بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين، لا سيّما بقيةَ الله في الأرضين.
أصحابَ الفضيلةِ والسماحةِ؛ العلماءُ الأعلامُ
السادةُ الأكارِمُ والسيداتُ الكريماتُ
الإخوةُ الأعزّاءُ والأخواتُ الفاضلاتُ
السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وتقبَّلَ اللهُ صيامَكم وقيامَكم.
في الذكرى السنويّة الثلاثين لرحيل مفجِّرِ الثورةِ الإسلاميّةِ، وكاسرِ أصنامِ العصرِ، الحَبْرِ البَحْرِ، العالِمِ بزمانِه، والعامِلِ بإيمانه، مُحْيي الصحيحِ من السُّنن، في زمن تلاطُمِ أمواجِ المِحَنِ والفِتنِ، حفيدِ الرسولِ، المولودِ في يوم ولادةِ الزهراء البتول، المَرْجِعِ الرّبّانيِّ، سيدِنا الإمامِ الخمينيِّ (س)، نتقدّم بأحرِّ التعازي وأصدَقِ المواساةِ من مولانا صاحبِ العصرِ والزمان (عج) ونائبِه بالحقِّ سماحةِ سيدِنا القائدِ وليِّ أمرِ المسلمين الإمامِ الخامنئيِّ (دام ظله)، والمَراجعِ العِظامِ، والأمّةِ الإسلاميّةِ جمعاءَ وأحرارِ العالَمِ ومستضعَفيه في كلِّ مكانٍ، ومنكم- أيها الحضورُ الكريمُ- بهذه المناسبةِ العظيمةِ.
واسمحوا لي، في البداية، أن أعبِّرَ عن فائقِ شكري وتقديري لكم جميعاً على مشاركتكم في مَراسِمِ إحياء هذه الذكرى، تعظيماً لشعائر الله، ومن يعظِّم شعائرَ الله، فإنّها من تقوى القلوب.
أيها الحضورُ الكريمُ
لقد اِزْدَانَ تاريخِ أُمَّتِنا المُعاصِرُ بشخصيّاتٍ ترَكَتْ بَصْماتِها التي لا تُنسى في سِجِلِّها الحافِلِ، إلا أنّ قِلّةً منها استطاعَت أن تتحوَّل لأمثِلةٍ حَيَّةٍ ونماذِجَ فريدةٍ في التجسيدِ العمليِّ للجمعِ بين الإيمانِ والعملِ، تطبيقاً للإسلامِ عقيدةً وسلوكاً، حتى صارتْ آيةً تدعو كلَّ من يمُرُّ بها للتعجُّبِ والتأمُّلِ والتعلُّمِ والسعيِ للتمثُّلِ اقتداءً وتأسِّياً.
ولقد كان إمامُنا الخمينيُّ (س) من أفضلِ تلك الكوكبةِ، بل أجَلَّها في عصرنا الحديثِ؛ قَلَّ أن يجودَ الزمانُ بمثْلِه، فقد كانَ أمَّةً في رجلٍ، طَبعَ زمانَنا باسمه. فإن قسَّم علماءُ الاجتماع والسياسةِ التاريخَ إلى عصورٍ تَبَعاً لأهَمِّ الأحداثِ التي شهدَتْها البشريّةُ، فلا ريبَ أنَّ أنسَبَ اسمٍ يمكن إطلاقُهُ على عصرنا فهو عصرُ الخمينيِّ الذي شَغَل - ولا يزال يشغَلُ- الدنيا بخصاله الفرديّة والاجتماعية هيبةً ورأفةً، شجاعةً ورحمةً، حكمةً وتدبيراً، عبادةً وأخلاقاً. ناهيكُم عن مَواقِفِه السياسيّة الإلهيّةِ التي استقْطَبَتْ إليه الناسَ جميعاً، ولا سيّما الأحرارَ والشبابَ، إعجاباً واتِّباعاً وتقديراً، حتى أذعَنَ بفضله أعداؤه قبل مُحِبِّيه، والفضلُ ما شهِدَتْ به الأعداءُ.
نعم! لقد كان الإمامُ الخمينيُّ (س) ثورةً بحدِّ ذاتِها، أحْيَتْ ما كادَ يندثِر من تعاليمِ الإسلام المحمديِّ الأصيلِ، وذلك قبل انتصار الثورة الإسلاميةِ بعقودٍ، وبقيَ ثورةً خالدةً حتى بعد عروجه، مصداقاً لقول إمامنا الخامنئيِّ: "إنّ هذه الثورةَ لا تُعرَفُ في العالَمِ إلا باسم الإمامِ الخمينيِّ".
أيها الحضورُ الكريمُ
اسمحوا لي في هذه العُجالةِ أن أكتفيَ بالإشارة لموقفٍ سياسيٍّ واحدٍ من مواقفِه الإلهيّة، وهو رفعُ شعارِه التاريخيِّ الخالدِ "لا شرقيةَ ولا غربيةَ"، والذي تحوَّلَ إلى عنصرٍ أصيلٍ في خطِّه، تعبيراً عن إكسيرِ حياةِ الثورة المتمثِّلِ في صَوْنِ استقلاليّتِها اتِّكالاً على الله وحدَهُ، دونَ الميلِ إلى الشرقِ أو الانصياعِ للغربِ، ثقافةً طَبَعَتْ سياسةَ الجمهورية الإسلاميةِ الإيرانيةِ، وتعزَّزَت في ظلِّ قيادةِ إمامِنا الخامنئيِّ (دام ظله) بعدَ أن تشرَّبَتْ بالمقاومةِ الشاملةِ في إطارِ الإيمان بالوعد الإلهيِّ بالنصر، حتى أضاءَتْ بنورِها المنطقةَ والعالمَ بأسْرِهِ.
إنّ صدى ذلك الشعارِ الخمينيِّ لا يزالُ يترَدَّدُ على لسانِ إمامنا القائد الخامنئيِّ حين يقفُ بكلِّ عزةٍ وشجاعةٍ في مواجهةِ أمريكا الترامبيةِ وضغوطها وتهديداتِها، رافضاً التخلّيَ عن قدراتها الذاتيّةِ العسكريّة أو التنازلَ عن القضية الفلسطينية أو دعمَ المقاومةِ.
إنّ ذلك الشعارِ وَجَدَ في مواقفِ سوريا الأبِيّةِ قيادةً وجيشاً وشعباً تطبيقاً عمليّاً، حين كانت سَبَّاقةً في الوقوف مع الثورة الإسلاميّةِ الإيرانيّةِ رغمَ الإغراءات والتهديداتِ. لِتَرُدَّ إيرانُ الثورةِ الجميلَ بالوقوف إلى جانب أشقائها في سوريا أثناء العدوان الاستكباريِّ الصهيونيِّ الرجعيِّ الإرهابيِّ عليها، لتحقيق النصر. وما بيانُ الخارجيةِ السوريةِ ردّاً على بيان قمم العار السعودية السلمانيةِ إلا تطبيقاً عملياً آخَرَ لذلك الشعارِ.
إنّ ذلك الشعارَ تحقَّقَ حين هَبَّ الشعبُ العراقيُّ بالاعتماد على نفسه وبدعمٍ من الجمهورية الإسلامية في مواجهة داعشَ الأمريكية الصهيونية الرجعية، حتى القضاء عليها وتحريرِ ترابِها الطاهرِ. ولعلَّ آخِرَ نموذَجٍ على تطبيق ذلك الشعارِ عملياً موقفُ الرئيسِ العراقيِّ في اجتماع مكّةَ الأخيرِ- الذي أربَأُ بنفسي أن أسمِّيَه قمّةً- حين دافعَ عن استقلال بلاده مدافعاً عن الحقِّ وإيرانَ، في الوقت الذي لم يتجَرَّأْ غيرُه حتى على التنفّسِ خلافاً للهوى الأمريكيِّ أو طمعاً بالدولار السلمانيِّ.
إنّه الشعارُ الخمينيُّ الذي سمعناه على لسان أحد أبناء الإمام (س)، سماحةِ سيدِ المقاومةِ حسن نصر الله في كلمتهِ الأخيرةِ التي دافعَ فيها عن الحقِّ واستقلالِ بلادِه في وجهِ القوى الكبرى.
إنّه الشعارُ الخمينيُّ يتجلّى في موقف الشعب الفلسطينيّ الرافض لفرض أيِّ قوةٍ، مهما كانت شرقيةً أو غربيةً، عليهم ما يدعى بصفقة عارِ القرن ومؤتمر البحرين الاقتصاديِّ للتطبيع مع الكيان الصهيونيِّ- والشعبُ البحرينيُّ بريءٌ منه-.
وهناكَ الملايينُ في منطقتنا، لو ثُنِيَتْ لهم الوسادةُ، لصرخوا بأعلى أصواتهم بذلك الشعارِ الخمينيِّ "لا شرقية ولا غربية".
أيها الحضور الكريم
باسمكم جميعاً، نخاطب روحَ إمامنا الخمينيِّ في عُلاه:
"نَمْ قريرَ العينِ، فإنّ شعاراتِكَ ومَواقِفَك صارَتْ مدرسةً للمقاومة والنصرِ على امتداد المنطقة والعالَم. وكلّما اتَّسَع نِطاقُ محورِ المقاومةِ، ترسَّخَ شعار الاستقلال الذي رفعتَه لا شرقيةً ولا غربيةً، لٍيَقُضَّ مضاجِعَ أمريكا والكيانِ الصهيونيِّ وأذنابهِما من قوى الرجعيّةِ الباليةِ. وإنّ أبناءَكَ حفِظوا وصيّتَك، وعمِلوا بها، في ظلِّ خَلَفِكَ الصالحِ الإمامِ الخامنئيِّ (دام ظله)، حين قلتَ: " احفظوا سياسة (لا شرقية ولا غربية) على كل الصعد الداخلية والعلاقات الخارجية، وأرشدوا من كانت له -لا سمح الله- ميولٌ نحو الشرق أو الغرب". ولن يتخلَّوْا عن نهجِكَ حتى يشمَل شعارُك البسيطةَ كلَّها، تمهيداً لظهور حاملِ راية العدلِ والقسط الإمامِ المهديِّ (عج)".
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.