نسخة الموبایل
www.tabatabaey .com
الأسوة الحسنة ودورها في مواجهة التحدّيات
رقم المطلب: 537 تاریخ النشر: 05 صفر 1440 - 21:57 عدد المشاهدة: 1219
محاضرة » عام
الأسوة الحسنة ودورها في مواجهة التحدّيات

الأسوة الحسنة ودورها في مواجهة التحدّيات

يقول تعالى في محكم كتابه:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾

يُسعدني في البداية أن أرحّب بكم جميعاً في هذه الندوة شاكراً حضوركم ومتمنّياً لكم التوفيق للعمل على تحقيق الغاية والأهداف المتوخّاة من عقدها.

كما أسأله تعالى أن يعظّم أجوركم على ما بذلتم من جهود مباركة في سبيل إحياء ذكر أبي عبد الله الحسين (ع) من خلال المجالس التي أقمتم والفعاليات التي أطلقتم في كافّة المناطق التبليغيّة. فجزاكم الله خيراً.

منذ نشوء المجتمعات البشريّة، والإنسانُ يسعى لتطبيق مجموعة من الأفكار والرؤى التي آمن بها في الحياة على مستوى الأفراد والجماعات؛ مستنفراً الطاقاتِ والإمكاناتِ في ذلك السبيل. إلا أنّه واجه معضلةً في هذا المسار، تمثّلت في العثور على الطريقة المناسبة للتنفيذ؛ إذ كان يجهل كيفيّة تبديل المفاهيم النظريّة لمصاديقَ عمليّةٍ، نتيجةَ حاجة العقل- بالرغم من تجسيده أولى مظاهر الخلق- لأداةٍ تعينه في تحقيق تلك المصاديق العمليّة بعدَ دعمه له في إدراك المفاهيم النظريّة. فبعث الله الأنبياء والرسل لِسَدِّ ذلك العجز باعتبارهم تجسيداً عمليّاً للقيم الدينيّة الإلهيّة العليا؛ الأمرُ الذي جعل من سلوكيّاتهم وسِيَرِهِم نموذجاً يلعب دور الأداة التي تاقَ الإنسان للعثور عليها كي تعين المجتمع البشريّ في مسيرته في تطبيق التعاليم الإلهيّة.

 

 

مفهوم الأسوة في القرآن والحديث

من هنا، يشير القرآن الكريم- باعتباره أعظمَ دستورٍ إلهيٍّ لأكمل الأديان المتمثِّل بالإسلام- لنقطة تربويّة مهمّة على مستوى المجتمع من خلال التأكيد على مبدأ الأسوة والقدوة الحسنة وسيلةً للتقدّم والتطوّر؛ حيث طفحت آياته بسرد قصص الأنبياء لأخذ العبر منها، يقول تعالى عن إبراهيم (ع):

﴿ قَدْ كَانَتْ ‏لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا ‏تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾

ليقدّم بطلَ التوحيد الإلهيّ إبراهيمَ (ع) نموذجاً يُحتذى للعالم أجمع تعبيراً عمّا تمثّله شخصيّته من عنوانٍ جامع للفضائل والقيم التي يحتاجها البشر. وهذا الأمر ليس حكراً بشريحةٍ دونَ أخرى، بل إنّ الله تعالى يحثّ رسولَه محمّداً (ص) على التأسّي بالأنبياء السابقين؛ يقول تعالى مخاطباً إيّاه:

﴿أوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتدِه﴾

فتحوّل (ص) باتّباع تلك الوصيّة الإلهيّة لخلاصة نهج الأنبياء والرسل وعصارة رسالتهم، ما جعل منه الأسوة الأكمل في تاريخ البشريّة، فأمر الله تعالى المؤمنين بالتأسّي به (ص) وقال:

﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن ‏كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾

إذَن، يمكن تشبيه عمليّة التأسّي بعلاقة بين طرفَين؛ أحدهما في سعيٍ حثيثٍ فطريٍّ للبحث عن التكامل من خلال الاقتداء بنموذجٍ يجسّد المُثُلَ العليا ليجسّدها في حياته باتّخاذ القرارات حسب الظروف المحيطة ومقتضياتها لفظاً، وعملاً، وموقفاً.

أمّا الآخر فهو الذي يهبط بقيم السماء على الأرض بتحقيق رسالة الله عمليّاً من خلال الأحكام والأخلاق والعقائد والسلوك؛ ما يستدعي تمتّعه بأكمل الفضائل والصفات باعتباره قناة التواصل الموثوقة بين العباد وربّهم.

الأمر الذي يحكي السرّ والحكمة من وراء اشتراط الإماميّة العصمةَ في الرسل والأئمة لاتّباعهم، فهم أمناء الله في أرضه، وإليكم نماذجَ من الآيات القرآنيّة في هذا السياق. يقول تعالى:

﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 31، 32]

﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ﴾ [النساء: 80]

﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [النور: 54]

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56]

فالأسوة العملية الحسنة، في الحقیقة، ليست سوى الحقّ متحرّكاً ومتمثّلاً في شخصية متكاملة، وقد جسّدها الرسول (ص) عمليّاً من خلال سيرته، حتى ورد في وصفه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه:"كان خُلُقه القرآن"، أي أنّه جسّد القرآن الكريم عملياً و کأنه هو القرآن المتحرك؛ فإذا أردت أن ترى القرآن الكريم في قيمه ومفاهيمه وأخلاقه متجسّداً ومتحرّكاً أمامك فعليك به (ص).

إذن، التأسّي في الإسلام بابٌ من أبو اب الرُّقِيّ بالمجتمعات إلى الكمال الإنساني. وهي عمليّة مستمرّة لا تتوقّف عنده فقط، بل يحملها من بعده الأئمّة المعصومون (ع) المنصوص عليهم إلهيّاً كي تحافظ تلك القنوات الإلهيّة على نقائها وصفائها؛ فعن الإمام السجّاد عليه السلام: "نحن الصراط المستقيم " فكلّ أهل البيت عليهم السلام هم أسوة عملية حسنة للعباد.

رسالة التبليغ في عصرنا

أمّا في عصر الغيبة، ومع شدّة حاجة المجتمع للأسوة الحسنة، يتأكّد دور العلماء والمبلّغين في تقديم تلك القدوات االإلهيّة للبشر بصورة سليمة بعيداً عن الخرافات والغلوّ، واستناداً للأسس العلميّة والعقائدية الصحيحة، لا سيّما في عصرنا الحاليّ الذي يشهد تطوّراً هائلاً في وسائل التواصل مع ما تحمل من شبهات تستهدف الجيل الشابّ لتدمير منظومته الفكريّة والعقائديّة والأخلاقيّة. الأمر الذي يفرض تحديد مهامّ العلماء والمبلّغين من خلال الأحاديث والروايات التي سأستعرض بعض عناوينها فيما يلي:

 

- صون حدود الدين

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام): الْعَالِمُ كَمَنْ مَعَهُ شَمْعَةٌ تُضِيءُ لِلنَّاسِ فَكُلُّ مَنْ أَبْصَرَ بِشَمْعَتِهِ دَعَا لَهُ بِخَيْرٍ، كَذَلِكَ الْعَالِمُ مَعَهُ شَمْعَةٌ يُزِيلُ بِهَا ظُلْمَةَ الْجَهْلِ وَ الْحَيْرَةِ، فَكُلُّ مَنْ أَضَاءَتْ لَهُ فَخَرَجَ بِهَا مِنْ حَيْرَةٍ أَوْ نَجَا بِهَا مِنْ جَهْلٍ فَهُوَ مِنْ عُتَقَائِهِ مِنَ النَّارِ، الْحَدِيثَ. الفصول المهمة: 1602 ح 9.

[944] 10- قَالَ: وَ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): عُلَمَاءُ شِيعَتِنَا، مُرَابِطُونَ فِي الثَّغْرِ الَّذِي يَلِي إِبْلِيسُ وَ عَفَارِيتُهُ، يَمْنَعُونَهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ عَلَى ضُعَفَاءِ شِيعَتِنَا وَ عَنْ أَنْ يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ وَ شِيعَتُهُ النَّوَاصِبُ، أَلَا فَمَنِ انْتَصَبَ لِذَلِكَ مِنْ شِيعَتِنَا، كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ جَاهَدَ الرُّومَ وَ التُّرْكَ وَ الْخَزَرَ أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةً لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ أَدْيَانِ مُحِبِّينَا وَ ذَاكَ يَدْفَعُ عَنْ أَبْدَانِهِمْ. الفصول المهمة: 1602 ح 10. الاحتجاج ج 1  ص 8

 

- الاهتمام بالمجتمع وتلبية حاجاته الثقافيّة

وَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى (عليهما السلام): يُقَالُ لِلْعَابِدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: نِعْمَ الرَّجُلُ كُنْتَ، هِمَّتُكَ ذَاتُ نَفْسِكَ وَ كَفَيْتَ النَّاسَ مَؤُنَتَكَ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، على [أَلَا إِنَّ الْفَقِيهَ مَنْ أَفَاضَ عَلَى النَّاسِ خَيْرَهُ وَ أَنْقَذَهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ وَ وَفَّرَ عَلَيْهِمْ نِعَمَ جِنَانِ اللَّهِ وَ حَصَّلَ لَهُمْ رِضْوَانَ اللَّهِ تَعَالَى وَ يُقَالُ لِلْفَقِيهِ: أَيُّهَا الْكَافِلُ لِأَيْتَامِ آلِ مُحَمَّدٍ، الْهَادِي لِضُعَفَاءِ مُحِبِّيهِ وَ مَوَالِيهِ، قِفْ حَتَّى تَشْفَعَ فِي كُلِّ مَنْ أَخَذَ عَنْكَ أَوْ تَعَلَّمَ مِنْكَ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَعَهُ فِئَامٌ  وَ فِئَامٌ حَتَّى قَالَ عَشْراً وَ هُمُ الَّذِينَ أَخَذُوا عَنْهُ عُلُومَهُ وَ أَخَذُوا عَمَّنْ أَخَذَ عَنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَانْظُرُوا كَمْ فَرْقٌ مَا بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ. الفصول المهمة: 1603. الاحتجاج  ج 1 ص 9.

 

- تعزيز البصيرة ومحاربة البدع

عنه صلى الله عليه و آله : فَضلُ العالِمِ عَلَى العابِدِ سَبعونَ دَرَجَةً ، بَينَ كُلِّ دَرَجَتَينِ حُضرُ الفَرَسِ سَبعينَ عاماً ، وذلِكَ لِأَنَّ الشَّيطانَ يَضَعُ البِدعَةَ لِلنّاسِ فَيُبصِرُهَا العالِمُ فَيُزيلُها ، وَالعابِدُ يُقبِلُ عَلى عِبادَتِهِ.

قال رسول الله: "فضل العالم على العابد بسبعين درجة ، بين كل درجتين حضر الفرس سبعين عاما . وذلك أن الشيطان يضع البدعة للناس فيبصرها العالم فينهى عنها والعابد مقبل على عبادته لا يتوجه لها ولا يعرفها.روضة الواعظين ص 12.

 



Share
* الاسم:
* البرید الکترونی:
* نص الرأی :
* رقم السری: