صلاة عيد الاضحي المبارك
الخطبة الأولى:98521 –10ذوالحجة 1440.
توصية بتقوی الله عزوجل
عباد الله ! أوصيکم و نفسي بتقوی الله و اتباع أمره و نهيه و أحذركم من عقابه.
الموضوع: عيد الأضحى فرصة التقرّب إلى الله
هاقد مرَّ عامٌ آخَرُ، لنستقبِلَ وإيّاكم واحداً من أعياد الله والإسلام الكبرى؛ أَلا وهو عيدُ الأضحى المبارك، الذي يبادِرُ فيه الحجّاجُ لأداء عملٍ فيه وجوباً ولغيرهم استحباباً بتقديم الأضاحي، حتى اقترن هذا اليومُ به. وما ينبغي التنويهُ له في هذا السياقِ أنّ لفظةَ "الأضحى" تُطلَقُ على كلِّ ما يُتَقَرَّبُ به إلى الله، سواءٌ بذبح حيوانٍ امتثالاً لأمر الشرعِ أو بعمل الخير؛ إذ يعود أولُ قربانٍ على وجه البسيطةِ لزمن أبينا آدمَ (ع)، حين قدَّم ابنُه هابيل كبشاً سميناً، بينما قدَم قابيل شيئاً من القمح، وقد أشار القرآن الكريم لتلك الحادثة بقوله تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ"، الأمرُ الذي جعل كافّةَ الأديان السماويةِ تتلقّى ذلك العملَ بالقبول عبادةً ووسيلةً للتقرّب إلى الخالقِ تؤدَّى في مناسباتٍ وأيّامٍ معيَّنة كطقوسٍ وشعائرَ دينيّةٍ.
أمّا قمّة الإيثار والتضحية فتمثَّلَت في موقف بطلِ التوحيدِ إبراهيمَ (عليه السلام) الذي أراد ذبح أعزّ أعزّائه وأطيب ثمار عمره (إسماعيل) في سبيل الله، لتتحوَّلَ سنّةً فيما بعدُ بذبح الأضاحي في منى، استذكاراً لتجاوز كلِّ العقبات التي تحولُ دونَ التوجُّه إلى الله، وتخلية القلب عمّا سِواه، ما منحه تلك المكانةَ العاليةَ لدى كافّة الأديان التوحيديّة احتراماً وإجلالاً وقبولاً، ولمّا سئلَ رسولُ الله (ص) عن فلسفة الأضاحي، قال: "سنّةُ أبيكم إبراهيم (ع)". فلمّا سأله أصحابه: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال (ص): "بكلّ شعرةٍ حسنةٌ..."
عبادَ الله
لن نحيط بمعنى "الأضحى" علماً إلا إذا فهمنا عمق معاني القربان الإبراهيميِّ الذي ضمنَ لصاحبه الخلودَ إلى أبد الآبدين؛ ولعلّ أبرزَها التضحيةُ بأغلى ما يملك الإنسانُ في سبيل الله، وتوطين النفس على ذلك تسليماً لأمره.
وما شعيرةُ الحجِّ إلا تجسيداً لتلك المفاهيم؛ وما أروع قولَ مولانا أميرِ المؤمنين (ع): "... وَلَوْ أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَضَعَ بَيْتَهُ الْحَرَامَ، وَمَشَاعِرَهُ الْعِظَامَ، بَيْنَ جَنَّات وَأَنْهَار، وَسَهْلٍ وَقَرَارٍ، جَمَّ الأشْجَارِ، دَانِيَ الِّثمارِ، مُلْتَفَّ الْبُنَى، مُتَّصِلَ الْقُرَى، بَيْنَ بُرَّة سَمْرَاءَ، وَرَوْضَة خَضْرَاءَ، وَأَرْيَاف مُحْدِقَة، وَعِرَاصٍ مُغْدِقَةٍ، وَزُرُوعٍ نَاضِرَةٍ، وَطُرُقٍ عَامِرَةٍ، لَكَانَ قَدْ صَغُرَ قَدْرُ الْجَزَاءِ عَلَى حَسَبِ ضَعْفِ الْبَلاَءِ. وَلَوْ كَانَ الإسَاسُ الْـمَحْمُولُ عَلَيْهَا، وَالأحْجَارُ الْمَرْفُوعُ بِهَا، بَيْنَ زُمُرُّدَة خَضْرَاءَ، وَيَاقُوتَة حَمْرَاءَ، وَنُورٍ وَضِيَاءٍ، لَخَفَّفَ ذلِكَ مُضَارَعَةَ الشَّكِّ فِي الصُّدُورِ، وَلَوَضَعَ مُجَاهَدَةَ إبْلِيسَ عَنِ الْقُلُوبِ، وَلَنَفَى مُعْتَلَجَ الرَّيْبِ مِنَ الْنَّاسِ. وَلكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، وَيَتَعَبَّدُهُمْ بِأَلْوَانِ الْـمَجَاهِدِ، وَيَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ، إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهمْ، وَلِيَجْعَلْ ذلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ، وَأَسْبَاباً ذُلُلاً لِعَفْوِهِ"
بمثلِ هذه الكلماتِ نستحضرُ معانيَ القرابين التي تقدَّم في عيد الأضحى، كي تترسَّخ في القلوب ملَكَةُ الإعراضِ عن الدنيا وزخارفها من مال ومتاع وأهل وأولاد امتثالاً لأمر الله، فتُذبحَ أهواءُ النفس وميولُها في معبَد رضى الله ورضوانه.
ألم يبادر إبراهيمُ (ع) لتقديم ثمرة فؤاده إسماعيلَ (ع) الذي رُزِقَ به وهو في سنِّ الكهولة قرباناً لوجه الله وفي ذروة تعلُّقِه به؟
إنّ تقديم الأضاحي في هذا اليوم، تذكيرٌ بالإيثار سبباً لبلوغ مقام التسليم الإلهيِّ الذي جسَّده الحسين (ع) في أروع صوره حين قدَّم أغلى ما يملك من روحٍ وأبناءَ وإخوةٍ وأهلِ بيتٍ وأصحابٍ في سبيل الله، فكان يناجي ربَّه وهو يجود بنفسه قائلاً: "... إلهي! رضىً بقضائك، وتسليماً لأمرك، لا معبودَ سواك، يا غياث المستغيثين...".
وما أشبَهَ تلك المناجاةَ بما ورد في دعائه (ع) يومَ عرفةَ الذي قرأناه معاً البارحةَ في رحاب مصلى مقام أخته العقيلة زينب (س)، وكأنه كان يستعدّ لتطبيق ذلك عملياً بكربلاء وفعلَ، حتى قال عندما ذُبِح ولدُه الرضيعُ بين يديه: "هوّنَ ما نزل بي أنه بعين الله".
فتَمَثَّلوا- عبادَ الله- في هذا اليوم تلك المعانيَ حين تقدِّمون قرابينكم لله، حتى تكون وسيلةً لبلوغ مقام التسليم والرضى بما يرضى الله، فإنّه أعلى درجات العبد عند الله، ألا تسمعون قوله تعالى: "وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً".
جعلَنا اللهُ وإياكم من أهل التسليم لأمره والرضى بقضائه.
و نسأله تعالى أن يجعلنا من أهل الانقطاع إليه والاستيناس بذكره والالتذاذ بنجواه، إنه سميع مجيب.
وأتضرع الیه ان ياخذ بيدنا لتحصیل ما یوجب رضاه بلزوم تقواه. وأستغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان أحسن الحدیت و أبلغ الموعظه کتاب الله:
الخطبة الثانية: 98521 – 10ذوالحجة 1440
اللهم صل وسلم علی صاحبة هذه البقعة الشریفة، الکریمة علی رسول الله وأمیر المومنین، والعزيزة علی أخویها الحسن والحسین، بطلة کربلاء و عقیلة الهاشمیین، بنت ولی الله، و أخت ولي الله، وعمة ولي الله، زینب الکبری علیها أفضل صلوات المصلین.
اللهم وفقنا لخدمتها في هذا المکان الشریف، وهب لنا دعاءها الزکي، وارزقنا شفاعتها المقبولة، آمین یا رب العلمین.
عباد الله! أجدّد لنفسي ولکم الوصیة بتقوی الله، فإنها خیر الأمور وأفضلها.
في مثل هذه الأيامِ من موسم الحج، يتوجه سماحة إمامنا الخامنئي (دام ظله) ببيانه السنويّ مخاطباً حجاجَ بيت الله الحرام، والذي يُتلى في مراسم البراءة من المشركين في جموعهم، ويتضمّن أبعاداً إستراتيجيةً تهمُّ الأمةَ الإسلاميةَ وقضاياها المصيريةَ، ما يستدعي الإضاءةَ عليها شرحاً وتوضيحاً وتحليلاً، وسأكتفي في هذه العجالة بتناول أهم نقاطها إجمالاً، لأُفرِدَ لها خطبةَ الجمعة القادمة تفصيلاً.
أيها المؤمنون والمؤمنات
إن البيان وإن كان مخاطِباً الحجيجَ إلا أنه موجَّهٌ للمسلمين والعالم أجمع، لما يحوي من دروسٍ بليغةٍ تقتضي العناية والدراسة؛ نظراً لإحاطتها بالتوجيهات الضرورية لتصحيح مسار الأمة في ضوء التطورات التي تمرُّ بها على كافة الأصعدة.
لقد أكد سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله) على أهمية استيعاب حقيقة الحج باعتباره مائدةً للرحمة الإلهية يجتمع حولها المسلمون مرةً كلَّ عامٍ من مختلف بقاع الأرض ملبِّين دعوةَ الحقِّ "وأذّن في الناس بالحج"، كي يلتفّوا حول رمز وحدتهم وتوحيدهم في ظل رحمة ربهم الواحد الأحد متواصلين متفاعلين، معلنين للعالم كلِّه أنهم أمة واحدة انعكاساً لرحمانية الإسلام وجامعية أحكامه.
كما أنّ ذلك الاجتماع حول تلك المائدة الرحمانية رمزٌ للهوية الواحدة التي ينتمون إليها والتي تقوم على الرحمة بينهم ورفض أعدائهم، عملاً بقوله تعالى: "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ"، ما يفسِّرُ الحكمة من وراء حثِّ الإمام الخميني (رض) على عدم التخلّي عن مراسم البراءة من المشركين في هذا الموسم حتى ولو أقيمت في صحراء عرفات؛ فهي كمناسك الحج تعبيرٌ عن تطلّعات أمةٍ بكاملها نحو مستقبلٍ زاهرٍ خالٍ من كافةِ أشكال الظلم والجور والطغيان؛ حيث قال الإمام الخامنئي (دام ظله) في بيانه:
"إن البراءة من جبهة الشرك والکفر التي یمثلها المستکبرون وعلی رأسهم أمریکا؛ تعني الیوم البراءة من قتل المظلومین ومن تأجیج الحروب، کما تعني إدانة بؤر الإرهاب من قبیل داعش وبلاك ووتر الأمریکیة؛ تعني صرخة الأمة الإسلامیة بوجه الکیان الصهیوني قاتل الأطفال ومن یقفون وراءه ویدعمونه، تعني إدانة ما تقوم به أمریکا وأعوانها من تأجیج حروب في منطقة غرب آسیا وشمال أفریقیا الحساسة، حروب أوصلت الشعوب إلی أقصی حدود معاناتها ومحنتها وأخذت تكبدّها کل یوم بمصائب کبری؛ تعني البراءة من التمييز العنصري علی أساس الجغرافیا والعرق ولون البشرة؛ تعني البراءة من السلوك الاستکباري الخبیث الذي تنتهجه القوی المعتدیة والمثیرة للفتن إزاء السلوك الشریف النبیل العادل الذي یدعو إلیه الإسلام کل الناس."
ولعلَّ ما يلفت النظرَ في تلك العباراتِ وضعُ سماحته داعشَ الإرهابيةَ إلى جانب شركة بلاك ووتر الأمريكية تحذيراً من مؤامرات الأعداء مستقبلاً، الأمرُ الذي يستدعي من الخبراء دراسةَ العلاقة بينهما وتفصيلَ القول فيهما في قادم الأيام.
اللهم؛ وهذا يومٌ من أيامك الكبرى الذي جعلته للمسلمين وحجاج بيتك الحرام عيداً ووعدتهم بالجوائز، فأتِمَّ علينا السرور والبهجةَ بنيل جائزتنا التي نتوق لها بعتق رقابنا من النار.
اللهم؛ بحق محمد وآل محمد، اجعل جائزة أمتنا الإسلامية رفعَ الفتن عنها، ما ظهر منها وما بطن، وردَّ كيدِ أعدائها في نحورهم.
اللهم؛ بحق محمد وآل محمد، ابلُغ بنا ذروة مقام العبودية لك وقمة درجات الانعتاق من الشيطان بتعجيل ظهور مولانا صاحب العصر والزمان.
اللهم؛ بحق محمد وآل محمد، أعطِ جوائزك السنيّةَ لأمة خير خلقك، شفاءً للمرضى وفِكاكاً للأسرى وتسكيناً للقلوب وجمعاً للشمل وتحقيقاً للآمال وتخفيفاً للآلام ونصراً لأوليائك ورغماً على أعدائك.
اللهم انصر إخواننا المظلومين في فلسطين واليمن والبحرين وكشمير ونيجيريا وفي كل مكان.وانصر المجاهدين منهم في مكان‘ لا سيا في فلسطين و اليمن.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم احفظ مراجع تقليدنا العظام وعلمائنا الأعلام لا سيما سيدَنا الإمام الخامنئي (دام ظله)، وأيده بتأييدك وانصره بنصرك وأطل عمره في عافية وعزة واحرسه بعينك التي لا تنام.
اللهم ارحم امواتنا و اموات المسلمين جميعا يا الله‘ لا سيما الشهداء و أعل درجتهم وارزقنا شفاعتهم يا رب العالمين.
الاخوة و الأخوات‘ الذين شاركوا في صلاة عيد الأضحي اقض حوائجهم‘ اشف مرضاهم‘ ارحم موتاهم‘ سلم مسافريهم‘ أد ديونهم‘ اغفر ذنوبهم بحق محمد و آل محمد.
"اللهُ اَكْبَرُ اللهُ اَكْبَرُ لا اِلـهَ اِلاَّ اللهُ، وَاللهُ اَكْبَرُاللهُ اَكْبَرُاللهُ اَكْبَرُ وللهِ الْحَمْدُ، اللهُ اَكْبَرُ عَلى ما هَدانا، اَللهُ اَكْبَرُ عَلى ما رَزَقَنا مِنْ بَهيمَةِ الاَنْعامِ، وَالْحَمْدُ للهِ عَلى ما اَبْلانا
استغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله: