المسالة 19
لا يجوز النظر إلى الأجنبي كالعكس، و الأقرب استثناء الوجه و الكفّين .
اعلم انه لاریب فی ان السید الامام (ره) قد احال الحكم فی هذه المسالة و فروعها و تفاصيلها الی المسالة السابقة أي الثامنة عشر‘ من حیث اتحادهما فی جهات الحکم و فروع المسالة و هی النظر الی الاجنبي و الى الاجنبیه و السيد الامام يقول بحرمتهما علي وجه الاحتياط‘.
و لکنه ره استثنی منه فی نظر المراه الی الاجنبی الوجه و الکفین و استقرب الجواز فیهما، و لعل الوجه فی هذا الاستثناء منه (ره) استلزام العسر والحرج فی صوره عدم القول بالجواز، لانه (ره) یقول بعدمه فی نظر الرجل الی الاجنبیه فی المساله السابقه آنفا.
الاقوال فی المساله:
ان الفقهاء من حیث تعرضهم لهذا المساله ینقسم الی قسمین، بعضهم من القدماء والمتاخرین قد تعرض لها و صرح في فتواه و بعض آخر لا یتعرض لها اصلا و لا یفتی فیها بشیء و نحن نقدم الیکم نص بعض کلماتهم لکی یمکن لنا و لکم الحکم و وجه الاستدلال فیها و الیک نصوص بعضها.
1 - قال المحقق البحرانی صاحب الحدائق: الظاهر أنّه لا خلاف فی تحریم نظر المرأه إلی الأجنبی، أعمی کان أو مبصرا. الحدائق الناضره:23/ 65.
2 – قال المحقق النراقی فی مستند الشیعه : و کلما ذکر فیه جواز نظر الرجل إلی المرأه، یجوز فیه العکس بالإجماع المرکب. مستند الشیعه: 16/ 63.
نقول: لا ریب ان مراد المحقق النراقی من الإجماع المرکب الذی یدعیه هنا ، أنّ ملاک الجواز و المنع للنظر فیهما سواء، یعنی کل من یقول بجواز نظر الرجل الی المراه فقد یقول به فی نظر المراه الی الرجل و هکذا فی المنع من النظر و لا نعلم احدا یخالف فی جهتین من المساله و کانه قد یرید ان یقول بالملازمه فیهما.
لأن الإجماع قسمان ( بسيط ومركب ) والإجماع البسيط هو اتفاق جميع الفقهاء من عصر الغيبة حتى اليوم على مسألة ، كوجوب الطمأنينة في الصلاة الواجبة او استحباب الدعاء عند رؤية الهلال او غير ذلك وامثلته كثيرة.
والإجماع المركب هو وجود قولين في مسألة ، فإنه إجماع على عدم صحة قول ثالث . وبعبارة أخرى : هو اتفاق الفقهاء على نفي القول الثالث.
فمثلاً :لو قال بعض العلماء بحرمة أكل لحم الأرنب ،وقال آخرون بكراهته؛ فهم متفقون على نفي الإباحة، فلو قال عالم بالإباحة من غير كراهة يكون مخالفاً للإجماع المركب فيكون مفاد الاجماع المركب هو نفي القول الثالث
3 – قال السید علی الطباطبایی صاحب الریاض: و تتحد المرأه مع الرجل فتمنع فی محل المنع، لا فی غیره إجماعا. ریاض المسائل 10/ 72.
4 - قال السید الیزدی فی العروه الوثقی: لا یجوز النظر الی الاجنبیة و لا للمراه النظر الی الاجنبی من غیر ضرورة ، واستثنی جماعة الوجه والکفین فقالوا بالجواز فیهما مع عدم الریبه والتلذذ و قیل الجواز فیهما مرة و لا یجوز تکرار النظر و الاحوط المنع مطلقا. العروه الوثقی: کتاب النکاح، احکام النظر، مساله 31.
و للعامه ایضا اقوال کما نقله ابن قدامه فی کتابه:
أمّا نظر المرأه إلی الرجل ففیه روایتان؛ إحداهما، لها النظر إلی ما لیس بعورة؛ و الاخری، لا یجوز لها النظر من الرجل، إلّا إلی مثل ما ینظر إلیه منها. المغنی لابن قدامه: 7/ 465.
نقول:
والذی یظهر مما ذکرناه هنا من الاقوال فی المساله ان اکثر من تعرض لها فی الفقه هم المتاخرون و القدماء لا یتعرضون لها اصلا، و لاحد ان یسال لای شی لا یتعرضون لها؟
و الذی یمکن ان یقال فی الجواب اولا: لوجود الملازمه بین هذه المساله و سابقها یعنی ان الملازمه موجوده بین نظر الرجل الی الاجنبیه و نظر المراه الی الاجنبی، و اذا کانت الملازمه موجوده و معلومه لکل احد، فلا حاجه الی ذکرها و تعرضها و بیان الحکم فیها، و لعل ما ذکرناه هنا هو الوجه فی عدم ذکر القدماء لهذه المساله.
و فیه:
ان ما قیل فی الجواب حسن لو کانت الملازمه فی المساله قطعیه، و لکن انی لنا اثباتها
فیما نحن فیه، بل یمکن لنا ان نقول بعدمها.
اولا: ان الملازمه فیما کانت الملاک فیهما واحد والحال انهما صنفان مختلفان، فکیف نقول باتحاد الملاک فیهما ، بل یمکن ان یکون الملاک فیهما مختلفان، و اذا کان کذلک فلا ملازمه بینهما فی الحکم.
و ثانیا: لو قلنا بان الملازمه موجوده، لکانت مخالفة للسیره القطعیه المستمره التی قامت علی جواز النظر من المراه الی الوجه و الکفین من الرجل الاجنبی ، من لدن عصر رسول الله الی یومنا هذا، لان النساء هن یخرجن فی زمن رسول الله و الائمه المعصومین (ع) و یسالن عنهم مسائلهن ، و ینظرن الی وجوههن و یذهبن الی الاسواق و یشترین المتاع و ینظرن الی الرجال و لا یمنع احد عن هذه.
و للسید الخویی فی اثبات عدم الملازمه کلام مفید نريد نقله هنا.
ان السيد الخويي بعد أن ذكر كلام صاحب الرياض و ادعائه الاجماع علي وجود الملازمة بين ثبوت الحكم في الجانب الرجل و في جانب المراة قال:
و فيه:
أن الاجماع لو تم فهو‘ و لكن أني لنا اثبات كونه اجماعيا قطعيا محصلا! كيف و لم يتعرض للمسالة كثير من القدماء و المتاخرين!
علی انه یکفینا فی اثبات عدم الملازمه الجزم بجواز نظرها الی وجه الرجل و یدیه
حتی مع القول بحرمه نظر الرجل الی وجهها و یدیها، فان السیره القطعیه قائمه علی الجواز بالنسبه الیها من عصر الرسول الاعظم الی زماننا هذا ، فانهن کن ینظرن الی الرجال فی حین التکلم معهم او غیره و لو من وراء الحجاب و یوید ذلک ملاحظه ان نظر المراه الی الرجل من حیث الحکم فی عصرهم لا یخلوا من حالات ثلاث:
فاما ان یکون واضح الحرمه
و اما ان یکون واضح الجواز
و اما ان یکون مشتبها.
والاول بعید جدا اذ لا یحتمل ان تکون حرمه نظر المراه الی الرجل اوضح من حرمه نظر الرجل الیها، بحیث یرد السوال عن الثانی و لا یرد عن الاول.
والثالث یدفعه عدم السوال عنه و لا فی روایه واحده فانه لو کان الحکم مشکوکا و مشتبها فکیف لم یسال عنه المعصوم؟ و کیف لم ینبه علیه و هو بعد ما عرفت ان المتعارف فی الخارج ذلک؟
و من هنا یتعین الاحتمال الثانی و ان الحکم بالجواز کان واضحا لدی المتشرعه فی عصرهم (ع) الی حد لم تکن هناک حاجه للسوال عنه.
و عليه فمثل هذا الاجماع لايمكن الاعتماد عليه‘ بل لابد في القول بعدم الجواز من تتبع سائر الأدلة!
مبانی فی شرح العروه المطبوع ضمن الموسوعه: 32/37، کتاب النکاح.
فالمعلوم من عدم تعرضهم لهذه المساله وضوح الحکم فیها من جواز النظر الی وجهها و عدم الحاجه الی التعرض و بیان حکمها لا لاجل وجود الملازمة في الحكم بین الجانبين.
اذا تاملت فی ما قدمناه من الاقوال فی المساله ظهر لک امران:
الاول: ان المساله مشتمله علی اربعه فروع :
منها : نظر المراه الی عوره الرجل الاجنبی/
منها: نظر المراه الی جسد الاجنبی مع تلذذ و ریبه حتی الوجه و الکفین/
منها : نظر المراه الی جسد الاجنبی غير الوجه و الكفين من دون تلذذ و ریبه.
منها: نظر المراه الی الوجه والکفین من الاجنبی من دون نلذذ و ریبه.
و اما الفرعان الاولان فقد تقدم فی المسایل المتقدمه انها حرام بلا تردید و لا نعود هنا الی ذکرها مجددا.
و الفرعان الآخران هما االذان نحن بصدد بیانهما هنا.
والثانی: فی المسالة قولان مختلفان:
احدهما: الحرمه مطلقا عورة کانت و غیرها حتی الوجه والکفین.
وثانیهما: حرمه النظر من المراه الی الرجل الاجنبی الا الوجه و الکفین و بعض اعضاء جسده کالراس و الصدر و القدم.
و لابد لنا من التعرض لادله القولین علی الترتیب.
الادله فی المقام:
قد استدلوا علی القول بالحرمه بامور:
الاول: الاستدلال بالکتاب.
قوله تعالی : وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآلِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآلِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَ تِهِنَّ أَوْ نِسَآلِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُنَّ أَوِ التَّبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَ تِ النِّسَآءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )النور:31/24)
و کیفیه الاستدلال التمسک باطلاقه قوله تعالی یغضضن من ابصارهن، یعنی ان الغض فی الآیه مطلق یشمل جمیع بدن الرجل و منها الوجه و الکفین، و لاریب فی شموله لهما. یعنی أن الآیة تحکم بأنه یحرم النظر من المراة الی ای جزء من بدن الرجل الاجنبی.
و فیه:
اولا : ان الاستدلال بالآیه علی ذلک مبتن علی ان المراد من الغض هو ترک النظر و الحال ان الغض لیس معناه ذلک بل کما قدمناه من قبل ان الغض فی اللغه بمعنی النقص فی النظر لا السد عن النظر و لا ترک النظر، و کذلک فی الصوت ای النقص فی الصوت لا الکف عن الصوت.
و یوید معنی المذکور قوله تعالی فی سوره الحجرات: َیأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَ تَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَ لَا تَجْهَرُواْ لَهُو بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَلُكُمْ وَ أَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )الحجرات:2/49)
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَ تَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَل-ِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ )الحجرات:3/49)
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَ تِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ )الحجرات:4/49)
وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )الحجرات:5/49)
و واضح ان هذه الآیات لیست فی مقام سد اللسان عن الکلام بل فی مقام النقص عن الکلام الرفیع فی حضره الرسول الاعظم،
و قوله تعالی فی سوره لقمان: وَ اقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ )لقمان:19/31).
فبان ان الغض عن النظر غیر ترک النظر و الاستدلال بالغض علی حرمه النظر ، لا يخلوا من اشکال. فالآیة لا تناسب للاستدلال علی تحریم النظر.
و ثانیا: یمکن ان نقول بان الغض الذی امره به فی الآیه عباره کنائیه عن تجاوز المراه عن الرجل و عدم القرب له و لا یوقف امراه عند رجل اجنبی من غیر ضرروه و حاجه، و یستفاد منه ان المراد من الغض هو اعراض المراه عن الرجل الاجنبی، لان وقوف المراه عند الرجل الاجنبی یقوی التلذذ الشهوی الذی یوجب الابتلاء بالامور التی تکون من مقدمات الحرام او نفسه.
و ثالثا: یحتمل ان یدعی احد ان الایه لا اطلاق فیه بل اطلاقه منصرف الی غیر الوجه والکفین و سایر اعضائه التی کانت مکشوفه عاده، و هو المتعارف العرفی من الایه.
و رابعا: لو سلمنا ان الغض بمعنی الغمض فلا یجوز لنا ایضا ان نستدل باطلاقها علی التحریم ایضا، لان الاطلاق یشمل جمیع ما یتعلق به النظر من الموجودات و حاضله استدلاله ان یکون النظر من المراه الی کل شیء من الموجودات حرام،
والحال ان النظر الی کثیر من الموجودات جایز بالاتفاق و خروج الاکثر عنها بالاستثناء یوجب الابتلاء بالامر المستهجن و هو استثناء الاکثر.
فبالنتیجه ان الامر بالغض فی الایه مجمل بالنسبه الی شموله الوجه والکفین و حیث کان الاجمال فیها لا یصح الاستدلال بها.
الثانی: الاستدلال بالسنة
واستدلوا ایضا من السنه ببعض الاخبار المرویة عن المعصومین (ع)
منها خبر ابن أم مکتوم
محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله قال : استأذن ابن أم مكتوم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : قوما فادخلا البيت ، فقالتا : إنه أعمى فقال : إن لم يركما فإنكما تريانه. الكافي، ج 5 ص 534. وسائل الشيعة ج 20 ص 232، کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، باب 129، ح1.
کیفیه الاستدلال:
ان النبی امر بعض زوجاته بدخول البیت حتی لا یرین ابن ام مکتوم حین دخوله علی النبی (ص)، و هو حاک عن ممنوعیه النظر الی الاجنبی من المراه الاجنبیه و ذلک ما اراد المستدل اثباته.
و فيه:
قد أورد علیه ایرادات من جهة السند والدلالة و العمده منها انها ضعیفة مرسلة، لان المقصود من أحمد بن محمد هو البرقي و هو قد رواها عن النبی(ص) من دون ذکر الواسطه‘ و معلوم لمن له أدنی معرفة برجال الحدیث أن بین البرقی و بین النبی(ص) فصل طویل من الزمن.
البرقي هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي و هو اصله كوفي و اما في أيام طفولته هاجر مع جده خالد من الكوفه الي برق رود قم و سكن بها.
و هو من أصحاب الامام الجواد والهادي(ع) كما ذكره الشيخ في رجاله و غيره.
و هو كما ذكره الشيخ في رجاله ثقة في نفسه و لكن مشكلته أنه يروي عن الضعاف و يعتمد المراسيل.
و يويد ذلك ما قاله ابن الغضائري بشانه حسب نقل العلامة في الخلاصة: طعن عليه القميون و ليس الطعن فيه‘ انما الطعن في من يروي عنه‘ فانه كان لا يبالي عمن ياخذ على طريقة أهل الاخبار‘ و كان أحمد بن عيسى أبعده عن قم‘ ثم اعاده اليها واعتذر اليه‘ و.....لما توفي مشى احمد بن محمد بن عيسي في جناوته حافيا‘ حاسرا ليبريء نفسه مما قذفه به. الخلاصة: القسم الاول‘ الباب 7 من فصل الهمزة رقم7.
و واضح من كان من أصحاب الامامين الجواد و الهادي(ع) و يعيش في الثلث الاول من القرن الثالث اي حدود سنة 200 الي 240 لا يستطيع أن يروي عن النبي(ص) مباشرة و من دون واسطة!
و اما ما یرد علیه السید الخویی بان هذا من فعل النبی و واضح ان فعل النبی لا یدل علی اللزوم، بل يدل علي الجواز فقط‘ فهذا الايراد لا یکون فی محله، و لانستطيع قبوله و التسليم له‘ بل الصحيح أنه محکی قول النبي(ص) ان لم نقل بانه نص قوله.
فكأن رسول الله(ص) يريد من أمره لهما بدخول البيت أن يقول لهما: حرام عليكما النظر الي هذا الرجل‘ فهذا حكاية قول البني لا حكاية فعله‘ و الفعل الذي حكي في الحديث و هو قیام الزوجات و دخولهما البیت کان من فعل زوجات النبی لا فعل النبی.
فعلي اي حال فضلا عن ايراد السيد الخويي علي دلالة الرواية ‘ الاستدلال بها غير تام.
و نظير هذه الرواية رويت من طرق العامة بالنسبة الي أم سلمة و حفصة و في رواية أخري بالنسبة الي أم سلمة و ميمونة من زوجات النبي(ص) و لكن هذه الروايات الثلاثة مضمونها متقاربة.
و اليكم نص رواية أم سلمة
وعن أم سلمة قالت : كنت عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن امر بالحجاب ، فقال : احتجبا ، فقلنا : يا رسول الله ، أليس أعمى لا يبصرنا ؟ قال : أفعميا وان أنتما ؟ ألستما تبصرانه ؟ .
وسائل الشيعة ج 20 ص 232، کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، باب 129 ح4.
الاستدلال بهذا الخبر و الرد علیه و الکلام فیه عین ما قلنا فی خبر البرقی.
و اضفنا الی ذلک اولا: ان هذا الخبر ای خبر أم سلمة و الخبر الاول کلاهما فی مورد زوجات الرسول الاعظم(ص) و یمکن ان یقول احد باحتمال اختصاص هذا الحکم بمورده من باب ان زوجات الرسول من جهه انتسابهم به (ص) تختصون باحکام خاصه من جهه انهم اسوه للناس، فیجب علیهن ان یراقبن مراقبه شدیده فی رعایه ذیهن، لا شمول جمیع المکلفین حتی یمکنک الاستدلال به، و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.
و ثانیا: یمکن لاحد ان یسال فی خبر ابن ام مکترم ، علی ای حال لای شیء امر رسول الله(ص) زوجاته بالخروج عن مجلسه والحال ان سیرة المتشرعه قائمه علی جواز نظر المراة الی الوجه و الکفین من الرجل الاجنبی؟ و هذه السیرة بمرأی و منظر من النبی والأئمة المعصومین (ع) و لا یرد منهم(ع) نهی عن هذه السیره؟
فعلیهذا ان تنزلنا عن الایراد من جهه سند الخبر، فلابد لنا ان نوجه بیانا وافیا فی تحلیل ما قاله النبی(ص) لزوجاته حین دخل علیها ابن ام مکتوم!
و الجواب عن هذا السوال الحقیقی ممکن بما قاله بعض الفقهاء المعاصر کالشیخ ناصر مکارم الشیرازی فی انوار الفقاهه و الیک نص کلامه.
و یمکن الجواب عنه، بأنّ ابن أم مکتوم أو مثله لم یکن مستورا من جمیع الجهات ما عدا الوجه و الکفین، و کثیر من (المسلمين) الأعراب فی الصدر الأول، لم یکن لهم قمیص ظاهرا، و کان لهم ازار فقط، أو شی ء شبیه ثوبی الاحرام، و کان یری شی ء کثیر من صدرهم أو ظهرهم- کما یستفاد من قصه سواده بن قیس أیضا- فلذا امرهن بالاحتجاب عنه، و إلّا کان النظر إلی الوجه و الکفین أمرا متعارفا بینهم. انوار الفقاهه، کتاب النکاح: 1/85.
والمقصود من قصة سوادة بن قيس ما رواه الشيخ الصدوق عن محمد بن
إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن حمدان الصيدلاني، قال: حدثنا محمد
ابن مسلم الواسطي، قال: حدثنا محمد بن هارون، قال: أخبرنا خالد الحذاء، عن
أبي قلابة، عن عبد الله بن زيد الجرمي، عن ابن عباس - رواية مبسوطة - وفيها
أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في مرض موته: ناشدتكم بالله أي رجل
منكم كانت له قبل محمد م ظلمة إلا قام فليقتص منه... فقام رجل يقال له سوادة
ابن قيس، فقال له: فداك أبي وأمي إنك لما أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت
على ناقتك العضباء، وبيدك القضيب الممشوق فرفعت القضيب وأنت تريد
الراحلة فأصاب بطني... فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: تعال فاقتص مني
حتى ترضى. فقال الشيخ: فاكشف لي عن بطنك يا رسول الله، فكشف عن
بطنه، فقال الشيخ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أتأذن لي أن أضع فمي على
بطنك؟ فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله من النار يوم
النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا سوادة بن قيس أتعفو أم تقتص؟
فقال بل أعفو يا رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: اللهم اعف عن سوادة
ابن قيس كما عفا عن رسولك... (الحديث.
الأمالي، المجلس 92، الحديث 6.
وأوردها ابن شهرآشوب في المناقب مرسلة، في الجزء 1، (فصل في وفاته
عليه السلام)
و ان كان هذا الحديث مشتملة علي بعض النقاط و يمكن أن يرد عليه بعض الايرادات و لكن ليس هنا محل البحث عنه فلذلك نتركه و نحوله الى محله و ذكره في كلام الشيخ المكارم فقط لاجل الاستشهاد علي سيرة كشف بعض أعضاء جسد الرجال في عصر النبي الاكرم!
و منها خبر عقاب الاعمال
2 - محمد بن علي بن الحسين في ( عقاب الأعمال ) بسند تقدم في عيادة المريض قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : اشتد غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها ، فإنها إن فعلت ذلك أحبط الله عز وجل كل عمل عملته فان أوطت فراشه غيره كان حقا على الله أن يحرقها بالنار بعد أن يعذبها في قبرها .
وسائل الشيعة ج 20 ص 232، کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، باب 129 ح2 .
کیفیة الاستدلال والرد علیه:
فی الخبر اوعد النبی بشده غضب الله علی امراه نظر الی الاجنبی ، و معلوم ان غضب الله فضلا عن شدته مخصوص بما اذا کان حرام و ممنوع.
و فیه:
اولا: من جهة السند ان فی سنده ای فی سند تقدم فی عیاده مریض و هو الذی اورده الشیخ الحر فی کتاب الطهاره من الوسایل و ابوا ب الاحتضار، ضعف من جهه اشتماله علی عده مجاهیل فی طریقه.
و ثانیا: ان مورد الروایة ذات البعل و الکلام اعم منه ، یعنی ان الذی بصدد اثباته المستدل عام یشمل ذات بعل و غیر ذات بعل، و بالنتیجه ان الدلیل ای الخبر اخص من المدعی و غیر صالح للاستدلال.
و فی الختام نقول: اعلم ان جمیع ما یستدل به من السنه ، هو هذه الاخبار الثلاثه، و ان یمکن ان یقال بان الخبرین ، الاول و الثاني لیسا خبرین بل وقع مکررا و مضمون الکلام واحد.
و ذکر بعض فی مقام الاستدلال علی حرمه النظر بالخبر الذی روی عن فاطمه الزهراء(س) و الیک نص ما روی.
الحسن الطبرسي في ( مكارم الأخلاق ) : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ان فاطمة قالت له في حديث : خير للنساء أن لا يرين الرجال ، ولا يراهن الرجال ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : فاطمة مني .
وسائل الشيعة ج 20 ص 232، کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، باب 129 ح3.
و لکن واضح لمن تامل فیه ان هذا الکلام صدر فی مقام بیان ما هو یتبغی للمراه المومنه فی بلوغها بکمالات المعنویة، لا ما یجب علیها لزوما فی معاشرتها بالرجال و علی هذا ان هذا الخبر خارج عما نحن فیه و غیر صالح للاستدلال.
والحاصل انا و ان فحصنا فی مصادرنا الرواییه و لکن لم نجد حتی روایه واحده من السنه کانت صالحه للاستدلال علی حرمه نظر المراه الی الرجال الاجنبیات حتی الوجه و الکفین، و علیهذا الاستدلال بالسنه علی ذلک غير صحيح و غير تام و لا یکون فی محله.
الثالث: الاستدلال بالاجماع:
اعلم ان الاجماع المدعی ، کما ذکره بعض و استدل به علی تحریم نظر المرأة الی الاجنبی، قد یتصور فی صورتین و یمکن ان یتحقق فی موردین.
منها الاجماع علی اصل تحریم النظر الی الاجنبی، و اخری علی اتحاد الملاک فی تحریم النظر من المراه الی الاجنبی و من الرجل الاجنبی الی الاجنبیه.
اما المورد الاول لم نعثر على احد یحكيه الا صاحب الحدائق و هو أيضا قد يحكى عدم الخلاف لا الاجماع، و الفرق بینهما واضح.
و المورد الثانی ای علی اتحاد الملاک فی المسالتین ای نظر الاجنبی والاجنبیه، کما ادعاه المحقق النراقی فی المستند و صاحب الریاض، فهذا لایرتبط بما نحن فیه و لا یفید لاثبات الحكم، لان الاجماع المصطلح ما کان علی حکم واحد فی موضوع واحد، و لا یشمل اتحاد الملاک فی موضوعین مختلفین مضافا الي ما قلناه في عدم اتحاد الملاك في الجانبين.
و مضافا الی انه لا یمکن لاحد ان یحكي و يقول بالاجماع فیه؛ لان کثیرا من القدماء والمتاخرین لم یتعرضوا لهذه المساله كي یمکن ان یستخرج آراء الفقهاء و یدعی الاجماع فیه، و لا نعلم من ای وجه ادعی البعض الاجماع.
فعلیهذا ادعاء الاجماع غير ممكن، فضلا عن صحته و اعتباره.
فظهر مما ذکرناه من الادلة انه لا دلیل ذو صلاحية من الکتاب والسنه و الاجماع علی تحریم النظر من المراه الاجنبیه الی الاجنبی ، بل الدلیل علی خلافه.
التحقیق فی المساله:
معلوم انه اذا لم نستطع اثبات حرمة نظر الاجنبیة لفقدان الدلیل الصالح، فلا محالة یثبت الجواز لانه مطابق للاصل الاولي و هو الاباحة، و لکن نحب أن نتعرض لادله الجواز و بیان استدلالها.
الاول: ان السیرة المتشرعه المتصله بزمن المعصومین(ع) الی یومنا هذا قائمة علی جواز نظر المراه الاجنبیه الی الوجه والکفین من الاجنبی فی المجتمعات الانسانیه التی يحضرن النساء فیها مع الرجال، و حضورهن محفوف بامور یقتضی رویة الرجال و النظر اليهم و لایعیب ذلک أحد من المسلمین و المتشرعة؛ لا سیما ان هذه السیرة قد کان بمرای و منظر من النبی والائمه المعصومین و لا ینهون عنها .
الثانی: جواز ابداء الرجال الوجه والکفین، اجماعا و ضروره ، و بدلیل وجود نصوص متعدده علی ذلک. و اذا جاز الابداء و الاظهار من الرجل فالنظر من المراه ایضا جائز لوجود الملازمة.
الثالث: جواز ابداء بعض اعضاء الجسد الرجل کالراس و الشعر والعنق و بعض الصدر، و واضح اذا کان هذا الاظهار و الابداء جائز، فالنظر الیها جائز قطعا.
الرابع: الاخبار التی تدل علی استحباب تقصیر الثیاب للرجال و کراهة اسباله حذرا من التشبه بالنساء، و لازم ذلک جواز النظر الی حد ما قصره الرجال من ثیابهم من الید و القدمین و بعض الساق و بعض ما فوق الکف من الید.
و الشیخ الحر العاملي جعل بابا فی کتابه الوسائل و عنونه بعنوان (باب استحباب تقصير الثوب وحد طول القميص وعرضه....) و ذكر فیه أحد عشر حدیثا فی موضوعه.
و الیک نص بعضها:
محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن معمر ابن خلاد ، عن أبي الحسن قال : ثلاث من عرفهن لم يدعهن : جز الشعر ، وتشمير الثوب ، ونكاح الإماء.
محمد بن یعقوب عن عده من اصحابنا ، عن أحمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في الرجل يجر ثوبه ، قال : إني لأكره أن يتشبه بالنساء . وسایل الشیعه: کتاب الصلاه، ابواب احکام الملابس، باب 22.
الخامس: قیام السیره المتشرعة و المسلمین علی أن الرجال یتوضئون من الانهار و غیرها فی الامکنه العامة، بمرأی و منظر من النساء المحارم و غیرها، و لازم ذلک جواز النظر الی ما ظهر من جسد الرجال.
ان قلت: جواز الاظهار و الابداء من الرجال لا یدل علی جواز النظز الیها من المخالف ای النساء، لامکان الامر بغض البصر للمراه و عدم وجوب الستر للرجل.
قلت: ان الملازمه بین جواز لابداء و جواز النظر و ان لم تکن عقلیه، و لکن لايمكن لأحد أن ینکر الملازمة العرفیة الموجوده.
مضافا الی ان الفقهاء باکثرهم یستدلون علی جواز نظر الرجل الی الوجه و الکفین من المراه، بقوله تعالی (الا ما ظهر منها) و لازم هذا الاستدلال وجود الملازمه بین جواز الابداء و جواز النظر.
السادس: اذا قلنا بتحریم النظر من المراه الی الرجل، لزم العسر والحرج فی اعمال المسلمین، و معلوم ان الحرج و العسر منفیان فی الاجکام و الشریعه.
القول المختار والحق فی المساله:
ظهر مما ذکرناه من الاقوال والادله فی المساله ان القول بالحرمه فی نظر المراه الی الوجه والکفین من الرجل لایدل علیه دلیل صالح، بل الدلیل علی خلافه ، یعنی ان القول بالجواز اقوی و اصح و اشهر من غیره، لان الدلیل علیه هو السیرة المتشرعة المتصلة بزمن المعصومین(ع)، و الادله المانعة لا تستطيع مقابلتها، فعلیهذا نختار القول بالجواز فیما بین القولین و نلتزم به و لانلتزم بخلافه، و علیه اکثر من تعرض لها من المتاخرین و المعاصرین.
بقی هنا أمور:
الامر الاول فی بیان الحد فی جواز النظر الی الاجنبی:
الذی یلزم ان نبینه هو تعیین المقدار والحد الذي یحوز للمرأة أن تنظر الی الاجنبی، يعني هل الجواز يختص بالوجه و الكفين أو يشمل غيرهما؟
و لبیانه یلزم ان نتامل فی دلیل القول بالجواز و مقدار دلالته، حتی یمکن لنا ان نعین مقداره.
و واضح کما ذکرناه آنفا ان الدلیل التام علی جواز النظر هو السیرة متشرعه، و من تامل فی بیان السیره ، یتضح له أن السیرة لا تختص بالوجه والکفین فقط! بل تشمل بعض سایر جسد الاجنبی من الراس و الشعر و العنق و ما فوق الکف من الید الی المرفقین ، یعنی الی منتهی مقدار التغسیل فی الوضوء، و القدمین الی قبل الرکبه ، لان الرجال ربما یظهرون هذه الاعضاء فی مرای و منظر المسلمین و لا یمنعه أحد.
فعلیهذا نقول فی مقدار الحد فی جواز النظر بما یمکن ان نستفیده من السیره، و هو ما لایستره الرجال غالبا فی المجامع الانسانیه و فی مرأی و منظر الاجنبیات، و لا یلزم ان نعینه بموارد مشخصه و معینه، بل کل ما لا یستره الرجال غالبا فجائز للمراه النظر الیه بلا تلذذ و ریبه.
و لایذهب علیک ان النظر الی جسد الرجل ینقسم الی ثلاثه اقسام: منها جواز النظر الی جمیع جسده حتی العوره فهو مختص بالزوجه.
و منها جواز النظر الی جسد الرجل غیر العورة و هو مختص بالمحارم، و لکن ذکرنا سابقا فی تعیین مقدار العوره من الرجل، ان ما یحرم علی المحارم و المماثل النظر الی العوره و هی تشمل ما بین السره و الرکبة، ولا تختص بالقبل و الدبر فقط.
و منها النظر الی ما لا یستره الرجال غالبا کالوجه و الکفین و ما لا یستره الرجال غالبا و هو مختص بالاجنبی ، مثل ما نحن فیه.
قال السيد السيستاني:
يحرم على المرأة النظر الى بدن الرجل الاجنبي بتلذذ شهوي أو مع الريبة، بل الاحوط لزوماً ان لا تنظر الى غير ما جرت السيرة على عدم الالتزام بستره كالرأس واليدين والقدمين ونحوها وان كان بلا تلذذ شهوي ولا ريبة، واما نظرها الى هذه المواضع من بدنه من دون ريبة ولا تلذذ شهوي فالظاهر جوازه، وان كان الاحوط تركه أيضاً
الامر الثاني:
كما ذكرنا في اول المسالة أن الامام قال بالاحتياط بترك النظر الي المرأة و حتي الوجه و الكفين!كما في التحرير
و لكني رايت في تقرر بحث الخارج من الفقيه المعاصر السيد موسى شبيري الزنجاني أنه قال في درسه: قد سالت الامام عن فتواه في هذه المسألة و قلت: و ما رأيك في نظر المرأة الي الوجه و الكفين من الرجل؟
فأجابني و قال: أن أقول بالجواز و لكني ما ذكرته و ما أعلنته في تحرير الوسيلة لعدة أسباب و حاليا كلها منتفية.
قلت: فهل تجيزني أن أحكي عنكم الفتي؟ قال: نعم و أنا أكتبه انشا الله.
فعليهذا يمكن القول بتغيير فتوي السيد الامام و اختلافه عما في تحرير الوسيله.
الامر الثالث:
ان النظر من المرأة الاجنبيه الي الاجنبي الذي قلنا بانه لايجوز الا فيما لايسترها الرجال غالبا‘ فهل يشترط فيه أن يكون الرجل مبصرا أو لا؟
قد تعرض لذلك بعض فقهائنا العظام كالمحقق في الشرائع والقواعد و غيرهما و كذلك السيد اليزدي في العروة الوثقي و قالوا بعدم الفرق بين البصيرو الاعمي!
قال السيد اليزدي:
الاعمي كالبصير في حرمة نظر المرأة اليه.
والسيد الحكيم بعد ذكر قول المحقق و غيره قال: و يظهر من كلمات بعض: أنه من المسلمات‘ لعمومات المنع من النظر. مستمسك العروة الوثقي: 1447.
و قال السيد الخويي في شرح بيان السيد اليزدي:
وهو إنما يتم بناء على ما اختاره جماعة من حرمة نظر المرأة إلى الرجل الأجنبي إذ على ذلك لا خصوصية للبصير نظرا إلى أن العبرة بنظر المرأة نفسها لا بنظر الرجل كما هو واضح .
وأما بناء على ما اخترناه من جواز نظرها إلى مثل الرأس ، والوجه ، والرقبة ، واليدين ، والساقين من الرجل لقيام السيرة القطعية على ذلك فلا يختلف الحال بين كون الرجل أعمى ، أو بصيرا أيضا .
وأما مرفوعة أحمد بن أبي عبد الله : ( قال : استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلى الله عليه وآله وعنده عائشة ، وحفصة فقال لهما : قوما فادخلا البيت فقالتا : إنه أعمى فقال : إن لم يركما فإنكما تريانه )
ومرسلة أم سلمة : ( قالت : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وعنده ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد الأمر بالحجاب فقال : احتجبا فقلنا : يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ؟ قال : أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه ) .
فلا تصلحان للاستدلال بهما لضعف سندهما بالرفع في الأولى والارسال في الثانية على أنه لو فرض صحتهما من حيث السند فمن المحتمل قريبا كون الحكم أخلاقيا مختصا بنساء النبي صلى الله عليه وآله فلا تدلان على ثبوت الحكم لمطلق النساء. المباني في شرح العروة المطبوع ضمن الموسوعة: 3279.
أقول: بالنسبة الي هذا الفرع ما قاله الفقهاء و السيد الخويي فصحيح و علي ذلك لا فرق في حكم نظر المرأة الي الاجنبي بين أن يكون الاجنبي بصيرا أو أعمي لان اختلاف بصير و الاعمي في الرجل لا دخل له في حكم نظر المرأة‘ بل انما الاعتبار بنظر المرأة‘ فلذلك كل ما نقول في البصير فنقول به في الأعمى.
الامر الرابع:
هل المراد بالنظر هو النظر من القريب مع التمييز أو يشمل النظر من البعيد والقريب مع التمييز و عدم التمييز؟
ذكرها السيد اليزدي في العروة:
( مسألة 52 ) : هل المحرم من النظر ما يكون على وجه يتميز من التمييز بين الرجل والمرأة وأنه العضو الفلاني أو غيره أو مطلقه ، فلو رأى الأجنبية عن بعيد بحيث لا يمكنه تمييزها وتمييز أعضائها ، أو لا يمكنه تمييز كونها رجلا أو امرأة ، بل أولا يمكنه تمييز كونها انسانا أو حيوانا أو جمادا هل هو حرام أو لا ؟ وجهان : الأحوط الحرمة .
و قال السيد الخويي في شرحها:
وهو إنما يتم بناءا على ما اختاره ( قده ) من كون مستند عدم الجواز هو قوله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) فإن مقتضى اطلاقها ثبوت الحكم سواء أأمكن التمييز أم لم يمكن . وأما بناءا على ما اخترناه من كون المستند قوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن ) فلا يبعد دعوى توقف صدق النظر إلى الزينة ، وابدائها على التمييز إذ لا يصدق النظر إلى ذراع المرأة مثلا إذا لم يمكنه تمييزه . وعليه : فالحكم بالحرمة فيما إذا لم يميز أعضائها فضلا عما إذا لم يمكنه تمييز كونها رجلا أو امرأة ، أو لم يمكنه تمييز كونها انسانا أو جمادا مشكل جدا . نعم لا بأس بالاحتياط بالترك . المباني في شرح العروة المطبوع ضمن الموسوعة: 32105.
الأمر الخامس: نظر الاجنبية الی الاجنبی عبر التلفاز
لاریب فی ان الذی ظهر فی عصورنا المتاخره لا سیما العصورالتی نحن نعیش فیه، النظر الی الصور الخارجیة فی التلفیزیونات، حتي في بعض الدول الاسلامية‘ لان کثیرا ما یشاهدون الناس ، ان الرجال یظهرون فی میادین المسابقات مکشوفا بعض اعضاء جسدهم مزیدا علی ما هو المتعارف بین المسلمین، و لاحد ان یسال هل یجور للمرأة ان تنظر الی الرجال المکشوفين ام لا یجوز؟
و فی مقابلها النظر الی المراه المکشوفه فی التلفیزیون، هل یجوز ام لا؟
و لبیان هذا السوال و الجواب عنه، فلازم لنا ان نرجع الی ما یستفاد م الدلیل فی ممنوعیه النظر و جوازها و هو ان الذی استفدنا من الدلیل ، هو النظر الی جنس المراه و الرجل، لا الی صوره المراه و الرجل، لان الصوره غیر عین المراه و الرجل.
والدليل على ذلك في الجهتين من الحرمة و الجواز يدل علي النظر الي بدن الرجل و المرأة لا الي صورتهما!
الدليل من السنة و سيرة المتشرعة و غيرهما مرتبط بالعين الواقعي لا بالصورة!
حديث ابن أم مكتوم يحكي عن النظر الي الجسد لا الي الصورة.
العسر و الحرج بين الرجال الواقعيين لا الصوريين‘ و كذلك ساير الادلة.
و لاریب فی ان الذی رایناه فی التلفیزیون هو الصوره ، التی یاخذها و بعملیات سریعة ، و یبدلونها بسبب الامواج، و بعدها تنقل الامواج بشکل الصوره الی مرای الناس؛ فعلیهذا ان الذی رآه الناس لیس من الصوره الحقیقة، و الصورة الحقیقیة لا یراها الناس اصلا.
و لکن الصوره ایضا تنقسم الی قسمین: الصوره المباشری والصوره الغیر المباشری.
والتی لاتحرم بنفسها و لیست صورة حقیقیة هي الصورة غیر المباشری، و اما الصورة المباشرة لا یشمله القول بالجواز الا عند قلیل من الفقهاء.
و بالنتیجه نقول: الحق ان النظر الی صورة الاجنبی و الاجنبیة من الجانبین عبر التلفاز اذا لم یکن منشاء للفساد‘ فبنفسه لا یرد علیه شیء، و لا یکون حراما، و أما اذا کان منشاء للفساد فیحرم قطعا، کالنظر الی الافلام المبتذله و والصور المهیجه و المحرکه من الرجال و النساء.
الا اذا كانت الصورة هي الصورة المباشرة فالاحوط ترك النظر اليها لان في نشر هذه الصورة‘ العين موجوده و الصورة حكية عن الصورة الحقيقية التي تنظر اليها و تريها!
و علیه الفتوی من اکثر المعاصرین فراجع.
و اما النظر الی جسد الاجنبی فی میادین المسابقات من جهه حضور الناظر عنده و نظر الیه بعینه من قریب او بعید ان کان المقدار المنظور الیه اکثر مما لا یستره الرجال غالبا فحرام و ان کان بلا ریبه و تلذذو و اما ان کان بمقدار لایستره الرجال غالبا فلا اشکال فیه.
و اما النظر الی حجم العوره من الرجال الاجنبی فی میادین المسابقات فقدمناه من قبل فی بیان الحد الحرام من العوره فلا نعیده.