مسألة 21:
لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبي و الأجنبية، و الأحوط ترك النظر إلى الشعر المنفصل، نعم الظاهر أنّه لا بأس بالنظر إلى السن و الظفر المنفصلين.
ان هذه المسألة لم يتعرضها القدماء من الفقهاء الا القليل منهم و أماالمتاخرين و المعاصرين قد تعرضوا لها و بعض منهم تعرضوا لها بالتفصيل الجامع من القول و الدليل!
و لكن قبل نقل الاقوال في المسالة و التعرض لآراء الفقهاء و أقوالهم ينبغي التامل في نفس المسألة حسب ما ذكرها السيد الامام (ره).
ان السيد الامام ذكر المسألة بعنوان العضو المبان و حكم فيه بحرمة النظر اليه من الأجنبي و الأجنبية‘ و لكن استثنى منه بعض الاعضاء و جعلها فروعا مستقلة و متفاوتة من حيث الحكم:
الاول: الشعر المنفصل. و قال بترك النظر احتياطا.
الثاني: السن و الظفر. و قال فيهما بالجواز.
فبعد التامل في نفس المسألة سيظهر لنا أنه ليست في المسألة فروعا متعددة بل المسالة ذات فرع واحىد و هو النظر الي العضو المبان من الاجنبي والأجنبية و لكن مورد النزاع و الاختلاف الذي يوجب الخلاف في الحكم في بعض أفراد المسألة‘ هو الملاك فيها و ليس تقسيما للمسألة.
والملاك في الحقيقة هو الجواب لهذا السوال :
هل الجزء المنفصل من أجنبية يتبع نفس الأجنبية في الحكم؟ كي نقول إذا جاز النظر إليها جاز النظر إليه؟ أو لا؟
فمثلا: يد مقطوعة، أو شعر مجذوذ، أو سن مقلوع، أو أنف مجذوع وما شاكل ذلك هل يتبع هذه الاعضاء نفس الأجنبية و الأجنبي أو لا؟
و لاجل وجود وجوه و آراء مختلفة في جواب هذا السوال‘ فتختلف الاقوال في المسألة و جوانب المسألة.
و لاريب في أن استخراج الملاك ليس مرتبطا بهذه المسالة و بهذا الموضع بل متعلقا بالمسايل السابقة كمسالة النظر الي الأجنبية و الأجنبي‘ و الملاك لابد من استخراجه من الأدلة و من لسان الأدلة لا من العرف! فاذا كان الملاك ففي لسان الأدلة المرأة الاجنبية و الرجل الأجنبي فطبعا الحكم يختلف بين المرأة الاجنبية و أعضاءها المبانة و اما اذا كان الملاك في لسان الأدلة الاعضاء فلايختلف الحكم .
و بيان السيد الامام ناظر الي الاختلاف الموجود في ملاك المسالة.
الاقوال في المسألة:
اولا أن الذي حكم به الامام هو المشهور بين المتعرضين لهذه المسألة.
قال العلامه الحلی في قواعد الأحكام:
ان العضو المبان كالمتصل علي اشكال. القواعد: 37.
و في نهاية الأحكام:
والأقرب عدم تحريم النظر .....إلى العضو المبان من الأجنبية ، لأنه ليس محل الشهوة . نهاية الإحكام ج 1 ص 382.
قال المحقق الكركي في جامع المقاصد في شرح كلام المصنف:
قوله: (و العضو المبان كالمتصل على إشكال.
أي: العضو المنفصل ممن يحرم النظر إليه كالمتصل في تحريم النظر إليه على إشكال، ينشأ: من أن مناط تحريم النظر إلى الأجنبية خوف الفتنة و حصول الشهوة، و ذلك منتف في المبان، لأنه صار كالحجر، و من أن ثبوت تحريم النظر قبل الانفصال يجب استصحابه، لعدم الناقل.
و في وجه للشافعية: أن المنفصل إن تميّز بصورته و شكله عما للرجل حرم، لبقاء المحذور، و إلّا لم يحرم، كقلامة الظفر و الشعر و الجلد. مغني المحتاج 3: 134، كفاية الأخيار 2: 28.
جامع المقاصد: ج 12 ص 45.
قال الفاضل الهندي في كشف اللثام:
و العضو المبان كالمتّصل على إشكال من الاستصحاب و عموم الأمر بالغضّ، و من أنّ من المعلوم أنّ المراد الغضّ عن الرجل أو المرأة، و العضو إذا بان صار جمادا و لم يكن النظر إليه نظرا إلى شخصه لغة أو عرفا. المجلد السابع الصفحة 30.
قال السید الیزدی
لا يجوز النظر إلى العضو المبان من الأجنبي مثل اليد والأنف واللسان ونحوها ، لا مثل السن والظفر والشعر ونحوها . العروة الوثقى ج 5 ص 491.
و ذکر صاحب الجواهر نص کلام العلامه فی القواعد ، ثم اخد فی بیان وجهه و ذكر فیه وجهين: من ادله التحریم و ادله عدمه. جواهر الکلام: 30/175.
و السيد الحكيم صرّح في المستمسك: بأنّه نصّ عليه غير واحد وحكى عن الشيخ الأعظم: أنّ المرجع فيه أصل البراءة بعد الإشكال في الاستصحاب.
الأدلة في المقام:
استدل على ذلك بالأدلة المتعددة من الكتاب و السنة و القواعد العامة و الاصول العملية.
الدليل الاول: الكتاب.
استدل من الكتاب بآية الغض. في سورة النور:
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَرِهِمْ وَ يَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَ لِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ بِمَا يَصْنَعُونَ )النور:30/24)
وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَ تِهِنَّ أَوْ نِسَآئهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُنَّ أَوِ التَّبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَ تِ النِّسَآءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )النور:31/24)
و وجه الاستدلال علي حرمة النظر الي العضو المبان من الاجنبية و الاجنبي‘ عبارة عن الاستدلال باطلاق الغض و هو الاطلاق يشمل النظر الى العضو المتصل و المنفصل‘ و واضح أن الأمر بالغضّ يدل على الوجوب يعني وجوب الغض عن النظر، ولا فرق بين الاتّصال والانفصال بمقتضى الإطلاق.
و فيه:
بعض من الفقهاء استشكلوا على الاستدلال بهذه الآية كشيخنا الاستاذ مكارم الشيرازى (حفظه الله) و قال في مقام الاشكال:
أمّا وجوب الغضّ، فلأنّ المراد منه ترك نظر المرأة إلى الرجل وبالعكس، والعضو المبان لا يصدق عليه عنوان الرجل والمرأة.
والقول بأنّ العرف لا يرى فرقاً بين المتّصل والمنفصل، عجيب؛ للفرق الواضح بينهما في ملاك الحرمة. الانوار الفقاهة: كتاب النكاح‘ 188.
و لكن نحن نقول بكل احترام و محبة لاستاذنا الكريم : لا تصل النوبة الي الاشكال بوجود الفرق بين العضو المتصل و المنفصل‘ بل الاشكال في صلاحية الآية لمقام الاستدلال بما قد قدمناه في المسايل السابقة لخصوص النظر.
لأن الاستدلال بالآیه مبتن علی أن المراد من الغض هو وجوب حفظ النظر و ترك النظر.
والحال أن الغض فی اللغه بمعنی النقص في النظر لا المنع من النظر، و لا ترك النظر ‘ كما ورد ذلك فی الصوت بمعنى النقص فی الصوت و ليس المراد الکف عن الصوت.
و یویده قوله تعالی فی سوره الحجرات: یأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَ لَا تَجْهَرُواْ لَهُو بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَلُكُمْ وَ أَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )الحجرات:2/49)
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَ تَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ )الحجرات:3/49)
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَ تِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ )الحجرات:4/49)
وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )الحجرات:5/49)
و واضح ان هذه الآیات لیست فی مقام سد اللسان عن الکلام بل فی مقام النقص عن الکلام الرفیع فی حضرة الرسول الاعظم!
و كذلك قوله تعالی في سورة لقمان: وَ اقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ )لقمان:19/31).
فبان و ظهر أن الغض عن النظر غیر ترک النظر و الاستدلال بالغض علی حرمة النظر ، لا تخلوا من اشکال! فلذلك لا تصلح الآية للاستدلال و لا تصل النوبة الي الاشكال بالفرق بين العضو المتصل و المنفصل!
الدليل الثاني: الروايات الناهية عن النظر الي الاجنبي والاجنبية:
عدد من الروايات موجودة في المنع من النظر الي الرجل الاجنبي و المرأة الاجنبية و قد قدمناها في المسايل السابقة في هذا الكتاب و تحدثنا عنها في مقام الاستدلال بها عل يحرمة النظر اليهما عدا ما استثني.
فيمكن لأحد أن يستدل بنفس هذه الروايات و الاحاديث المتظافرة المشتملة على الصحاح و الضعاف على حرمة النظر الى العضو المبان من الاجنبي و الأجنبية‘ و وجه الاستدلال هو التمسك باطلاقها الشامل لصورتي اتصال الاعضاء و انفصالها‘ لان الرويات مطلقة و اطلاقها تشمل حتي صورة الانفصال.
و لكن كذلك بعض من الفقهاء استشكلوا على الاستدلال بها و قالوا: ان العنوان الذي تعلق بها المنع من النظر هو الرجل و المرأة الاجنبيتان بما ان النظر اليهما حرام و ممنوع‘ و بالطبيعي هذه العنوان لا يطلق على النظر الى كل عضو من أعضاء بدنهما.
لأن هنا يصدق القول بأنه نظر الي اليد و لايصدق القول أنه نظر الي الاجنبي أو الاجنبية! فلذلك لايصح الاستدلال بالروايات الناهية عن النظر.
و من المستشكلين في ذلك شيخنا الاستاذ مكارم الشيرازي و لكن هو استشكل بشكل آخر و لكن المضمون واحد حيث قال:
وأمّا الروايات الناهية عن النظر، فلأنّها ناظرة إلى صورة الاتّصال، والحكم بشموله لحالة الانفصال، تحكّم وقول بلا دليل.
و ان كان العبارة من الشيخ الاستاذ متفاوة و لكن من حيث المعني هو يريد أن يقول علة انصراف الاطلاق الي الاتصال هو وجود العنوان المرأة الاجنبية و الرجل الاجنبي و واضح أن اليد المقطوعة في صورة الاتصال بالأجنبية يطلق عليها العنوان و لكن في صورة الانفصال لا يطلق.
و فيه:
و أما نحن نرد على الاشكال علي شيخنا الاستاذ و على كل من يريد الاشكال على الاستدلال و نقول: الاشكال غير وارد و ليس هنا محل الاشكال.
لانا اذا نظرنا الي الروايات والاخبار نجدها ليست بعنوان الأجنبية و الاجنبي بالنعت المجموعي بل السوال و الحكم في أكثر الموارد لولا الجميع عن الاعضاء و علي الاعضاء فمثلا عن الوجه و الكفين و اليد و المرفق و ......فاليتامل فيها:
صحیحة ابی حمزه الثمالی.
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ يُصِيبُهَا الْبَلَاءُ فِي جَسَدِهَا إِمَّا كَسْرٌ وَ إِمَّا جُرْحٌ فِي مَكَانٍ لَا يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَيْهِ يَكُونُ الرَّجُلُ أَرْفَقَ بِعِلَاجِهِ مِنَ النِّسَاءِ أَ يَصْلُحُ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا قَالَ إِذَا اضْطُرَّتْ إِلَيْهِ فَلْيُعَالِجْهَا إِنْ شَاءَتْ . کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، الباب 130ح 1.
ان السوال عن ابی جعفر عن موضع من جسد المراة الذی لا یصلح النظر الیه، و بالتامل یفهم منه ان فی جسد المراه مکانا یصلح ان ینظر الیه، و مکانا لا یصلح ان ینظر الیه. و من الواضح أن المقصود من المكان هو العضو و مكان العضو.
صحیحه فضیل.
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنِ الْفُضَيْلِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الذِّرَاعَيْنِ مِنَ الْمَرْأَةِ هُمَا مِنَ الزِّينَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ؟
قَالَ(ع): نَعَمْ وَ مَا دُونَ الْخِمَارِ مِنَ الزِّينَةِ وَ مَا دُونَ السِّوَارَيْنِ . وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، الباب 109 ح 1.
في هذا الحديث كذلك السوال عن بعض الاعضاء.
مرسله مروک بن عبید
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرَى مِنَ الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَماً قَالَ الْوَجْهُ وَ الْكَفَّانِ وَ الْقَدَمَانِ
وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، الباب 109 ح 2.
و كذلك السوال عن أعضاء جسى المرأة.
روایه علی بن جعفر
علي بن جعفر عن أخيه ( ع ) : ( قال : سألته عن الرجل ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحل له ؟ قال : الوجه ، والكف ، وموضع السوار). بحارالانوار: 104ظ34 ح 11 عن قرب الاسناد.
فبالنتيجة أن الملاك في تعلق عنوان المنع من النظر و تعلق حرمة النظر هو العضو و ليس العنوان هيئة المرأة و هيئة الرجل! فلذلك الاشكال غير وارد و الاستدلال تام و دعوى انصراف الادلة على الاتصال أيضا تحكم.
لانه في صورة الانفصال كذلك العرف يقول بأن هذه العضو مثلا يد المرأة أو يد الرجل لكن بعد تشخيص جنس العضو.
الدليل الثالث: الاستصحاب.
و وجه الاستدلال أنه اذا لم يوجد دليل من الادلة الاجتهادية اللفظية أو اللبية من الكتاب و السنة و الاجماع فتصل النوبة الي الرجوع الى الاصول العملية بعنوان الادلة الفقاهتية!
و بما أن هنا يقين سابق على حرمة النظر الي العضو من الاجنبية في صورة الاتصال و قبل انفصال و لكن حصل الشك بعد الانفصال فعليهذا هنا مجري الاستصحاب من بين الاصول العملية.
و بسبب جريان الاستصحاب تثبت الحرمة للنظر الي العضو المبان من الاجنبية و الاجنبي.
مويدات للاستدلال بالاستصحاب:
الاول:
و یوید هذا الوجه من الاستدلال بالاستصحاب‘ تسري الحکم بالنجاسة الى العضو المبان من الکلب، یعني أن النجاسة التی کانت قبل انفصال الجزء، تبقی بعد الانفصال أیضا.
الثاني:
و كذلك يويده أن الملکیة تتسری الی جمیع أعضاء المملوک و تبقی بعد الانفصال‘ و لاتزول الملكية حتي بعد الانفصال‘ فکذلک تحریم النظر.
اشكال الشيخ الانصاري و السيد الحكيم و الخوئي:
و فیه: ان الاستدلال بالاستصحاب لا يخلو من اشكال.
و اورد عليه بعض من الفقهاء و الاصوليين و استشكلوا عليه کالشیخ الاعظم الانصاری و السید الحکیم و السید الخویی و غیرهم، بهذا المضمون: أنه یشترط فی الاستصحاب أن یکون موضوعه متحدا، يعني لابد و أن يكون الموضوع في اليقين و الشك واحدا و لا يكون متعددا‘ بل وحدة الموضوع من اركان الاستصحاب و اذا لم توجد وحدة الموضوع‘ فطبعا لایجری الاستصحاب مع تعدد الموضوع‘ و ما نحن فیه من قبیل تعدد الموضوع و تبدل الموضوع، و اذا کان الموضوع یتبدل، فلا یجری الاستصحاب قطعا.
لانه لاریب في أن الموضوع في حرمة النظر عبارة عن المراة الاجنبية أو الرجل الأجنبي و اليقين بالنسبة الى هذه الصورة يعني في صورة بقاء هيئة المراة و الرجل، و أما بعد الانفصال تبدل الموضوع و ما بقي الموضوع السابق، لأن ما بقی بعد الانفصال هو العضو المبان و ليس هيئة المرأة الاجنبية‘ و معلوم ان العضو المبان لا يطلق عليه امرأة و لا يطلق عليه الرجل‘ فلذلك لايجري الاستصحاب.
و اما السيدان الحكيم و الخوئي بذل جهدهما في مقام الاشكال على ايراد الشيخ الاعظم الانصاري و الاجابة عنه و اليكم نص كلامهما:
قال السيد الحكيم في المستمسك:
وقد يشكل الاستصحاب بتعدد الموضوع‘ لأن موضوع المنع المرأة مثلا , وهو غير صادق في الجزء المنفصل , فالمرجع أصل البراءة كما في كلام شيخنا الأعظم (ره). وفيه : أنه يتم إذا كان المرجع في بقاء الموضوع وارتفاعه‘ الدليل‘ لأن موضوع الحكم في الدليل هو المرأة مثلا. أما إذا كان المرجع في بقاء الموضوع العرف فالموضوع باق , فان الاتصال والانفصال من الحالات الطارئة على الاجزاء عرفا , لا مقومة للموضوع. ولذا جاز استصحاب النجاسة للجزء المقطوع من الكلب , والملكية للجزء المقطوع من المملوك. بل لا ينبغي التأمل في حرمة النظر للاجزاء المجتمعة بعد تقطيعها.
و قال السيد الخوئي بعد بيان وجه الاستدلال بالاستصحاب:
و فيه: أوّلاً: ما ذكره الشيخ الأنصاري(قدس سره)من تعدّد الموضوع.
وثانياً: ما تقدم منّا في المباحث الأُصولية من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.
و عليه فالحكم على تقدير ثبوته مبني على الاحتياط.
و أما ما استشهد به من نجاسة الأجزاء المبانة من الكلب، وملكية الأجزاء المقطوعة من المملوك، فهو غير صحيح، إذ ليس الحكم فيها من جهة الاستصحاب وإلّا لكان يجري فيه ما تقدم، وإنّما هو من جهة شمول نفس الدليل الدال على النجاسة أو الملكية لهما، إذ أن دليل النجاسة إنّما يدل على نجاسة كل جزء من الكلب، كما أنّ دليل الملكية يدل على ملكية كلّ جزء، لا أنه يتكفل نجاسة الكلب بما هو.
الي هنا ما قاله الشيخ الاعظم في الاستدلال و الايراد و ما ذكره السيد الخوئي و الحكيم للرد عليه.
بيان السيد مصطفي الخميني
و أما هناك بيان من السيد مصطفي الخميني ابن الامام الخميني الذي استشهد في زمن أبيه! و بما أنه مفيد و مشتمل على بعض النقاط المهمه و الدقيقة أذكره هنا:
ان السيد مصطفي الخميني الشهيد ذكر اولا الاستصحاب و الرد علي الاستدلال به و بعد ذلك قال:
ويمكن دعوى كفاية الادلة الاجتهادية المانعة، ضرورة أن المحرم هو النظر إلى الجسم والمادة، لا التي عرضته الروح الانسانية، ولذلك لا يجوز بعد الموت.
وأيضا: يكون حكم التحريم تحليليا، حسب الاعضاء والاجزاء، فلا يجوز النظر إلى كل جزء من بدن الاجنبية والاجنبي، فلا يجوز النظر إلى اليد والرجل والبطن، لان الجثمان ليس موضوع التحريم على نعت العموم المجموعي بالضرورة، ولا على وجه الارتباط بين الاجزاء، حتى يكون المحرم هو النظر إلى اليد إذا صاحبه النظر إلى سائر الاجزاء، فالحكم الثابت بالدليل الاجتهادي، ينحل - في نظر العرف - إلى الاحكام المتعددة بتعدد الاجزاء، ويكون باقيا ببقائها.
وأما قضية الاستصحاب، فالحق أن جريانه محل إشكال، لا لما في كلام الشيخ الانصاري (قدس سره) كي يتوجه إليه: أن الموضوع الاستصحاب باق عرفا، وإن كان موضوع الدليل غير باق. بل لان الحكم الثابت للجزء، إن كان حكما مستقلا في ظرف الاتصال، فهو باق، ولا تصل النوبة إلى الاستصحاب، وإن كان حكما ضمنيا، فلا يعقل بقاؤه واحتمال بقائه، لانه تابع الكل، كبقية موضوعه له. مثلا: إذا حرم النظر إلى البيت فخرب، فإن النظر إلى الجزء المبان من البيت، لا يثبت حرمته باستصحاب حرمة النظر الثابتة في ظرف الاتصال، لان هذا الجزء المبان، ما كان - بما هو - مورد التحريم حتى يحتمل بقاؤه، ولو كان كذلك فلا يحتاج إلى الاستصحاب.
المقصود من الدليل الاجتهادي و الفقاهتي:
انه قد تعارف في ألسنة الفقهاء خصوصا في العصور المتأخرة أن يسمّوا الدليل على الحكم الظاهري كالأصول الأربعة بدليل فقاهتي باعتبار ان الفقه هو العلم بالأحكام و هذه تفيد العلم بالحكم الظاهري، و أن يسمّوا الدليل الدال على الحكم الواقعي كالكتاب و الامارة المعتبرة و غير ذلك مما يفيد الظن
بالحكم الواقعي بدليل اجتهادي باعتبار أن الاجتهاد لتحصيل الظن بالواقع و هذه تفيد الظن بالحكم الواقعي.
فنقول: أن الحق ما قاله السيد مصطفي الخميني لانه تكفينا الأددلة الاجتهادية و لا تصل النوبة الي الاستصحاب كي نتمسك به و نستدل به و نواجه الاشكالات و الايرادات من الشيخ الاعظم النصاري والسيد الحكيم و الخوئي.
فلذلك الحرمة ثابتة للنظر الي العضو المبان الذي كان النظر اليه حراما قبل الابانة و الانفصال.
الدليل الرابع: الروايات الناهية عن وصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها
من الادلة التي يمكن لأحد أن يستدل بها عبارة عن الروايات وردت بخصوص وصل شعر المرأة بغيرها و فيها عدة من الروايات و ذكرها الشيخ الحر العاملي في كتاب النكاح من وسايل الشيعة.
بعضها يدل على الجواز و بعضها يدل على المنع و لكن لا ربط بينها و بين ما نحن فيه لان الروايات تتكفل بيان حكم الوصل و ليس في مقام حكم النظر و ليس النظر من لوازم وصل الشعر‘ فلذا لا نتعرض لها و لا نذكرها بل نحولها الي مكانه الخاص.
و بعض الفقهاء أشاروا الي ما قلنا بالنسبة الي الاستدلال بالروايات‘ كالسيد الحكيم حيث قال:
وقد يستدل على الجواز بما ورد من جواز وصل الشعر. وفيه : أنه ناظر الى حكم الوصل , لا الى حكم النظر , وليس هو من لوازمه كي يكون الاذن فيه إذناً فيه. اللهم إلا أن يكون منصرف نصوص الوصل التزين للزوج , فيكون حكم النظر مسؤولا عنه ولو ضمناً. مستمسك العرو الوثقى: 1453.
فلذلك لايصح الاستدلال بأخبار الوصل الا اذا قلنا بأن الملازمة موجودة بين وصل الشعر و بين النظر و اللمس من زوجها‘ ففي هذا الفرض يمكن القول بحرمة الوصل لوجود الملازه العرفيه.
وبناء علي هذا أن الاحتياط الذي قال به السيد الامام في النظر الي الشعر المنفصل والمبان فلعله من جهة النظر و اللمس من الزوج‘ و لو كان كذلك فالاحتياط حسن و وجيه‘ مضافا الي أن شعر المرأة الأجنية بطبيعته و في نفسه من الأمور المهيجة للشهوة و منشأ للخوف من الوقوع في الفتنة خصوصا حسب المتعارف فيه قرينة على كونه للأجنبية‘ و هذه من خصوصيات الشعر‘ و الا فلا وجه للاحتياط.
و من جهة أن الشعر من الامور النابتة علي الجسم و علي الجسد و ليس من الاجزاء الثابتة في الجسد.
و أما السن و الظفر هما بخلاف الشعر‘ لانهما ليسا من الأمور المهيجة للشهوة و ليس فيهما قرينة علي كونهما من المرأة‘ و على تقدير العلم بكونه من المرأة ايضا لايكونان مهيجان‘ فلذلك لا احتياط فيهما.
التحقيق في المسألة والقول المختار:
بعد الفحص و التحقيق في المسألة و النقاش في أدلة المسألة و في كيفية الاستدلال و صلاحية الاستدلال بها‘ يظهر لنا أن الدليل الاصلي و المهم في المسألة هو الدليل الاجتهادي و هو الروايات الواردة في خصوص المنع من النظر الى الأجنبية بما بينا من كيفية الاستدلال بها و وجود القرينة فيها على أن الملاك في حرمة النظر هو النظر الي العضو و ليس الملاك هو الهيئة من الرجل و المرأة‘ و الحكم أيضا يمكن القول بتحليله و انحلاله ال يالاحكام المتعددة حسب الاعضاء و الاجزاء.
و عليهذا لا تصل النوبة الي الاستدلال بالاستصحاب و الابتلاء بالاشكال و الايراد من الشيخ الاعظم و غيره ‘ بل تكفينا و تغنينا الادلة الاجتهادية .
و الذي يستفاد من الأدلة الاجتهادية هو عدم جواز النظر الي العضو الذي لم يجز النظر الي قبل الانفصال‘ يعني كل عضو قلنا بمنع النظر في صورة الاتصال كذلك نقول بالمنع في صورة الانفصال و كل ما قلنا بالجواز فنقول هنا أيضا بالجواز‘ و لكن لا لاجل الاستصحاب و لا لاجل عموم الغض في الآية و لا لأجل عموم الروايات الناهية عن الوصل ‘ بل انما لاجل أن الملاك في النظر هو النظر الي العضو لا الى الهيئة الاجنبية . والاحتياط في المسألة بعد القول بحرمة النظر الي العضو لا محل له و لا محمل له الا في صورة الشك في شمول الدليل.
بقی هنا شیء:
و هو الفرق الذی یقول به السید الماتن الامام بین النظر الی الید و بین النظر الی الشعر، و لم یظهر لنا وجه القول بالفرق المذکور، و لا وجه للقول بانصراف الادله عنه، لانه دعوی مکابره.
الا أن نقول أن الشعر ليس من الاعضاء بل من الاجزاء النابتة على العضو فكذلك لابد من القول بتبيعيته للعضو و ليس له حكم آخر و لا حكما جديدا.
فعلی هذا من يقول بالجواز، فلابد و أن يقول بالجواز في الید والشعر، و من لم یقل بالجواز لا یقول به فی شیئ مما ذکر.