مسألة لم يتعرضها السيد الامام و تعرضها السيد اليزدي
بعد التعرض لمسايل النظر و ضرورة التستر على النساء و الاهتمام بالحجاب و الستر حتى علي الرجال لو علموا أن النساء يتعمدن النظر الي أجسادهم‘ التفتت الي مسألة ذكرها السيد اليزدي في العروة الوثقي و لم يذكرها السيد الامام في التحرير و لاجل أهميتها و دورها في الدين و في الحياة الاجتماعية و علي الخصوص في كيفية العلاقة و التواصل بين الرجال و النساء‘ و نحن في مجتمعنا مبتلون بها و محتاجون الي معرفتها التفصيلية ‘ فلذلك أحببت أن أحكيها عن السيد اليزدي و أذكرها و أتحدث حولها.
اختلاط النساء بالرجال
قال السيّد اليزدي: يكره اختلاط النساء بالرجال، إلاّ للعجائز ولهنّ حضور الجمعة والجماعات. العروة الوثقى: كتاب النكاح‘ مسألة 49.
تحليل المسألة و بيان مراد السيد
هذه المسألة تحتوي على ثلاثة فروع أو على ثلاثة أحكام: الاول : كراهة مطلق اختلاط النساء بالرجال. والثاني: عدم كراهة الاختلاط للعجائز. والثالث: كراهة حضور النساء في الجمعة و الجماعات.
اما بالنسبة الي الاول لا كلام فيه و بعد قلبل نتحدث عنه بالتفصيل و من الجهات العددية فيه.
و أما الكلام ففيالفرع الثاني و الحكم الثاني لأن بيان السيد اليزدي قد وقع محل البحث بين بعض الفقها علي الخصوص في فهم مراد السيد منه.
لأن المستفاد من ظاهر عبارته هو عدم كراهة اختلاط النساء بالرجال للعجائز والحال أن الكراهة في فرض القول بها للنساء فلمطلق النساء و لا خصوصية لغير العجائز فلذلك بعض الفقهاء قاموا بتوجيه كلامه ره.
فالسيد الحكيم استفاد من الروايات الذامّة للاختلاط شمول حكم الكراهة للعجائز أيضاً، ومن الروايات الدالّة على كراهة حضورهنّ في الجمعة والعيدين استثناءهنّ; ولذلك اعترض على كلام صاحب العروة وقال: والمستفاد منها أي الروايات كراهة مزاحمة النساء للرجال في الطرق والأسواق ونحوها مطلقاً حتّى للعجائز، وكراهة خروج النساء للعيدين والجمعة إلاّ للعجائز، وهو مخالف لما في المتن. مستمسك العروة الوثقى: 1454.
و أما السيد الخوئي حاول توجيه كلام السيد اليزدي و علّق على قوله: (ولهنّ حضور...) و قال: الظاهر كون هذه الجملة عطفاً على المستثنى دون المستثنى منه، ومن هنا كان الأحرى التفريع بالفاء....ثم استشهد ببعض الروايات... المباني في شرح العروة الوثقي المطبوع ضمن الموسوعة: 3293.
و أما السيد الشبيري الزنجاني قال في درسه في شرح بيان السيد اليزدي: قد وقع في النسخ المطبوعة من العروة خطاء في العبارة‘ و أما في النسخة الاصلية من العروة فليس فيها هذه العبارة بل جاء فيها: يكره اختلاط النساء بالرجال و يكره لهن حضور الجمعة والجماعات الا للعجائز. انظر موقع الكتروني لمدرسة الفقاهة: دروس الفقه للسيد الشبيري الزنجاني.
يعني أن المقصود مما ذكره السيد اليزدي هو استثناء العجائز عن كراهة الحضور في الجمعة و الجماعات.
فهذا الذي قلنا بالنسبة الي تعيين مراد السيد من عبارته في العروة.
أقوال الفقهاء في المسألة:
و أما بالنسبة الي اختلاط النساء بالرجال‘ فكراهته مطلقا و في جميع الموارد في التجمعات العامة حتي في العبادات فهو معروف و مشهور بين الفقهاء من القدماء و المتأخرين.
1 - قال الشيخ الصدوق: وأفضل المواضع في الصلاة على الميّت الصفّ الأخير، والعلّة في ذلك أنّ النساء كنّ يختلطن بالرجال في الصلاة على الجنازة، فقال النبي(ص): أفضل المواضع في الصلاة على الميّت الصفّ الأخير، فتأخّرن إلى الصفّ الأخير فبقي فضله على ما ذكره(ص). الفقيه 1: 169، ذيل الحديث 493، و ح 494 وذيله.
2 - قال الشيخ الطوسي: وإذا كانوا جماعة فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفاً أو صفّاً واحداً، وإن كان فيهم نساء فليقفن آخر الصفوف، فلا يختلطن بالرجال. النهاية: 144.
3 - قال الشيخ المفيد: ولتجتنب المرأة الحرّة المسلمة سلوك الطرق على اختلاط بالرجال، ولا تسلكها معهم إلاّ على اضطرار إلى ذلك دون الاختيار، وإذا اضطرّت إلى ذلك فلتبعد من سلوكها عن الرجال، ولا تقاربهم، وتحتفز بجهده. أحكام النساء (مصنّفات الشيخ المفيد) 9: 56.
تفسير الاختلاط
قبل بيان الأدلة على ذلك و اظهار الحكم في المسألة بعد ذكر الاقوال فلابد من التعرف على معني الاختلاط بل على تفسير هذا الاصطلاح في الفقه‘ فهل المعني المراد نفس الحضور أو المقصود التزاحم و التصاق الجنسين المخالفين في المجتمع و نقض حريم الحياء بين الرجال و النساء؟ فما هو المراد منه؟
بناء على ما يستفاد من كلمات الفقهاء من القدماء و المتأخرين و حتى في كتبهم في الفقه العملي و توضيح المسائل الفقهية ‘ المقصود من الاختلاط ما يوجب نقضا للحريم الثابت بين الرجال و النساء في مطلق الحضور لا في العبادات فقط بل جميع الموارد من التجمعات العامة و غيرها من المعاشرة في المدارس و الجامعات بشكل غير متعارف ‘ الذي يوجب التدافع بين الجنسين أو التحدث بينهما بشكل غير عادي و مقدمة للحرام.
ففي الحقيقة ذم الاختلاط لأجل عدم الوقوع في الحرام و لأجل اطمينان النفس من الوقوع في الحرام‘ لان الاختلاط في بعض الاحيان اعانة على الحرام و اعانة على الاثم.
انظر الي الفتوي للامام الخميني في ذلك:
في استفتاء قدّم للإمام الخميني حول عمل المرأة في المؤسسات قال: لا بأس بالعمل للمرأة مع رعايتها للتكاليف الشرعيّة الثابتة في حقّها، ومنها تجنّب الاختلاط الكثير بالأجنبي. استفتاءات فارسية: 3: 358.
ففي استفتاء موجّه إلى السيد الخوئي عن جواز العمل للمرأة طبيبة أو ممرّضةـ مع استلزام ذلك للاختلاط بالرجال في أيّام الدراسة أو العمل قال: لا يجوز إلاّ مع الضرورة المبيحة للمحرّمات. منية السائل: 219.
وفي آخر عن اختلاط الصبيان والبنات في المدارس الحكوميّة التي يتعلّم فيها العلوم الدينيّة أجاب: «لا يجوز اختلاط الجنسين مع كونهم في سنّ المراهقة.صراط النجاة : 1331.
قال السيد الگلبايگاني في جواب استفتاء عن الدراسة في الجامعات المختلطة: نظام التعليم المختلط ليس إسلاميّاً، وأضراره الاجتماعيّة والأخلاقيّة وخيمة... لكن يجوز لمن يثق من نفسه عدم تأثير ذلك على تديّنه مشروطاً بصيانة نفسه عن الوقوع في المحرّمات الملازمة لهذا الاختلاط غير المشروع. مجمع المسائل 1: 537 الفارسية.
فكل هذه الموارد من فتوي الفقهاء يحكي لنا المعني المراد من الاختلاط بين النساء و الرجال هو الاسباب و المقدمات التي توجب عدم الالتزام بالشرع و بالحريم الثابت بين المحارم والاجانب‘ و هذا المعني يمكن مشاهدتها في الروايات و النصوص و سنتعرض لها في قسم ذكر الأدلة في المقام.
الأدلة في المقام:
يمكن الاستدلال على مطلق كراهة اختلاط النساء بالرجال بالعديد من الأدلة كاتفاق فقهاء الاصحاب فيها و عدم وجود الخلاف و المخالف من القدماء الي المتاخرين. و دلالة سيرة المتشرعة المتصلة بزمن المعصومين.
يعني أن المتشرعة من زمن رسول الله و أهل البيت(ع) كانوا ملتزمين بحريم بين النساء والمرأة و عدم نقض هذا الحريم لا من جانب النساء و لا من جانب الرجال.
و أما أفضل الدليل في ذلك النصوص و الروايات الواردة في الباب و ان كانت الروايات لا تختص باب واحد بل توجد في أبواب شتي من الفقه.
الشيخ الحر العاملي قد جعل بابا خاصا في كتاب النكاح 132 بعنوان( باب كراهة خروج النساء و اختلاطهن بالرجال) و ذكر فيه حديثين.
معتبرة غياث بن ابراهيم
محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيي عن احمد بن محمد بن عيسي عن محمد بن يحيي عن غياث بن ابراهيم عن ابي عبدالله(ع) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَام): يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ نُبِّئْتُ أَنَّ نِسَاءَكُمْ يُدَافِعْنَ الرِّجَالَ فِي الطَّرِيقِ أَ مَا تَسْتَحُونَ؟
و في حديث آخر الذي رواه الكليني قال: أَ مَا تَسْتَحْيُونَ ؟! وَ لَا تَغَارُونَ نِسَاؤُكُمْ يَخْرُجْنَ إِلَى الْأَسْوَاقِ وَ يُزَاحِمْنَ الْعُلُوجَ.
بعض من علماء علم الرجال ناقشوا في اعتبار غياث بن ابراهيم و المناقشة اكثرها من جهة مذهبه لأنهم ترددوا في مذهبه و قالوا: انه عامي و غير امامي.
و لكن يوجد في رواياته بعض الشواهد يدل على صحة مذهبه و أنه امامي.
الاول: تعبيره بأمير المومنين في أكثر الرورايات بدل علي (ع) و من البعيد أن يكون هو غير امامي و يصدر منه التعبير بأمير المومنين بالنسبة الي علي(ع).
الثاني: تعبير النجاشي بالنسبة اليه بأنه ثقة.
و من المعلوم أن عبارة ثقة عند النجاشي و عند الشيخ غالبيته تدل علي أن ثقة قولا و مذهبا. لأن المهم عندهما الثقة بالراوي من جميع الجهات و لا ريب في أن الاعتماد و الثقة بالمذهب و صحة المذهب أيضا منها.
الثالث: أنه من مشايخ ابن أيي عمير و الشيخ الطوسي صرح بأن جميع مشايخ ابن أبي عمير ثقة و كا قلنا أن الثقة تشمل الثقة بالمذهب.
الرابع: بعض علماء الرجال صرحوا بأنه امامي المذهب كالعلامة المامقاني في التنقيح.
و علي أي حال يظهر من تصريح النجاشي و الشيخ و بعض الرجاليين أنه من الثقات و يمكن الاعتماد عليه فلذلك عبرنا عنه احتياطا بمعتبرة غياث و ان يمكن لنا أن نعبر عنه بصحيحة غياث.
من المعلوم أنه ليس الملاك في كراهة الاختلاط كما جاء في هذا الحديث نفس حضور النساء في خارج البيت بل المهم الحضور بين الاجانب من ىون الالتزام بالحريم‘ لانه ورد في الحديث يدافعن الرجال في الطريق .
فالقول بالكراهة في مطلق الاختلاط لأجل أن الاختلاط ينافي الحياء اللازم في شخصية كل انسان و لاسيما في النساء و معاشرتهن مع الرجال في المجتمع.
فلذلك لا مانع من حضور النساء في خارج البيت و للعمل أو لبعض الامور الضرورية لهن و للمجتمع كما ذكر الفقيه الشهيد المطهري في كتابه رواية عن الامام الكاظم (ع) التي تدل علي جواز خروج النساء و حضورهن في المجتمع.
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْكَاهِلِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع إِنَّ امْرَأَتِي وَ امْرَأَةَ ابْنِ مَارِدٍ تَخْرُجَانِ فِي الْمَأْتَمِ فَأَنْهَاهُمَا فَتَقُولُ لِيَ امْرَأَتِي- إِنْ كَانَ حَرَاماً فَانْهَنَا عَنْهُ حَتَّى نَتْرُكَهُ- وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَاماً فَلِأَيِّ شَيْءٍ تَمْنَعُنَاهُ- فَإِذَا مَاتَ لَنَا مَيِّتٌ لَمْ يَجِئْنَا أَحَدٌ- قَالَ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع عَنِ الْحُقُوقِ تَسْأَلُنِي- كَانَ أَبِي ع يَبْعَثُ أُمِّي وَ أُمَّ فَرْوَةَ- تَقْضِيَانِ حُقُوقَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وسائل الشيعة، ج3، ص: 239، ح3510.
هذه الرواية و ان ذكرها الشهيد المطهري لدلاتها على جواز خروج النساء الى المجتمع بحسب ذيلها ‘ و لكن لا مانع من دلالتها على التزامهن بقواعد الشرع في خارج البيت.
يعني أنهن يخرجن الي أداء حقوق أهل المدينة و لكن مع رعاية التكاليف الشرعية.
و يويده ما ورد من قول السيدة فاطمة (عليها السلام) للنبي(صلى الله عليه و آله و سلم): خير للنساء أن لا يرين الرجال، ولا يراهنّ الرجال.
فقال(صلى الله عليه و آله و سلم): «فاطمة منّي.
وما ورد من قول أمير المؤمنين(عليه السلام) في رسالته إلى الحسن(عليه السلام): ... فإن استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل.
لأن أكثر ما تدل هاتين الروايتين هي الدلالة علي الكراهة لا علي الحرمة. و علي وجود حريم بينهما.
و كذلك تويده الروايات في ساير الابواب مثل ما ورد في باب 131 بَابُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ ابْتِدَاءُ النِّسَاءِ بِالسَّلَامِ وَ دُعَاؤُهُنَّ إِلَى الطَّعَامِ وَ تَأَكُّدِ الْكَرَاهَةِ فِي الشَّابَّةِ.
محمد بن يعقوب عن علي بن ابراهيم عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله قال: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عَلَيْهِ السَّلَام) لَا تَبْدَءُوا النِّسَاءَ بِالسَّلَامِ وَ لَا تَدْعُوهُنَّ إِلَى الطَّعَامِ‘ فَإِنَّ النَّبِيَّ(صَلَّی اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّم) قَالَ النِّسَاءُ عِيٌّ وَ عَوْرَةٌ فَاسْتُرُوا عِيَّهُنَّ بِالسُّكُوتِ وَ اسْتُرُوا عَوْرَاتِهِنَّ بِالْبُيُوتِ. وسايل الشيعة: كتاب النكاح‘ ابواب مقدمات النكاح باب 131 ح 1.
كذلك تويد ما قلناه آية غض البصر و فلاتخضعن بالقول و اذا سألتموهن فسئلوهن من وراء حجاب و روايات شهادة المرأة خلف الستر و كثير من الأدلة الموجودة فلا نحتاج الي ذكرها ‘
فالحق ما قاله السيد اليزدي في القول بكراهة اختلاط النساء بالرجال بشكل عام و بنحو مطلق.