الخطبة الأولى:98511 – 30ذوالقعدة 1440.
توصية بتقوی الله عزوجل
عباد الله ! أوصيکم و نفسي بتقوی الله و اتباع أمره و نهيه و أحذركم من عقابه.
الموضوع: الإمام الجواد (ع) ورسالة الأم في تربية الأبناء
في ذكرى استشهاد إمامنا محمد بن علي التقي الجواد (ع)، نتقدم بصادق العزاء وصادق المواساة من مقام مولانا صاحبِ العصر والزمان (عج) وصاحبةِ هذا المقامِ الطاهر سيدتِنا زينبَ الكبرى (س)، ومن مراجع التقليد العظام لا سيّما سماحة إمامنا القائد الخامنئي (دام ظله)، ومنكم جميعاً بهذه المناسبة الأليمة، سائلين الله تعالى أن يعظِّم أجورَنا وأجورَكم.
أيها المؤمنون والمؤمنات
لا ريب في أهمية الدور الذي تلعبه الأمُّ في بَلوَرَة شخصية الإنسان، ما دَعا المعصومين الأطهارَ (ع) للاهتمام بهذا العنصر باختيار أزواجِهم أمَّهاتٍ لأبنائهم الأئمةِ مِن بعدِهم بأمرٍ من الله وتوفيقِه الذي يمكن أن يشمل كلَّ إنسانٍ.
كانت أمهات بعض المعصومين (ع) من الإماءِ اللاتي كان الأئمة (ع) يختارونهّن من الفُضْلَياتِ وأهلِ المعرفة والكرامةِ والفضيلة. وقد كانت أمُّ الإمامِ الجوادِ (ع) من أفضل نساء عصرها، نالت قصبَ السَّبقِ من الكثيرات فضلاً وكرامةً، حتى شهِدَ لها بذلك ثلاثةٌ من حجج الله على العباد بالرغم من أنّها أمُّ ولدٍ أو أَمَةٌ؛ تأكيداً على أنّ الانتماءَ العِرقيَّ الطبَقيَّ الظاهريَّ لا علاقةَ له بالمقامِ المعنويِّ الروحيِّ الحقيقيِّ. وإليكم ما ورد في حقِّها وولدِها:
- قال رسول الله صلى الله عليه و آله: "بأبي ابن خيرة الإماء، ابن النوبيةِ الطيبةِ الفم، المنتجبة الرحم".
- روى المؤرخ المسعودي في إثبات الوصية والسيد المرتضى في عيون المعجزات عن كلثم بن عمران، قال : قلت للرضا عليهالسلام : ادع الله أن يرزقك ولداً. فقال: اّنما أُرزق ولداً واحداً وهو يرثني ». فلما ولد أبو جعفر عليهالسلام قال الرضا عليهالسلام لأصحابه : « قد ولد لي شبيه موسىٰ بن عمران ، فالق البحار ، وشبيه عيسىٰ بن مريم ، تقدّست أُمٌّ ولدته ، قد خُلقت طاهرة مطهّرة.
- أما الإمام الكاظم (ع) فقد أبلغها السلام عن طريق أحد أصحابه واصفاً إياها بالقول: "... جاريةٌ من أهل بيت مارية جاريةِ رسول الله صلى الله عليه وآله أمِّ إبراهيم، فإن قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل..."
نعم! إنّ تلك الكلماتِ تعكس مكانةَ الأمِّ في حياة الأبناء ومستقبلِهم، حتى ولو كانوا أئمةً معصومين كالجواد (ع).
و من هنا نلتفت الى ما قاله الإمامُ الخمينيُّ (رض) في في شأن الأم و دورها في تربية الولد و تربية المجتمع: "... أَوْلى الإسلامُ اهتماماً بالنساء أكثرَ من الرجال...؛ إذ هنَّ من يؤهِّلْنَ الرجال الشجعان بتربيتهنّ صغاراً في حجورهنّ، شأنُهُنّ في ذلك شأنُ القرآن الكريم في بناء الإنسان... وكما تتمثّل رسالةُ الأنبياء في بناء البشر، فعلى الأمهات أن يقُمنَ بواجباتهن مثلَهم بتأهيل الأبناء وتزكيتهم بأعمالهنّ"، ليخلُصَ (رض) إلى وصف الأمومة بأشرف الأعمال قائلاً: "إنّ تلك الأمَّ التي تربّي أبناءها تحمل على عاتقها أخطر مسؤولية وتؤدي أخطر عمل؛ فتربيةُ الأبناء أشرف عمل في العالم لأنه يزود المجتمعَ بالأُناسِ الصالحين".
فالأمُّ، عند الإمام الراحل (رض)، شبيهةٌ بأقدسِ رمزين دينيين، وهما القرآن الكريم بناءً للإنسان وتأهيلاً، والأنبياء تربيةً وتزكيةً؛ ما جعله (رض) يرى في غياب التربية السليمة سبباً لكافة الكوارث الفردية والجماعية التي يعاني منها المجتمعُ؛
فالتربيةُ هي العاملُ الأساسُ في تفتُّق طاقات الإنسان كما يصرِّح الإمام (رض): "إنّ حِجر الأمِّ أكبر مدرسة لتربية الطفل؛ فما يتعلّمه منها لن يتلقّاه لا من المعلم ولا من الأب".
وكانت السيدة طباطبائي، زوج ابن الإمام (رض)، تنقل عنه (رض) تأكيده على عدم الاستخفاف بأمر تربية الأبناء التي كان يصفها بأعظمِ خدمةٍ للمجتمع.
وما تلك التوصياتُ إلا استلهامٌ مما ورد في الأحاديث التي تشير إلى ذلك الدور الخطير؛ إذ " کُلُّ مَولُودٍ یُولَدُ عَلَی الْفِطْرَةِ ثُمَّ اَبَواهُ یُهَوّدانِهِ و یُمَجِّسانِه وَ یُنَصِّرانِه". وبالرغم من اشتراك الأبوين في المسؤولية إلا أن تلك الروايات تولي لاحترام الأم والبرّ بها الأولوية القصوى بالنسبة للأبناء: عن أبي عبد الله (ع) قال: جاء رجل إلی النبي (ص) فقال: یا رسول الله من أبرّ؟
قال(ص): أمك، قال: ثم من؟ قال (ص): أمك، قال: ثم من؟
قال(ص): أمك، قال: ثم من؟ قال(ص): أباك.
وقال رسولُ اللّه صلى الله عليه وآله وسلّم: "أعظَمُ الناسِ حَقّاً على المرأةِ زَوجُها، وأعظَمُ الناسِ حقّاً عَلَى الرَّجُلِ اُمُّهُ".
حتى منحها الأفضلية لحسن التعامل؛
فقد جاء رجل آخر قائلاً: یا رسول اللَّه! من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أبوك".
بل كانت الأمّ أكثرَ ما وصّى به الله تعالى نبيه موسى (ع)؛ فعن جابر عن أبي جعفر(ع) قال: قَالَ مُوسَى(ع): يَا رَبِّ أَوْصِنِي، قَالَ: أُوصِيكَ (بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)، قَالَ: يَا رَبِّ أَوْصِنِي. قَالَ: أُوصِيكَ بِأُمِّكَ مَرَّتَيْنِ. قَالَ: يَا رَبِّ أَوْصِنِي. قَالَ: أُوصِيكَ بِأَبِيكَ، فَكَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ يُقَالُ إِنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَيِ الْبِرِّ وَ لِلْأَبِ الثُّلُثَ.
لذا أوصي أبنائي الشباب وبناتي الشابات بالعمل بتلك التوصيات تجاه أمهاتهم وآبائهم حتى ينالوا سعادة الدنيا وفلاح الآخرة.
فاسال الله تعالی أن يوفقنا و اياكم لننهل من المعارف الدينية الحقيقية الاصيلة و وأتضرع الیه ان ياخذ بيدنا لتحصیل ما یوجب رضاه بلزوم تقواه. وأستغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان أحسن الحدیت و أبلغ الموعظه کتاب الله:
الخطبة الثانية: 98511 – 30ذوالقعدة 1440
اللهم صل وسلم علی صاحبة هذه البقعة الشریفة، الکریمة علی رسول الله وأمیر المومنین، والعزيزة علی أخویها الحسن والحسین، بطلة کربلاء و عقیلة الهاشمیین، بنت ولی الله، و أخت ولي الله، وعمة ولي الله، زینب الکبری علیها أفضل صلوات المصلین.
اللهم وفقنا لخدمتها في هذا المکان الشریف، وهب لنا دعاءها الزکي، وارزقنا شفاعتها المقبولة، آمین یا رب العلمین.
عباد الله! أجدّد لنفسي ولکم الوصیة بتقوی الله، فإنها خیر الأمور وأفضلها.
شهدت الأيام الماضية تطوراتٍ لافتةً على مستوى المنطقة والعالم، لا بدّ من استعراض أهمّها تحليلاً وتوصيفاً بإيجازٍ للخروج بخلاصاتٍ تهمّ محور المقاومة وأبناءَها الأبطالَ، وذلك التزاماً بالهدف الذي شُرِّعَت له خطبة الجمعة والمتمثِّلِ بإطلاع المسلمين على الأوضاع المحيطة تمييزاً لمصالحهم.
كانت بعض الأحداث مؤلمةً تعصر قلبَ كلّ مسلمٍ وحرٍّ أسىً كتنفيذ حكم الإعدام الجائر في شابين بحرينيين مظلومين بعد تعرضهما لأسوأ أصناف التعذيب وما نقموا منهما إلا أنهما طالبا بأبسط الحقوق. ناهيكم عن استمرار العدوان السعودي في ارتكاب جرائمه بحق الشعب اليمني المظلوم الصامد، في الوقت الذي يتوجه فيه أكثر من مليوني حاج نحو الديار المقدسة رافعين نداء التوحيد والوحدة بين المسلمين، دون أن يعبأ به حكام آل سعود.
ولكن أتدرون ما الذي يجمع بين الحدَثين المؤلمين؟
إنه المشروع الاستكباري الصهيوني الذي يعتمد أسلوبَ المراوغة كما وصفه الإمام الخامنئي (دام ظله) بالقفازات الحريرية التي تغطي قبضات حديدية؛ إذ أين ذهبت تشدقات الغرب بادّعاء الدفاع عن حقوق الإنسان في قضية الشهيدين البحرينيين؟
بل كيف يمكن تبرير استخدام الرئيس الأمريكي حق النقض لمنع أي قرار يحول دون توريد السلاح للسعودية ومن لفّ لفّها حتى وإن كان يستخدم للفتك بالأطفال والنساء والشيوخ وقمع الأحرار في اليمن والبحرين وغيرها؟
بل أنّى لعاقلٍ أن يراهن على مثل تلك الإدارة الأمريكية التي يرأسها شخص يتعامل مع شعبه على أساس عنصري؟
نعم! أيها الأخوة والأخوات!
بعد أن سقطت الأقنعةُ عن الوجه الاستكباري الصهيوني البشعِ الذي يتخذ من الاستعلاء والإذلال والقهر والنفاق وسيلة للدفع بمشروعه، لم يبق أمام شعوب العالم وحكوماتها إلا خياران: إما القبول بالأمر الواقع والاستسلام للإملاءات الاستكبارية، أو اللجوء للمقاومة ورفض الانصياع والذل.
فأيُّ الخيارين أفضل؟
هنا، أقتبس من كلمات إمامنا الخامنئي (دام ظله) توضيحاً وتفصيلاً؛ إذ قال:
" ... للمقاومة تكاليفها على كلّ حال، وهي ليست عديمة التكاليف، لكنّ تكاليف الاستسلام مقابل العدوّ أكبر من تكاليف مقاومته.
عندما تستسلمون أمام العدوّ عليكم أن تتحمّلوا التكاليف. النظام البهلوي كان مستسلماً أمام أمريكا.كان يعطي النفط والمال ويخضع للابتزاز ويتلقّى منهم الصفعات في الوقت نفسه! والحكومة السعودية في الوقت الحاضر على المنوال نفسه، فهي تقدّم الأموال والدولارات وتتّخذ المواقف وفقاً لإرادة أمريكا ومع ذلك تسمع الإهانات ويسمّونها بـ «البقرة الحلوب»! تكاليف الاستسلام والرضوخ وعدم المقاومة أكثر بكثير من تكاليف المقاومة"
وقد أثبتت التجارب صحة ما قاله إمامنا الخامنئي (دام ظله) من خلال الانتصارات التي حققها محور المقاومة على امتداد المنطقة والتي لن أطيل الحديث عنها في اليمن ولبنان وسورية والعراق؛ فهي ماثلةٌ للعيان. وسأكتفي بمثال واحد مؤخراً عندما حذّر الإمام الخامنئي (دام ظله) قبل أكثر من أسبوع من استمرار بريطانيا في احتجاز ناقلة نفط إيرانيّة أثناء مُرورها عبر مضيق جبل طارق. حينها اعتقدت السلطات البريطانيّة في لندن، أنّ هذه التّهديدات مُجرّد كلمات، ولن تُترجم مُطلقًا إلى خطوات عمليّة. وإذا بها تُصعَق من خبر احتجاز الحرس الثوري ناقلةَ نفط بريطانية في مضيق هرمز. وذلك في رسالة إيرانية واضحة بأنها تقول وتفعل، بل إنها تفعل أكثر مما تقول. و
كما قال أحد المحللين تعليقاً على الحادثة: (... إيران قويّة ليس لأنّها تملك ترسانةً هائلةً من الصواريخ الباليستيّة، والسفن والزوارق البحريّة الصغيرة والسريعة والمُتوسّطة التي لا ترصدها الرادارات، وإنّما أيضًا لامتلاك قيادتها الإرادة، والقُدرة، على اتّخاذ القرار، بالردود الانتقاميّة على أيّ عدوان تتعرّض له، وأيًّا كانت الجِهة التي تقف خلفه...).
وبعد أن استفاق الإنجليز من هول الصدمة، تراجعوا عن تهديداتهم الجوفاء وصاروا يتوسلون الوسطاء لدى إيران كي تفرج عن ناقلة نفطها، ومن الطريف ما قاله خطيب جمعة النجف بلهجته العراقية الجميلة ساخراً: (إن بريطانيا أقسمت على الحكومة العراقية بالعباس "أبو فاضل" للتوسط عند إيران من أجل إطلاق سراح السفينة المحتجزة).
إنه تخبُّط الأعداء أن تلجأ بريطانيا للعراق المنتصر بالمقاومة كي يتدخل لدى معقل المقاومة للإفراج عن سفينتها. ما يعني أن الكلمة في المنطقة هي للمقاومة.
نعم! لقد دخلنا عصر المقاومة والانتصار الذي رفع ويرفع المؤمنين بهذا النهج إلى قمة العزة والمهابة ويُسقِط الأعداء في قاع الذلة والمهانة؛ يقول تعالى: " أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ، ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ".
وأختم الخطبة بذكر شيئ من مصيبة شهادة إمامنا الجواد (ع):
فقد نقل عن كتاب عيون المعجزات : أنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر عليه السلام، وأشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه ؛ لأنّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر وشدّة غيرتها عليه ، فأجابته إلى ذلك وجعلت سُمّاً في عنب رازقي ووضعته بين يديه... وبعد ان سقته السم تركته ورحلت عنه وقفلت عليه الابواب وبقي وحيدا غريبا يقاسي ألم السم والعطش فهم حتى رحل عن هذه الدنيا مظلوما مقتولا... ثم غُسّل الامام الجواد عليه السلام وكُفّن ودُفن في مقابر قريش خلف رأس جدّه الإمام موسى الكاظم عليه السلام ، وصلّي عليه...
و لکن لا یوم کیومک یا أبا عبد الله بقي ثلاثا بلا غسل و لا کفن, فرحم الله من نادای ثلاثاً "وا حسینا!"
فأسأل الله تعالى أن ينصر الأمة الاسلامية ومحور المقاومة والمجاهدين في كل مكان. وأسأله تعالى أن ينصر جميع الشعوب المستضعفة في مواجهة المستكبرين والصهاينة والمتصهيِنين. اللهم اغفر لنا، و لوالدینا و لمن وجب له حق علینا.
اللهم اصلح کل فاسد من امور المسلمین. اللهم لا تسلط علینا من لایرحمنا.
اللهم اید الاسلام و المسلمین، واخذل الکفار و المنافقین. اللهم احفظ مراجعنا الدینیه لاسیما السید القائد الامام الخامنئی. اللهم عجل لوليك الفرج و العافية و النصر واجعلنا من خير أعوانه و أنصاره و شيعته و محبيه. استغفر الله لی و لکم و لجمیع المومنین و المومنات. ان احسن الحدیت و ابلغ الموعظه کتاب الله: