في تشخيص صدق العنوان و عدم صدقه.

و أما اذا قلنا بمرجعية العرف و بأن الملاك هو نظر العرف فلا يجوز لنا أن نقول بالفرق و التفصيل بين قبل ارادة المعان أي الفاعل للاثم و و بعدها لأن العرف لايتوجه الي ذلك كي يحكم بذلك. و لا يفرق بينهما.

فكلام السيد البجنوردي يختلف عنا حسب المبنى.

و أما بالنسبة الى الشبهة المعروفة بعدم امكان تصور الانفكاك بين الاتيان بالفعل وقصد الفاعل ‘ فكيق تقولون بعدم اعتبار القصد في صدق الاعانة؟ فنقول:

هذا صحيح و نحن نتفق معكم في هذا المعني المذكور أي عدم الانفكاك بين صدور الفعل و عدم القصد‘ و لكن هذا مرتبط بقصد الفعل و ليس مرتبطا بقصد صدور الاثم! يعني لا يمكن صدور الفعل عن فاعل بغير قصد الاتيان الا أن يكون غافلا أو ساهيا أو نائما أو....

و انما الكلام في اعتبار قصد صدور الاثم‘ و عدم اعتبار قصد صدور الاثم في صدق العنوان ‘ يعني أن المعين يريد و يقصد من فعله صدور الحرام من الفاعل اي المعان و هذا لا يشترط.

ويويده ما في الروايات الواردة في أعوان الظلمة و أكل الطين‘ و قتل الانسان نفسه‘ كما يقوله الشيخ الانصاري:

و يدل عليه غير واحد من مما ورد في أعوان الظلمة فأن من الواضح عدم قصد أكل التراب في الاغلب قتل نفسه ‘ كما أن الاغلب في أعوان الزلمة قصد تامين موونتهم و قضاء حوائج أنفسهم بذلك‘ لا الظلم و التعدي الى الرعية المستضعفين.

و هناك تفسير آخر في القصد و هو قصد العصيان من المعان اي فاعل الاثم‘ فهل يعتبر قصد العصيان من فاعل الاثم أو لا؟ و هل يعتبر احرازه من جانب المعين في صدق الاعانة على الاثم أو لا؟

فالظاهر أنه لابد من القول بالتفصيل في ذلك ‘ لأن الفاعل الاثم أما أن يكون مشهورا بهذه الصفة فلايحتاج الي احراز القصد لأنه بالطبيعي يقصد الاثم بعد تهيأ المقدمة‘ ففي ذلك المورد يكفي مجرد علم المعين بوقوع الحرام.

و أما في صورة عدم شهرة المعان أي فاعل الاثم فالأمر تابع لاتخاذ المبني في الشرء الثالث في صدق الاعانة و هو شرط وقوع الاثم و سنتحدث فيه.

 

التحقيق في معني الاعانة و الفرق بينه و بين التعاون

اولا لا ريب في أن المراد من الاعانة في القاعدة هو المعني اللغوي و و هو عبارة عن مساعدة الغير و مظاهرته في فعله بايجاد بعض مقدماته  و رفع الموانع.

و لكن لابد من الشرط في تحقق معني الاعانة بعدم استناد الفعل الي المعين عرفا‘ بل يستنى الي الفاعل المباشر وحده‘ لانه اذا يستند الفعل الي المعين هو يدخل في التعاون.

مضافا الي ذلك أنه في بعض الموارد يقصد معني الاعانة من لفظ التعاون, كالتيامن و التياسر و التكامل و.....

لأن هذه اللغات قد تستعمل في معناها الاصلي في الباب و قد تستعمل في غيره.

و انما الاختلاف في معنى لفظ التعاون من جهة انتسابه الي الفاعل‘ لانه اذا أسند الى اثنين مثل قولهم : تعاون زيد و عمرو في رفع الصخرة‘ فهو قد استعمل في معناه اي التعاون‘ و أما اذا أسند الى القوم كما في قولهم : تعاون القوم أي أعان بعضهم بعضا و صار عنوا له‘ و في هذا المورد قد استعمل في الاعانة و هي في جانب واحد و لايلزم أن يكون من الجانبين. و صرح بذلك في أكثر كتب اللغة كالقاموس و الصحاح و المصباح و ....

 

و كذلك اكثر أهل التفسير قد صرحوا بذلك في ذيل الآية بأن المراد من التعاون في الآية الاعانة و لا التعاون.

فبذلك يندفع الاشكال الاول من السيد لخوئي في الفرق بين التعاون و الاعانة.

و أما بالنسبة الي ما قاله السيد الخوئي في اختصاصه بمعونه الظالمين و لا يمكن تسريه الي جميع موارد المعاصي فنقول: ان العنوان عام و يشمل الجميع سواء في اعانة الظالمين أو غير الظالمين و أن كان اعانة الظلم من اصدق مظاهر الاعانة علي الحرام.

مضافا الي ذلك استعمال اللفظ و نص القاعدة في الاحاديث و الروايات في غير مورد الظلم والظالمين كما ذكرناه آنفا من أكل الطين و قتل المومن و بيع السلاح لأعداء الدين و بيع العنب ممن يعمله خمرا و بيع العصير المتنجس لمن يستحله و..... كالخبر النبوی المروی فی الکافی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام: «من أکل الطین فمات فقد أعان علی نفسه. وسایل الشیعه: 16/393 باب 58 کتاب الاطعمه و الاشربه.

و انما المهم شمول النهي عن الاعانة فيما هو منهي عنه شرعا و بما يحرم أو يحقق به الفعل الكرام شرعا كما صرح بذلك الفقهاء في كتبهم كما في المراسم و الشرايع و غيرهما.

 

هل يشترط في صدق الاعانة تحق الفعل الحرام من المعان اي الفاعل أو لا؟

ان الاشكال الذي طرحه بعض الفقهاء هو هذا السوال بأنه هل يشترط في صدق الاعانة علي الاثم و الحرام تحق الفعل الحرام من المعان في الخارج أو الملاك كذلك هو نظر العرف؟

نقول: ان هذا الموضوع محط أراء الفقهاء و العلماء و لكن كما قلنا سابقا أن الملاك في تشخيص صدق العنوان هو نظر العرف و لا نتراجع عنه.

و اما النقطة المهمة في ذلك أن العرف يفرق بين ما تحقق الفعل الحرام من المعان و بين ما لم يتحقق فيحكم بصدق العنوان في الاول و عدم صدقه في الثاني.

لانه و ان كان في بداية النظر العرف لا يفرق بين تحقق الفعل و عدم تحقق الفعل و لكن بعد أن التف العرفبعدم تحقق الفعل الحرام من المعان ينصرف نظر العرف الي عدم صدق العنوان و عدم شمول العنوان.

و لان في الفقه عنوان آخر مثل عنوان التجري و لابد من الفحص و في صدق هذا العنوان في المورد.

و يويد هذا ما ورد في الروايات التي ذكرنا بعضها آنفا كروايات أكل الطين.

كالخبر النبوی المروی فی الکافی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام: «من أکل الطین فمات فقد أعان علی نفسه. وسایل الشیعه: 16/393 باب 58 کتاب الاطعمه و الاشربه.

قد قيد أكل الطين بالموت و قال: من أكل الطين فمات.....

يعني يشترط في صدق العنوان تحقق اثر الاعانة و في تحقق الفعل الحرام.

و في رواية أخري: فان أكلته فمت فقد أعنت علي نفسك.

 

التحقيق النهايي و القول المختار:

بعد أن تعرضنا للمباحث المتعددة بشان الاستدلال بالقاعدة على الفرع الرابع ظهر لنا أن الاعانة علي الاثم فيمكن تصورها في أربعة صور‘ في بعضها يصدق الاعانة علي الحرام و في بعضها الآخر لايصدق‘ ففي هذا المقام من التحقيق فنتعرض لها.

الاولي: الصورة التي يوجد فيها القصد و الفعل الحرام معا.

الثانية: عدم القصد و عدم تحق الفعل الحرام.

الثالثة: لم يقصد المعين الاعانة علي الحرام و لكن ترتب عليه الحرام.

الرابعة: صورة تحقق القصد و عدم ترتب الحرام عليه.

 

السوال: فهل يمكن القول بصدق الاعانة و حرمتها في جميع الصور الاربعة؟

لاريب في أن علي المبني الذي اخترناه في صدق الاعانة لايمكن القول بصدق العنوان في جميع الموارد الاربعة بل يمكن في بعضها فقط.

ففي الصورة الأولي لا شك و لاريب في صدق عنوان الاعانة‘ لانا قلنا ان الملاك المهم في صدق العنوان هو نظر العرف ‘ و العرف قد يحكم بصدق الاعانة في الصورة الاولى. و لا خلاف في صدقه بين الفقهاء.

و أما الثانية: فلا اشكال في عدم صدق العنوان‘ لانه لايوجد فيها شي لا من القصد و لا من الفعل الحرام ‘ ففي الحقيقة لا يوجد حرام و لايوجد اعانة فكيف يمكن القول بصدق العنوان!؟

و أما الثالثة: فهي صورة خلافية و انما الخلاف من جهة اعتبار القصد و عدم اعتبار القصد في صدق العنوان.

و لكن نحن نقول بصدق العنوان في هذه الصورة ‘ لانا لا نقول باعتبار القصد بل نقول باعتبار نظر العرف ‘ و ان العرف يحكم بصدق العنوان لان الفعل الحرام الصادر من المعان قد تحقق و بالتالي يصدق العنوان.

مضافا الى ذلك أن الصورة التي نتحدث عنها حائزة جميع الشرائط في صدق العنوان ‘ لانا قلنا باشتراط لابدية تحقق الفعل الحرام الصادر عن المعان و الشرط قد تحقق في هذه الصورة.

لكن لابد من القول بالفرق بين المقدمات القريبة و المقدمات البعيدة في صدق العنوان كما تقدمنا ذكره.

الرابعة: و هي الصورة التي تحقق فيها القصد و لم يتحقق الفعل الحرام من المعان.

ففي هذه الصورة كذلك لاريب في عدم صدق العنوان‘ لان الشرط المهم الذي التزمنا به في تحقق صدق العنوان غير متحقق في هذه الصورة‘ فكيف يمكن القول بصدق العنوان.

و لايفوتني أن أقول بعدم الفرق في عدم تحقق الفعل الحرام بين أن يكون قد رجع عن الارتكاب لاجل ندامة المعان أو لأجل مانع.

فبالنتيجة نقول في القول المختار أن الحق في صدق العنوان هو الاعتماد علي نظر العرف و تحقق الفعل الحرام و لا غير.

سوال: لما ذا نقول بلابدية تحقق الفعل الحرام؟ مع أن السيد الامام (ره) رغم القول باعتبار نظر العرف قال بعدم اشتراط تحقق الفعل الحرام.

قال رحمه الله: فلو حيل بين السارق وسرقته شئ ولم تقع منه يصدق أن المعطي السلم  أعانه على ايجاد سرقته وإن عجز السارق عن العمل ، فلو كان تحقق السرقة دخيلا في الصدق فلا بد وأن يقال : إن المعتبر في صدق الإعانة ايجاد المقدمة الموصلة ، أو الالتزام بأن وجود السرقة من قبيل الشرط المتأخر لصدق الإعانة وكلاهما خلاف المتفاهم العرفي منها بل هما أمران عقليان .

فنقول في الجواب: نعم نقول في المفهوم العرفي في صدق الاعانة بايجاد المقدمة الموصلة و لا نرى اشكالا في القول به.

و العرف كذلك يفرق بين المقدمة الموصلة و غير الموصلة كما قد عبرنا عنه بالفرق بالمقدمة القريبة و البعيدة‘ لان المقدمة القريبة باغلبيتها تكون موصلة و البعيدة بأغلبيتها غير الموصلة.

مضافا الى ذلك ليس الفرق بين المقدمة الموصلة و غير الموصلة و القريبة و البعيدة من الامور العقيلة بل العرف يعرف الفرق و يفرق بينهما.

و كذلك في تعمير المسجد نحن نعتقد ان العرف لايقول بالاعانة علي تعمير المسجد قبل تحققه. بل العرف في صورة الالتفات الى عدم تحقق الفعل الحرام يقول بالاعانة في جهة تعمير المسجد و لا يقول بالاعانة علي تعمير المسجد.

و لاريب في أن صدق حقيقة الاعانة في صورة الاتيان ببعض المقدمات من دون تحقق الفعل الحرام من المعان ‘ في الحقيقة  اعانة الغير علي تمكينه من الحرام و تحصيله القدرة عليه.

و أما صدق اعانته علي فعل الحرام في فرض عدم صدور الحرام فيشكل القول بصدقها.

لأن المتبادر الي أذهان أهل العرف من عنوان الاعانة هو الاعانة علي الاثم الصادر من الغير ‘ لا الاعانة علي الاثم الذي لم يصدر .

 

بقيت هنا نقطة مهمة:

و هي أنه اذا قلنا باشتراط تحقق الفعل الحرام من المعان في صدق الاعانة فما تقول في حديث صفوان الجمال؟

الكشي عن حمدوية عن محمد بن اسماعيل الرازي عن الحسن بن علي بن فضال عن صفوان بن مهران الجمال، قال: دخلت على أبي الحسن الأول (عليه السلام) فقال لي: يا صفوان، كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا. قلت: جعلت فداك أي شيء؟ قال: إكراؤك جمالك من هذا الرجل، يعني هارون. قلت: والله ما أكريته أشرا ولا بطرا، و لا للصيد ولا للهو، ولكني أكريته لهذا الطريق، يعني طريق مكة، ولا أتولاه بنفسي ولكن أبعث معه غلماني. فقال لي: يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت: نعم، جعلت فداك. قال: فقال لي: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت نعم، قال: من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم كان ورد النار.

قال صفوان: فذهبت فبعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك هارون فدعاني فقال لي: يا صفوان بلغني أنك بعت جمالك ؟

قلت: نعم. قال: و لم؟ قلت: أنا شيخ كبير و أن الغلمتن لا يفون بالأعمال؟

فقال: هيهات هيهات ‘ اني لأعلم من أشار عليك بهذا ÷ أشار عليك بهذا موسي بن جعفر.

قلت: ما لي و لموسي بن جعفر؟ فقال: دع هذا عنك فوالله لو لا حسن صحبتك لقتلتك. وسايل الشيعة: كتاب التجارة‘ أبواب ما يكتسب به‘ الباب 42 ح 17.

فواضح أن الفعل الحرام لا يجتاج لأن يكون فعلا جديدا بل الاشتغال بالفعل الحرام و لو كان مستمرا يكفي في صدق عنوان الاعانة و من المعلوم أن هارون كان يشتغل بالحرام و الظلم و اكراء صفوان له من الاعانة و من مصاديق الاعانة.

 الاستدلال بالنهی عن المنکر علی حرمه تعری الرجال و وجوب تسترهم  اذا علموا ان النساء یتعمدن النظر الیهم

قال السید الحکیم فی المستمسک في شرحه علي كلام السيد اليزدي في العروة: ومن ذلك يشكل البناء على تحريمه من باب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على عمومه للمقام . بحيث يقتضي ترك المقدمة ، كي لا يقع غيره في الحرام . وإن كان الظاهر عدم عمومه له ، إذ النهي عن المنكر يراد منه الزجر عن المنكر تشريعا ، بمعنى : إحداث الداعي إلى الترك، فلا يقتضي وجوب ترك بعض المقدمات لئلا يقع المنكر ، كما لا يقتضي الأمر بالمعروف فعل بعض المقدمات ليتحقق المعروف . مستمسك العروة  ج 14  شرح ص 60.

و في مقابل ما قاله السيد الحكيم قال الشيخ مكارم الشيرازي في كتابه الانوار الفقاهة بصحة الاستدلال :

وأمّا الاستدلال بمسألة النهي عن المنكر، فهو أيضاً قريب؛ نظراً إلى أنّ المقصود منه ترك المنكر بأيّة وسيلة كانت، فلذا قد يكون بالقول، وقد يكون بالفعل، مثل إراقة الخمور، وكسر الأصنام، وإخماد بيوت النيران، وما أشبه ذلك، وقد أقدم عليها النبي صلى الله عليه و آله ووصيّه- سلام اللَّه عليه- والمسلمون بعد ذلك، اقتداءً بفعل شيخ الأنبياء إبراهيم عليه آلاف التحيّة والسلام، فإعدام الموضوع من طرق النهي عن المنكر، فإذا علم الرجل بتعمّد المرأة في النظر إلى بدنه- في غير ما استثني، سواء كان بتلذّذ وريبة، أم لا- فإنّه حرام على كلّ حال على المشهور، وعلى المختار، فمن طرق النهي عن هذا المنكر إعدام موضوعه؛ وهو بالستر، فيجب على الرجال التستّر- إذا تعمّدن في النظر من باب النهي عن المنكر.

وما أفاده سيّدنا الاستاذ الحكيم- رضوان اللَّه تعالى عليه- في وجه عدم شمول أدلّة النهي عن المنكر للمقام: «بأنّ المراد منه الزجر عن المنكر تشريعاً؛ بمعنى إحداث الداعي إلى الترك، فلا يقتضي وجوب ترك بعض المقدّمات لئلّا يقع المنكر، كما لا يقتضي الأمر بالمعروف فعل بعض المقدّمات، ليتحقّق المعروف‘ محلّ للمنع.

وذلك لأنّ النهي عرفاً شامل لجميع ذلك، كما عرفت في كسر الأصنام، وإخماد بيوت النيران، وشبه ذلك. وكذا ما صرّح به الفقهاء من وجوب النكاح على من يخاف من تركه الوقوع في الحرام، فإنّه أيضاً من قبيل نفي موضوع الحرام‌

بإشباع الغريزة من طريق الحلال.

والجمود على لفظ «النهي» والقول بظهوره في الزجر تشريعاً، غير صحيح بعد العلم بالملاك، وبعد ما عرفت من سيرة الأنبياء والمعصومين عليهم السلام.

وأمّا ما ذكره من النقض بوجوب فعل بعض المقدّمات ليتحقّق المعروف، فالالتزام به غير بعيد؛ فلو علمنا بأنّه لو لم يكن الحمّام موجوداً في بلد أو قرية، لترك جماعة كثيرة من المسلمين صلاتهم وصيامهم، وكنّا قادرين على بنائه، أو كانت الحكومة قادرة عليه، لم يبعد القول بوجوبه من هذا الباب. ولا يبعد أن يكون وجوب تعليم الحلال والحرام أيضاً من هذا الباب؛ فتدبّر جيّداً. انوار الفقاهة: كتاب النكاح: الجزء الاول: ص 106.

 

مناقشة في كلام شيخنا الاستاذ

و قبل الحديث عن صحة الاستدلال و عدم صحة الاستدلال بوجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر أحب أن أحكي لكم ما قاله الشيخ مكارم الشيرازي في كتاب التجارة ‘ و هو مخالف لما قاله هنا و في كتاب النكاح.

قال: و يمكن الاستدلال لحرمة الإعانة على الحرام- مضافا إلى ما ذكر- بما دلّ على وجوب النهي عن المنكر كما ذكره العلّامة الأنصاري تبعا للمحقّق الأردبيلي قدّس سرّهما، فقال الأوّل منهما بأن دفع المنكر كرفعه واجب، و لا يتمّ إلّا بترك البيع إليه فيجب، ثمّ استشهد بما رواه علي بن أبي حمزة قال: كان لي صديق من كتاب بني اميّة فقال لي: استأذن لي على أبي عبد اللّه عليه السّلام فاستأذنت له «عليه» فأذن له، فلمّا أن دخل سلّم و جلس، ثمّ قال: جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا و أغمضت في مطالبه، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

لو لا أنّ بني اميّة وجدوا لهم من يكتب و يجبي لهم الفي‌ء، و يقاتل عنهم، و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا، و لو تركهم الناس و ما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلّا ما وقع في أيديهم قال ... انوار الفقاهة: كتاب التجارة.

فبناء علي ما ذكره الشيخ مكارم في كتاب التجارة يظهر لنا أن ,وجوب دفع المنكر دليل على حرمة الاعانة على الاثم و الحرام و ليس دليلا علي وجوب التستر على الرجال في صورة علموا ان النساء يتعمدن النظر الي جسدهم.

و الدليل علي القاعدة فلابد و أن نتحدث عنها في محلها‘ و انما كلامنا في ما نحن فيه بخصوص الدليل علي الفرع الرابع و يكفينا في ذلك القاعدة. انتهي كلام الشيخ مكارم الشيرازي.

نعم نحن كذلك نقول بدليلية أدلة وجوب النهي عن المنكر علي اثبات قاعدة حرمة الاعانة علي الاثم بالبيانين.

البيان الأول: ان المستفاد من أدلة وجوب النهي عن المنكر هو قلع مادة الفساد و طبعا وجوب قلع مادة الفساد و المنكر مناقض للاعانة على وقوعه‘ فيستلزم وجوب النهي عن المنكر حرمة الاعانة عليه‘ لزوما بينا.

البيان الثاني: ان أدلة وجوب النهي عن المنكر تدل علي حرمة الاعانة على فعل المنكر بالدلالة الالتزامية‘ يعني مفاد هذه القاعدة مدلول أدلة وجوب النهي عن المنكر بالدلالة الالتزامية‘ لأن حرمة الاعانة علي الاثم لازم لوجوب النهي عنه لزوما بينا.

علي أي حال دلالة أدلة وجوب النهي عن المنكر على حرمة الاعانة علي الاثم انما بالدلالة الالتزامية‘ لا بماهية الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.

لأن الذی يستظهر العرف من الامر بالمعروف و النهی عن المنکر، عباره عن ایجاد الداعی والبعث علی الاتیان بالمعروف، و ایجاد الزجر والمنع عن المنکر، بما انهما من ماهیه الامر و النهی ، لا ایجاد مقدمات او هدمها تکوینا.

و ما قال شيخنا الاستاذ في شمول كل هذه الموارد في نظر العرف فحل نظر و تامل.

نعم العرف يمدح كل هذه الموارد بما انها اعدام الموضوع و قلع مادة الفساد و لكن المهم أن نعرف فهل مدح هذه الموارد في نظر العرف بعنوان الامر بالمعروف و النهي عن النكر أو بعنوان آخر و هو صد طريق الاثم  و المعصية و الحرام باعدام الموضوع و من الواضح أن اعدام الموضوع من التكوينيات و الحال أن الامر والنهي من التشريعيات!

و لایخفی ان المعروف  فعل فاعل المعروف الصادر عن ارادته و اختیاره لا فعل الداعی او فعل فاعل المعروف عن غیر ارادة، و کذلک النهی عن المنکر.

و لو قلنا بان الامر و النهی يشمل ایجاد مقدمات او هدم المقدمات، لاستلزم تحقق المعروف و انهدام المنکر بغیر اراده الفاعل و هو غیر مطلوب من الشارع.

و أما وجوب دفع المنكر فضلا عن وجوب رفعه انما هو محل البحث بين الفقهاء العظام و ليس أمرا قطعيا و ان يمكن الاستدلال عليه حسب دليل العقل على وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر‘ لأنه لا معني عند العقل لرفع المنكر‘ لأن ما وقع في الخارج من الاثم فلا يمكن انقلابه عما هو عليه‘ فالذي يمكن في نظر العقل هو المنع عن وقوع الاثم مطلقا.

فبهذه البيان يمكن القول بوجوب دفع المنكر و دلالته على حرمة الاعانة علي الاثم. و لكن المهم كل هذه المطالب و البيانات خارجة عما نحن بصدده‘ لاننا بصدد اثبات الفرع الرابع لا بصدداثبات القاعدة و هذا دليل علي القاعدة فتامل.

 

مقتضی التحقیق و القول المختار

بعد ان بحثنا بالتفصیل عن أدلة المسألة ظهر بالتحقیق ان لزوم التستر علی الرجال اذا علموا ان النساء یتعمدن النظر الیهم، ثابت و عدم تسترهم و تعریهم حرام بقاعدة حرمة الاعانة علی الاثم و العدوان، و لایرد علیه ما أورده السید الحکیم، و اما من جهة اثباته بالدلیل النهی عن المنکر فلا، لما ذکرناه آنفا.

و اما وجه قوه القول بعدم لزوم التستر علی الرجال حتی فی صورة العلم بتعمد النظر من النساء الیهم ، کما ادعاه السید الماتن، غیر معلوم لنا، مع ان السید الامام اعترف و صرح بأن قاعدة حرمة الاعانة علی الاثم والعدوان تشمل المورد و ما نحن فيه و لایلازم وجود القصد فی جهه المعین.

اللهم الا ان یقال بان قوه عدم لزوم التستر فی نظر السید الماتن مستندا الی  وجود اصاله الاباحه و اصاله البرائه، التی تحکم علی سایر الادله، و هو مقتض لجواز التعری و عدم لزوم التستر.

و لکن لایخفی علیک بما ان قاعده حرمه الاعانه علی الاثم موجوده هنا، و هي حاكمة علی الاصول، لانها متخذه من الآیه من الکتاب العزیز الحکیم، لا مجال للاستناد الی اصل البرائه والاباحه.

فالحق مع السید الیزدی فی المحکی عن العروه لاستناده الی القاعده، و احتیاط السید الماتن الذی یکون  مستحبا ، لا یلیق بالمقام.

تامل فی ضروره علم النساء فی حرمة النظر

لا ریب فی ان علم الرجل بالنظر من النساء متعمدا، اذا کان مستلزما و موجبا للتحریم ، فعلم النساء بحرمه النظر الی الرجال العاریات ایضا شرط لتحریم النظر.

یعنی اذا علمن النساء ان النظر الی الرجال حرام و علمن بان الرجال عريانين‘ فحرام علیهن النظر و أما النظر الابتدائي من دون علم و النظر الاول فلبيس بحرام عليهن.

هذا تمام الکلام فی المساله الثالثه و العشرون.

 



Share
* الاسم:
* البرید الکترونی:
* نص الرأی :
* رقم السری:
  

أحدث العناوین