باسمه تعالى
المباحث التمهيدية:
تعريف الخمس:
على الباحث في موضوعٍ ما أن يتناول تعريفه قبل الدخول في أصل المسألة؛ لذا بدأ الإمام الخمينيH بذكر تعريف الخمس (وإنْ لم يصرح بأن مراده التعريف). فقال: Sوهو الذي جعله اللَّه تعالى لمحمّد9 وذرّيّته- كثّر اللَّه نسلهم المبارك- عوضاً عن الزكاة- التي هي من أوساخ أيدي الناس- إكراماً لهمR.
لم يذكر السيد الإمام Hهنا إلا بعض القيود، ولا بد للتعريف أن يكون جامعاً مانعاً. فالأفضل هنا أن ننقل تعريف الخمس من كلمات سائر الفقهاء، ثم ننظر فيها ونأخذ التعريف الجامع المستوفي للقيود.
جاء في مسالك الأفهام للشهيد الثاني H في صدر كتاب الخمس: Sالخمسُ حقٌ مال يّثبتُ لبني هاشم في مالٍ مخصوصٍ بالأصالةِ عوضاً عن الزكاةR([1]).
والفرق بين هذا التعريف وتعريف الإمام الخمينيH أنّ الأول لم يحدد ما إذا كان الخمسُ حقاً مالياً. وكذلك فالشهيد الثانيH قال: "لبني هاشم"، وأشار إلى أن الخمس مالٌ مخصوصٌ لهم بالأصالة.
ثم يشرع الشهيد الثاني بتوضيح التعريف:
Sفالحق بمنزلة الجنس يشمل الزكاة وغيرها. وخرج بالمالي غيره كالولاية الثابتة للإمامA على رعيته. وخرج ببني هاشم حق الزكاة، وخرج بنو المطلب فقد قيل باستحقاقهم له. وخرج بقيد الأصالة ما لو نذر لهم ناذرٌ مالاً فإنهُ لا يُسمى خمساً، وإنْ لاحظ فيه الناذر كونه عوضاً عن الزكاة التي لا تحلّ لهم. وأشار بقيد العِوَضية إلى أنّ اللّه سبحانه فرض الخمس للرسول الله 9 ولقبيلته إكراماً لهم، وتعويضاً عن الزكاة التي هي أوساخ الناس، وتوسعة عليهم، وتشريفاً لهم بزيادته وكثرة موضوعه وقلة شروطه، ودفع عنهم الغضاضة في أخذه ببداءته فيه بنفسه وتثنيته برسوله، وجعله شرط الإيمان باللّه وبما أنزله على رسوله. وكل هذه المزايا زائدة على الزكاةR([2]).
وذكرَ الشيخ الأنصاريH في كتابه الخمس تعريفاً له فقال:
Sوهوَ لُغةً: رابعُ الكُسُورِ، وشرعاً: اسمٌ لحقٍّ في المالِ يجبُ للحُجّةِA وقبيلِهِR([3]).
نلاحظ في تعريفه قولُهُ: "يجب للحجة" لا لبني هاشم، ولا للنبي وذريته، بل للحجة وقبيلِهِ، لذا عند بعض الفقهاء أنَّ الخُمسَ صالحٌ لمقامِ الإمامة أي لإدارة الأمة، فإذا قلنا بأن الخمس لمقام الإمامة (أي لمقام إمام حاكم) فلا بد من النقاش في هذه المسألة في زمن الغيبة: هل الخمس في زمن الغَيبة لجميع المراجع أم للوليِّ الفقيهِ فقط؟.
كذلك يذكر السيد الخونساريH في جامع المدارك تعريفاً شبيهاً بتعريف الشهيد الثاني فيقول:
Sقد عُرّف الخمسُ بأنَّهُ حقٌّ ماليٌّ فرضهُ على عبادهِ، فإن كانَ المرادُ من الحقّ ما هو في قبال الحكم، ويكون في كثيرٍ من المواردِ قابلاً للإسقاط، فهو مبنيٌّ على عدم كونهِ من قبيلِ السهم في المال المشترك، أو من قبيلِ الكُلّي في المُعيّن، وهو محلّ الكلام، وإنْ كانَ المرادُ منه المالُ فهو غيرُ مناسبٍ للتوصيف بالماليّة، وكيف كان فوجوبه من الضروريّاتR([4]).
ولم يشر الخونساري إلى أن هذا المال لـِمَن؟ بخلاف معظم الفقهاء الذين أشاروا إلى صاحب الحق المالي.
وفي كتاب مصباح الفقيه، للفقيه الهمداني:Sوهو حقٌّ ماليٌّ فرضهُ اللهُ على عباده فقال تبارك وتعالى في محكم كتابه Pوَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ وَالْيَتٰامىٰ وَالْمَسٰاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَمٰا أنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَاللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌOR([5]).
وأما صاحب الجواهر فَذَكرَ تعريفاً جامعاً قال فيه:
Sوهو حقٌّ ماليٌّ فرضهُ الله مالك الملك بالأصالة على عباده، في مال مخصوص له ولبني هاشم الذين هم رؤساؤهم وسُوّاسُهُم، وأهل الفضل والإحسان عليهم، عِوَضَ إكرامهِ إياهُم بمنع الصدقة والأوساخِ عنهم، كإكرامه تعالى لهم بجعله ذلك من شرائط الايمان وبقرنه وبتشريكه ذاته تعالى معهم في ذلك؛ مبالغةً في نفي احتمال الصدقة والوسخية التي تُنَـزّهُ عنها تلك الذات الجامعة لجميع صفات الكمالات، وتعظيماً وإجلالاً لهم بإظهار هذه الشركةR([6]).
الفارق في تعريف صاحب الجواهر هو ذكرُ قيد: "لهُ" أي هذا المال حقٌّ لله، بينما لم يتطرق أكثر الفقهاء إلى هذا القيد.
أكتفي بنقل هذه الاقوال. وأقول:
أكثر هذه التعاريف مبتلىً بإشكالات، ولكن الإشكال الأساس على جميعها هو عدم جامعيتها وعدم مانعيتها، والحالُ أنَّ هذين الأصلين من أسسِ تعريفِ أيِّ موضوعٍ.
ففي بعض التعاريف كما ورد في كلام الإمام الخميني والشهيد الثاني وغيرهما يشمل التعريف قسماً من الخمس ولا يشمل الجميع، لأنّ سهم اللَّه تعالى خارج. وفي بعضٍ آخرَ من التعاريف خرج سهم النبي9، وفي بعضٍ آخر خرجَ سهمُ النبي والأئمةD؛ لأن سهم النبي9 والأئمّةD ثابت بمقتضى كونهم ذوي ولاية مطلقة إلهيّة، لا بما أنّهم من بني هاشم. أي: وإنْ كان بحسب الواقع لا يكون الإمام من غير بني هاشم ولا غير قريش، ولكنَّ استحقاقهم ليس من هذا الجانب بل من جانب الإمامة.
وهنا سؤالٌ:هل للإمامA حقٌّ في الخمس بعنوان بني هاشم أم بعنوان الإمام؟ فلو قلنا أنه بعنوان بني هاشم فالتعريف يشمله. ولو قلنا أنه بعنوان الإمام فالتعريف لا يشمل.