المسألة 18:
لا إشكال في عدم جواز نظر الرجل إلى ما عدا الوجه و الكفين من المرأة الأجنبية من شعرها و سائر جسدها، سواء كان فيه تلذّذ و ريبة أم لا، و كذا الوجه و الكفّان إذا كان بتلذّذ و ريبة، و أمّا بدونها ففيه قولان بل أقوال: الجواز مطلقاً، و عدمه مطلقاً، و التفصيل بين نظرة واحدة فالأوّل، و تكرار النظر فالثاني، و أحوط الأقوال أوسطها .
لاریب فی ان هذه المساله تنقسم الی ثلاثه فروع و هی:
الاول: حکم نظر الاجنبی الی ما عدا الوجه والکفین من الاجنبیه.
الثانی: حکم نظر الرجل الی الوجه والکفین من الاجنبیه مع التلذذ والریبه.
الثالث: حکم نظر الرجل الی الوجه والکفین من الاجنبیه بدون التلذذ والریبه.
و شمول هذه المسالة للفروع الثلاثة المذکورة غیر قابل للانکار و لکن اثبات کل واحد منها یحتاج الی دلیله الخاص و سنبحث عنه بالتفصيل.
اما الفرع الاول الذي صرح سيدنا الامام بعدم جوازه بلا اشكال‘ فهو ثابت بلاخلاف أجده فیه، و یدل علی عدم الخلاف‘ الاجماع المحكي عن صاحب الجواهر والمسالک والمستند والمستمسک و غیرها بل الضروره تدل علی ثبوته.
و اليكم بعض تصريحات الفقهاء في ذلك:
قال صاحب الجواهر: و لا ینظر الی جسد الاجنبیة و محاسنها اصلا الا لضرورة اجماعا، بل ضرورة من المذهب و الدین. جواهر الکلام: 30/130.
قال الشهید الثاني فی المسالک:
تحريم نظر الرجل إلى الأجنبية فيما عدا الوجه والكفين موضع وفاق بين المسلمين ولا فرق فيه بين التلذذ وعدمه ، ولا بين خوف الفتنة وعدمه.
وأما الوجه والكفان فإن كان في نظرهما أحد الأمرين حرم أيضا اجماعا، وإلا ففي الجواز أقوال: أحدها : الجواز مطلقا على كراهية، اختاره الشيخ رحمه الله .....
والثاني: التحريم مطلقا ، اختاره العلامة في التذكرة......
والقول الثالث : جواز النظر إلى الوجه والكفين على كراهة مرة لا أزيد ، وهو
الذي اختاره المصنف والعلامة في أكثر كتبه..... مسالك الافهام: 746.
قال المحقق السبزواري في کفاية الفقه: لا أعلم خلافاً في تحريم النظر إلي المرأة الأجنبيه فيما عدالوجه والكفين من غير ضرورة.
قال الفاضل الهندی فی کشف اللّثام: ولايحل له النظر الى غير الوجه والكفين من الأجنبية بالاتفاق والنّص الاّ الضرورة. كشف اللثام: 725 كتاب النكاح الباب الرابع.
فظهر من ذكر الاقوال ان المسالة ان لم تكن اجماعيا فلا اقل من أن تكون موضع وفاق و عدم الخلاف بين الامامية و اما من جه أن صاحب الجواهر قال: بل ضرورة من المذهب و الدين و كذلك الشهيد في المسالك قال: موضع وفاق بين المسلمين ‘ فيمكن القول بأن المسالة موضع وفاق بين المسلمين ‘ يعني أن العامة أيضا على هذا الرأي و النظر فلذلك ينبغي أن نلتفت الى أقوال العامة في ذلك!
يظهر من نقل ابن قدامه في المغني ان اصل المسالة و أقواله الثلاثة بعينها موجودة بين العامة.
قال ابن قدامه:
(فصل) فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فإنه محرم إلى جميعها في ظاهر كلام احمد قال أحمد: لا يأكل مع مطلقته هو أجنبي لا يحل له أن ينظر إليها كيف يأكل معها ينظر إلى كفها لا يحل له ذلك.
وقال القاضي يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين لأنه عورة ، ويباح له النظر إليها مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر لغير شهوة وهذا مذهب الشافعي لقول الله تعالى ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) قال ابن عباس الوجه والكفين. المغني لعبد الله بن قدامه ج 7 ص 460.
فظهر ان المسالة من حيث الاقوال و الآراء عند العامة كنفس المساله عند الخاصة في اصلها و فروعها الثلاثة من الاتفاق والاختلاف و لا فرق في ذلك.
اما الادلة:
استدلوا علیه بالادلة المتنوعة منها الاستدلال بالکتاب بقوله تعالی في سورة النور:
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَرِهِمْ وَ يَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَ لِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ بِمَا يَصْنَعُونَ )النور:30/24)
وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَ تِهِنَّ أَوْ نِسَآئهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُنَّ أَوِ التَّبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَ تِ النِّسَآءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )النور:31/24)
و و جه الاستدلال بها مبتن علی مقدمات و ضمائم و هی:
الاولی:
ان المراد من الزینة التی کانت فی الآیة هی مواضع الزینة، لا نفس الزینة، و هذه المقدمة مما لا مفر منها في مقام الاستدل‘ لانا اذا لم نقل بها لا يمكن الاستدلال بها ابدا.
و الحمدلله هذه المقدمة ثابتة فی الآیه بما ان من الواضح ان لا خصوصیة لنفس الزینه حتی یجب الغض عنها، بل هي مقدمه للتحفظ و صيانة بدن المرأة عن النظر‘ فلذلك ان المراد من لايبدين زينتهن يعني لايبدين مواضع زينتهن!
هذا بالنسبة الى نفس الآية و بملاحظتها في حد نفسها و مع قطع النظر الي النصوص الواردة في تفسير الآية‘ و أما بملاحظة النصوص فيمكن القول بأنه ورد فی النصوص المتعددة والمصرحة بأن المراد منها هی موضع الزینة لا نفس الزینه و الیک بعض نصوصها:
عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الذِّرَاعَيْنِ مِنَ الْمَرْأَةِ أَ هُمَا مِنَ الزِّينَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ قَالَ نَعَمْ وَ مَا دُونَ الْخِمَارِ مِنَ الزِّينَةِ وَ مَا دُونَ السِّوَارَيْنِ . الکافی: 5/520 باب ما یحل النظر الیه من المراه. ح1.
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ اسْتَقْبَلَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ امْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ وَ كَانَ النِّسَاءُ يَتَقَنَّعْنَ خَلْفَ آذَانِهِنَّ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَ هِيَ مُقْبِلَةٌ فَلَمَّا جَازَتْ نَظَرَ إِلَيْهَا وَ دَخَلَ فِي زُقَاقٍ قَدْ سَمَّاهُ بِبَنِي فُلَانٍ فَجَعَلَ يَنْظُرُ خَلْفَهَا وَ اعْتَرَضَ وَجْهَهُ عَظْمٌ فِي الْحَائِطِ أَوْ زُجَاجَةٌ فَشَقَّ وَجْهَهُ فَلَمَّا مَضَتِ الْمَرْأَةُ نَظَرَ فَإِذَا الدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى صَدْرِهِ وَ ثَوْبِهِ فَقَالَ والله لآتین رسول الله و لاخبرنه ، فاتاه فلما رآه رسول الله قال: ما هذا؟ فاخبره فهبط جبرائیل بِهَذِهِ الْآيَةِ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ. الکافی: 5/520 باب ما یحل النظر الیه من المراه. ح5.
و بعض فقهاء الامامة قد تمسكوا في تعيين المراد من الآية بعدة من الروايات تبلغ ثمانية كالشيخ مكارم الشيرازي في كتابه أنوار الفقاهة‘ كتاب النكاح‘ الجزء الاول‘ ص 63.
فهذه المقدمة ثابتة في نفس الآية و بقرينة الروايات المفسرة!
الثانیة: ان الاستدلال بالآیه مبتن علی ان المراد من الغض هو وجوب حفظ النظر و لازمه تستر جسد المراه عنه.
و فیه اولا: ان الغض فی اللغه بمعنی النقص فی النظر لا السد عن النظر، و لا ترك النظر و کذلک فی الصوت ای النقص فی الصوت لا الکف عن الصوت.
و یویده قوله تعالی فی سوره الحجرات: َیأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرْفَعُواْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَ لَا تَجْهَرُواْ لَهُو بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَلُكُمْ وَ أَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ )الحجرات:2/49)
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَ تَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَل-ِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ )الحجرات:3/49)
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَ تِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ )الحجرات:4/49)
وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )الحجرات:5/49)
و واضح ان هذه الآیات لیست فی مقام سد اللسان عن الکلام بل فی مقام النقص عن الکلام الرفیع فی حضره الرسول الاعظم،
و قوله تعالی فی سوره لقمان: وَ اقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ )لقمان:19/31).
فبان و ظهر أن الغض عن النظر غیر ترک النظر و الاستدلال بالغض علی حرمة النظر ، لا تخلوا من اشکال.
أللهم الا أن یقال ان اختصاص المراد من الغض بحرمة النظر ثابت بالاجماع، و فی صورة تحصیل الاجماع لا یمکن المخالفة من أحد.
و ثانیا: فی متعلق الغض ایضا احتمالات: یعنی ما هو المراد مما یتعلق به الغض عن النظر فیه احتمالات؟
الاول: یحتمل ان المراد منه هو عوره المماثل او عوره المخالف فقط.
الثانی: ان المراد منه یحتمل ان یکون هو الصنف المخالف.
والثالث: انه المرکب منهما ای عوره المماثل و نفس المخالف.
الرابع: یحتمل انه کل شی یقع النظر الیه.
الخامس: کل ما حرم الله النظر الیه.
و لکن فی الاخیر من هذه الاحتمالات ، تشمل جمیع موارد یحکم العقل بقبحها کالنظر الی داخل دار غیر بدون اذنه، ومکتوب غیر بغیر اذنه و غیر ذلک و بذلک یستلزم ان نحمل الامر بالغض علی أوامر ارشادیه و هو خلاف الفرض، . و بعض الفروض الاحتمالیه قبل الاخیر ای الفرض الرابع یستلزم تخصیص الاکثر و هو مستهجن قطعا.
و فی النهایه يبقی احتمال ثالث الذی یشمل بنفسه الاول والثانی، و هو العوره فی المماثل و نفس المخالف.
والاول ای حرمه النظر الی العوره ثابت بما اوردناه فی السابق فی حرمه النظر الی فرج المومن، و الثانی ای حرمه النظر الی نفس المخالف ثابت بما اوردناه آنفا مما رواه سعد الاسکاف فی شاب نظر الی امراه فی المدینه.
و علی هذا اذا استطعنا أن نقول ببقاء الغض في معناه الحقيقي فالاستدلال بالآية غير صحيح و اما اذا لم نقل ببقاء لفظ الغض في معناه الحقیقی بل قلنا بالتصرف في معناه و مثلا بمعنی التغمیض لا بمعنی الغض و فيمكن الاستدلال بهذه الآیه علی حرمه النظر الی الاجنبیه.
الثالثة: الاستدلال بالآية مبتن على القول بالملازمة بين اظهار الزينة و جواز النظر.
و الانصاف يقتضي القول بوجود الملازمة عرفا و ان يمكن تصور مورد الخلاف في ذلك في الفقه الاماميةإ كما قال بعدم الملازمة السيد الخويي و دليله وجود النقض في المسالة و هو أن دماعة من الفقهاء قالوا بحركة نظر المرأة الي الرجل و الحال أنه لايجب عليه التستر.
الاستدلال بالآية الثانية من الكتاب علي الفرع الاول:
استدل بعض الفقهاء المعاصرین کالشیخ المظاهری الذی کان زعیما للحوزه العلمیه باصفهان علی حرمة جواز النظر الی جسد الأجنبیة عدا الوجه والکفین بآیه الاستیذان.
يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَاذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَنُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَثَ مَرَّ تٍ مِّن قَبْلِ صَلَوةِ الْفَجْرِ وَ حِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَ مِنم بَعْدِ صَلَوةِ الْعِشَآءِ ثَلَثُ عَوْرَ تٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحُ بَعْدَهُنَّ طَوَّ فُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَ لِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْأَيَتِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . نور:58/24.
کیفیه الاستدلال بالآية:
اما كيفية الاستدلال أن الملازمة الموجودة بین الاستیذان حین الدخول الی بیوت المحارم والوالدين و عدم جواز النظر الی جسدها تحکم بأن الأجنبي أحق أن لا ینظر الی الاجنبیه.
علی أن الاستیذان لا خصوصیة لها ، بل انها مقدمة لحفظ النظر الی جسد المدخولین ، لان المدخولین فی الاوقات المذکوره یضعون ثیابهم و یستریحون بلباس اقل مما یتلبسون فی الخارج، فالنظر الی الاجنبیه لا یجوز بطریق الاولویه قطعا.
فعليهذا أن الاستدلال بالآية يتشكل من الأمرين: 1 - وجود الملازمة بين الاستيذان و عدم جواز النظر. 2 - الاولوية في المنع في نظر الاجنبي بالنسبة الي المحارم و الوالدين.
هذا الذي نقلت هنا تمام الاستدلال بالآية الشريفة.
و لكن فیه ایرادات عديدة غیر قابله للذب عنها، لان الاستدلال بالآیه لا یناسب المقام و لا یلائم مع الاصول الفقهیه المسلمه.
الاول: لا نسلم أن الاسیذان المامور به الآیة کان أمرا مولویا تکلیفیا، لأن المامورین بالاستیذان هم الاطفال الذین لم یبلغوا الحلم ، والمعلوم المسلم انهم لیسوا مکلفین بتکلیف حتی نقول بحرمة عملهم.
یعنی ان من لا یکون بالغا شرعیا اذا فعل فعلا حراما فهل یکون عاصیا مستحقا للعقاب؟ لا نعلم فقیها افتی بذلک بعد!
ان قلت: ان هذه و ان کانت قاعدة مسلمه فقهیه ، لکن یمکن ان یخصص فی موارد خاصه و منها ما نحن فیه؟
قلت: نعم‘ لسنا منکرین بما تقول، لکن تخصیص هذه القاعدة مشکل جدا و یجتاج الی دلیل متقن معلوم، و هذا التخصیص قد وقع فی الاحکام الوضعیه، و اما فی الاحکام التکلیفیه لا یثبت لنا هذا!
یعنی ان الطفل غیر البالغ اذا احدث فی مال الغیر فهو له ضامن بلا شک و لکن اداوءه منوط ببلوغه، و هذا حکم وضعی و لکن لا یقول احد بانه مکلف تکلیفا بحکم ، لان الاحکام کلها منوط بالبلوغ.
و كلك بالنسبة الي أداء الحقوق الشرعية كالخمس في أموال الطفل غير البالغ.
و ثانیا: ان دخول الاطفال الذین لم یبلغوا الحلم منوط بالاستیذان، و لکن اذا کانوا مع المدخولین متحدين في الجنس ذکورا و اناثا، فهل یسقط الاستیذان ام لا؟ یعنی اذا کان الداخل والمدخول متحدان فی الجنس فهل ینبغی الاستیذان ام یسقط؟
ان الآیه تشمل باطلاقها المورد و یحکم بانه لا یسقط! والحال ان نظر الرجل الی جسد مثله ما دون العوره او ما بین السره والرکبه لايكون حراما عند جمیع الفقهاء و کذلک نظر المراه الی جسد المراه.
و ثالثا: لو سلمنا ان الآیه فی مقام بیان الحکم التکلیفی للاطفال و غیر البالغین، و انه حرام علیهم الدخول بغیر الاستیذان فی الاقات الثلاثه، ای قبل صلاه الفجر و عند الظهیره و بعد صلاه العشاء، فهل یکون فی الآیه انه یجب علی المدخول التستر بجمیع البدن ام لا؟
یعنی ان الاطفال لو استاذنوا للدخول و اراد المدخولین ان یجیبوا لهم بالدخول ، فهل یجب علیهم التستر ام یکفی الاستیذان من الداخلین فقط؟ لاریب ان ما یستفاد من الآیه هو الاستیذان فقط، و لا ازید منه شیء.
والحال ان المستدل اراد ان یفتی بها علی حرمه النظر و وجوب التستر ! و الآیه قاصرة عن اثبات ما یدعیه.
رابعا: لو سلمنا ان المستفاد من الآیه هو وجوب التستر من المدخولین بعد الاستیذان من الداخلین، نقول ان في الآیه تختص الحکم بالاطفال الذین لم یبلغوا الحلم، و لکن اذا کانوا بالغین و ارادوا ان یدخلوا علی المدخولین، فهل یسقط الاستیذان ام یجب علی کل احد و لا فرق بین البالغین و غیر البالغین؟
و من الواضح ان لا فرق بین البالغ و غیر البالغ، والاستیذان لازم علی کل احد یرید الدخول علی والدیه حین الاوقات الثلاثه کما صرح به فی الآیه اللاحقه.
والذی صرح به فی ذیل الآیه ان بعد هذه الاوقات لا جناح علیهن، یعنی لایجب الاستیذان ، و الحال فی الفقه لا یختص الحکم ای التستر بهذه الاوقات الاخاصه!
و خامسا: لو سلمنا بتکلیفیه الحکم و وجوب الاستیذان تکلیفا، و و جوب التستر من الدخول، فهل للبیت المدخول فیه او للاوقات الثلاثه خصوصیه و لا تکون فی غیرها، یعنی یجب التستر فی البیت و فی الاوقات الثلاثه و اما اذا کانوا فی الدار بحیث لا یتصور الداخل والمدخول فهل لا یجب التستر ؟ ام یجب فی کل موقع و من کل زمان؟ و واضح ان وجوب التستر لا یتخص بمورد دون مورد آخر، فالآیه اخص من المدعی.
و هذه الاشکالات غیر قابله للذب عنها ، و لابد للمستدل التسلیم فی مقابلها، و ظهر بذلک ان الامر بالاستیذان امر ارشادی الی ما یحکم به العقل، و لیس مولویا و لا حکما شرعیا تاسیسیا، بل الارشاد الی ما یفهمه العقل و یحکم بان من اراد الدخول فی مکان و علی احد یلزم ان یستاذنه من المدخول، و الحکم شرع للتحفط والصيانة على حریم خاص للوالدین، الذی لا یجوز للولد ان یقربه الا بالاذن.
و التحقیق: الحق ان الاستدلال بها غیر تام، لان الآیه فی مقام بیان ادب من الآداب الاسلامیه فی التعایش بین الاسره ، یعنی ان الشارع بین آدابا لحفظ نظام الاسره و سلامه التعایش بین اعضائها بلزوم رعایه الاخلاق فیما حدث بین ضغیر الاعضاء و الکبیر منهم، یعنی ان اعضاء الذین لم یبلغو الحلم ای الممیزین غیر البالغین اذا ارادو ان یحضروا فی بیوت آبائهم حین المواقع الخاصه التی يصيران فی حالة خاصة بهما ا ی یکونان فی راحة من الحجاب ، او تحت لحاف ، او یستریح من دون ان یتلبس بلباس الخارج، یستاذنون قبل الدخول علیهما ، و هذا رعایه الادب من الاولاد للوالدین، و لا ینبغی ان نجعلها دلیلا لحرمه النظر الی الاجنبیه بالفحوی و الاولویه ببیان اذا کان النظر الی بعض اعضاء الجسد المحارم کالاب والام غیر جائز فبالالویه لایجوز النظر الی الاجنبیه عدا الوجه والکفین.
و علی هذا و بالنتیجه الاستدلال بهذه الآیه علی حرمه النظر الی الاجنبیه غیر تام.
الاستدلال بالسنه:
بعد أن تحدثنا عن الاستدلال بالكتاب و قلنا أن الاستدلال بآية غض البصر مع اثبات المقدمات مقبول و قلنا أن الاستدلال بآية الاستيذان غير مقبول‘ فلننتقل الى الاستدلال بالسنة.
الفقهاء ذكروا في مقام الاستدلال بالسنة علی حرمه النظر الی الاجنبیه عدا الوجه والکفين‘ طوائف عديدة من الاخبار، بعضها صریحة و بعضها غیر صریحة و لکن یمکن الاستدلال بمفهومها‘ و انشاالله سنتعرض للجميع ‘ اما بصراحة في بعض و باشاره في بعض آخر.
الاول: خبر زید الشحام .
محمد بن الحسن َ عَنْ سعد بن عبدالله عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَ هِيَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ مَعَهُمْ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا؟
قَالَ (ع): إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ لَهَا زَوْجٌ وَ لَا (ذُو رَحِمٍ) دَفَنُوهَا بِثِيَابِهَا وَ لَا يُغَسِّلُونَهَا وَ إِنْ كَانَ مَعَهُمْ زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ لَهَا فَلْيُغَسِّلْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَوْرَتِهَا.
قَالَ: وَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ فِي السَّفَرِ مَعَ نِسَاءٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ؟
فَقَالَ (ع): إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِنَّ امْرَأَةٌ فَلْيُدْفَنْ فِي ثِيَابِهِ وَ لَا يُغَسَّلْ وَ إِنْ كَانَ لَهُ فِيهِنَّ امْرَأَةٌ فَلْيُغَسَّلْ فِي قَمِيصٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْظُرَ ِلَى عَوْرَتِهِ . الوسائل: كتاب الطهارة‘ ابواب غسل الميت‘ الباب 20 ح 7.
هذا الحديث يدل على عدم جواز النظر الي جسد الاجنبيه و حتى بعد وفاتها.
الثانی: موثقة سماعة.
محمد بن الحسن َ عَنْ سعد بن عبدالله عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَ لَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا نِسَاءٌ ؟
قَالَ(ع): تُغَسِّلُهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَ تَصُبُّ النِّسَاءُ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَ لَا تَخْلَعُ ثَوْبَهُ وَ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةٌ مَاتَتْ مَعَ رِجَالٍ لَيْسَ مَعَهَا امْرَأَةٌ وَ لَا مَحْرَمٌ لَهَا فَلْتُدْفَنْ كَمَا هِيَ فِي ثِيَابِهَا وَ إِنْ كَانَ مَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ لَهَا غَسَّلَهَا مِنْ فَوْقِ ثِيَابِهَا
وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ مِثْلَهُ . كتاب الطهارة‘ ابواب غسل الميت‘ الباب 20 ح 9.
ان قلت: ان هذا الخبر والذی كان قبله مرتبط بتغسیل الموتی و معلوم ان غسل المیت يستلزم مس الميت، و لعل المنع عن غسل الاجنبی غیر المماثل، لمنع مس الاجنبی الاجنبیه، لا لحرمه النظر؟
قلنا: نعم‘ هاتان الروايتان تختصان بمورد یلزم من الغسل المس، و لکن یرتفع الاشکال بوجود اتحاد الحكم بین النظر ومس الجسد، حیث کل ما یحکم بمنع النظر اليه فقد یحکم بمنع المس.
الثالث: خبر محمد بن سنان.
وَ فِي الْعِلَلِ وَ عُيُونِ الْأَخْبَارِ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الرِّضَا ع فِيمَا كَتَبَهُ إِلَيْهِ مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ وَ حُرِّمَ النَّظَرُ إِلَى شُعُورِ النِّسَاءِ الْمَحْجُوبَاتِ بِالْأَزْوَاجِ وَ إِلَى غَيْرِهِنَّ مِنَ النِّسَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَهْيِيجِ الرِّجَالِ وَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ التَّهْيِيجُ مِنَ الْفَسَادِ وَ الدُّخُولِ فِيمَا لَا يَحِلُّ وَ لَا يَجْمُلُ وَ كَذَلِكَ مَا أَشْبَهَ الشُّعُورَ إِلَّا الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ أَيْ غَيْرَ الْجِلْبَابِ فَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى شُعُورِ مِثْلِهِنَّ . الوسائل: كتاب النكاح‘ أبواب مقدمات النكاح‘ الباب 104 ح 12.
الرابع: خبر عقاب الاعمال.
فِي عِقَابِ الْأَعْمَالِ بِإِسْنَادٍ تَقَدَّمَ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ (في كتاب الوسائل: ابواب الاحتضار‘ الباب 10 ح 9) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ: مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ جَارِهِ فَنَظَرَ إِلَى عَوْرَةِ رَجُلٍ أَوْ شَعْرِ امْرَأَةٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ مَعَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَتَّبَّعُونَ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ فِي الدُّنْيَا وَ لَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَفْضَحَهُ اللَّهُ وَ يُبْدِي لِلنَّاسِ عَوْرَتَهُ فِي الْآخِرَةِ.
وَ مَنْ مَلَأَ عَيْنَيْهِ مِنِ امْرَأَةٍ حَرَاماً حَشَاهُمَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَسَامِيرَ مِنْ نَارٍ وَ حَشَاهُمَا نَاراً حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ. الوسائل: كتاب النكاح‘ أبواب مقدمات النكاح‘ الباب 104 ح 16.
الخامس: مرسلة ابن ابی نجران
وَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَمَّادٍ وَ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَا مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَ هُوَ يُصِيبُ حَظّاً مِنَ الزِّنَا فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَ زِنَا الْفَمِ الْقُبْلَةُ وَ زِنَا الْيَدَيْنِ اللَّمْسُ صَدَّقَ الْفَرْجُ ذَلِكَ أَمْ كَذَّبَ . وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، باب 104 ح 2.
لا ریب فی ان المقصود من تشبیه النظر فی الخبر بالزنا الموصوف بالحرام، هو النظر المحرم و المتقین منه هو نظر الأجنبي الی الأجنبیة و هو الذي نحن بصدده.
و بعد الاستدلال بهذه الروايات التي ذكرتها بعينها في هذا المجال فينبغي أن نشير الي بعض الطوائف من الروايات التي مرتبطة بسائر أبواب الفقه و لكن يمكن الاستدلال بمفهمومها لهذه الباب و هذه المسألة! و هكذا استدل السيد الخويي في كتابه.
الاولی:
الأخبار الدالة على حرمة النظر إلى وجه المرأة ، ويديها ...فإنها تدل بالأولوية القطعية على حرمة النظر إلى غيرهما من أعضائها.
الثانیة: الروايات الدالة على جواز النظر إلى شعر المرأة وساقها لمن يريد التزويج منها ، أو يريد شراء الأمة فإن اختصاص الحكم فيها بمريد التزويج والشراء يدل بوضوح على الحرمة إذا لم يكن الرجل بصدد الزواج منها ، أو شرائها .
الثالثة: معتبرة السكوني الدالة على جواز النظر إلى نساء أهل الكتاب معللة ذلك بأنهن لا حرمة لهن ، فإنها تدل على حرمة النظر إلى المسلمة نظرا إلى كونها محترمة من حيث العرض .
الرابع: النصوص الدالة على جواز النظر إلى نساء أهل البادية باعتبار أنهن لا ينتهين إذا نهين فإن التعليل يكشف عن حرمة النظر إلى المرأة بحد ذاته و ان الحکم بالجواز فی اهل البادیه انما ثبت نتیجة الغائهن لحرمه أنفسهن وإلا فالحكم الأولي فيهن أيضا هو عدم الجواز.
هذه اربع طوائف مما أوردها السید الخویی للاستدلال علی حرمة نظر الرجل الی المرأة الأجنبیة، مع ما اوردناه أولا وهي الروايات الدالة صريحة علی الحرمة، و مع هذا البیان لا یبقی مجال للشک و التردید فی اثبات المسالة ای حرمة النظر الی الاجنبیة، فللمسالة مضافا الی الاجماع المنقول الذی ادعاه غیر واحد ، ادلة من الکتاب والسنة و اوردناها بقدر الکفایه.المباني في شرح العروة المطبوع ضمن الموسوعة: 3236.
موعظة أخلاقية:(يوم الاربعاء)
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد ابن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : عالم ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد . الكافي ج 1 ص 33 ح 8.
ان هذا الحديث يحتوي على مباحث متعددة:
منها : فضل العلم.
منها: فضل العالم.
منها: الانتفاع بالعلم.
و هناك بعض الاسئلة يخطر ببال الانسان.
الاول: ما المقصود من العلم؟
الثاني: ما المقصود من العالم في الحديث؟
الثالث: هل هذه الصفة (ينتفع بعلمه) هي صفة الايجاد او صفة الكمال؟
الرابع: هل فضل العالم علي العابد لاجل الانتفاع أو لا؟ يعني حتي اذا ينتفع العابد بعبادته ففي هذه الصورة أيضا العالم أفضل أو لا؟
الخامس: فما طريق الانتفاع بالعلم؟ و ما علامة سالك هذا الطريق؟
في مقام الجواب:
اولا: ليس المقصود من العلم ‘ المصطلحات العلمية فقط؟ لان العلم ليس بالتعلم بل حسب ما ورد في الروايات: العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء.
ثانيا: من الواضح ليس المقصود من العالم من جمع العلوم و الفنون بل العالم من اتصف بأوصاف عددية.
مثلا:
انما يخشى الله من عباده العلماء.
العالم الذي اذا نظرت اليه ذكرك الآخرة.
العلماء أطهر الناس أخلاقا و أقلهم في المطامع أعراقا. (الامام علي)
العالم من عرف قدره.
من دلائل العالم انتقاده لحديثه و علمه بحقائق فنون النظر. (الامام الحسين ع)
و ثالثا: حسب ما أوردنا في ثانيا ان الصفة في الحقيقة صفة ايجاد و ليس صفة كمال‘ لان من لا ينتفع بعلمه لا يطلق عليه اسم العالم ابدا.
و رابعا: ان العابد أيضا ينتفع بعبادته و لكن الانتفاع لنفسه فقط و أما العالم اذا يتنفع بعلمه ففي الحيقية ينتفع لنفسه و لغيره و للجتمع الانساني فلذلك العالم في صورة انتفاع العابد أيضا أفضل.
و خامسا: ليس للانتفاع بالعلم طريقا واحدا فقط بل له طرق متعددة و متوعة.
منها طرق الانتفاع لنفس العالم و منها طرق الانتفاع للمجتمع الانساني.
أنَّ أهل العلم لا يري لنفسه حالاً ولا مقامًا.
ان العالم الحقيقي يكره بقلبه المدح و التزكية من الناس!
ان العالم الحقيقي ليس من أهل التكبر على أحد بل من أهل التواضع.
ان العالم ليس في قلبه حسد ولا سخرية.
ان العالم من أهل الخشية من الله، والانكسار والذل.
ان العالم الحقيقي من أهل عبادة الله عزوجل في الليل و النهار و من أهل النوافل.
ان العالم الحقيقي يبتعد بنفسه عن الدنيا والرِّئاسة والشهرة.
ان العالم الحقيقي لا يَدَّعِي العلمَ، ولا يفخر به على أحد، ولا ينسب غيره إلى الجهل.
ليس العالم من أهل الإساءة‘ بل من أهل حسن الظن ببالله و بالعلماء و بالخلق المومن.
فلذلك ينبغي لنا أن نتعرف على أنفسنا من جديد و ينبغي أن نهتم بمحاسبة النفس قبل محاسبة الله تعالى.
و ينبغي أن نسأل أنفسنا هل انتفعنا من العلم الذي تعلمنا في الحوزة أو لا؟
هل انتفعنا من العلم الاخلاق؟ هل انتفعنا من العلم الخشية؟ هل انتفعنا من العلم العبادة؟ هل اتنفعنا من العلم التكريم للخلق والسلام عليهم و قضاء حوائجهم؟
ففي حديث جابرٍ أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقول: اللهم إنِّي أسالك علمًا نافعًا، وأعوذ بك من علمٍ لا ينفع).
الفرع الثانی: حکم نظر الرجل الی الوجه والکفین من الاجنبیه مع التلذذ والریبه.
ولاریب فی ان حکم هذا الفرع من المساله هو نفس الحکم في النظر الی المماثل والمحارم مع التلذذ، يعني ان النظر الى الاجنبية و المحارم و المماثل کلها اذا كان مع التلذذ والريبة فحكمه واحد، یعنی ان النظر الی المخالف والموافق والمحرم و الاجنبیه مع التلذذ والریبه کلها حرام محرم.
لان الریبه و التلذذ هما ملاکان فی حرمه النظر الی الوجه فی جمیع الموارد و لا اختصاص بمورد النظر الی الاجنبیه فقط، و لانجد فیه مخالفا.
قال الشیخ المفید فی المقنعه:
و لا یحل له النظر الی وجه امرأه لیست له بمحرم لیتلذذ بذلک دون ان یراها للعقد علیها و لا یجوز له ایضا النظر الی أمة لایملکها ليتلذذ برؤیتها من غیر عزم علی ذلک لابتیاعها.
ولا بأس بالنظر الی وجوه نساء اهل الکتاب و شعورهن لأنهن بمنزله الاماء و لایجوز النظر الی ذلک منهن لریبه؛ المقنعه، ص 521.
قال الشیخ الطوسی فی النهایه:
والنظر الی نساء اهل الکتاب و شعورهن لابأس به لانهن بمنزله الاماء اذا لم یکن النظر لریبه او تلذذ فاما اذ کان کذالک فلایجوز النظر الیهن علی حال. النهایه ص 484.
و اضاف المحقق علی ما ذکره الشیخ الطوسی فی النهایه:
و یجوز ان ینظر الرجل الی مثله ما خلا عورته... مالم یکن النظر لریبه و تلذذ و کذ المرأه. شرایع الاسلام، ج2، ص 495.
تحقیق فی معنی الریبه والتلذذ
السوال الذی یخطر ببال الانسان فی مقابلته و مواجهته لهذه المساله هو عن معنی الریبه و المقصود من التلذذ، یعنی لأحد أن یسال بانه ما هو المراد من لفظ الریبه و التلذذ فی النظر؟ و كيف تتحقق؟
فی جواب هذا السوال نقول: ان الریبة في اللغة لها معان کثیرة لا نحتاج الی التعرض وبيانها فیما نحن فیه، لکن الفقهاء استفادوا مما کان فی مصادر اللغه و ما ورد فی مصادر الاستنباط من الکتاب والسنه ما هو حاصله:
قال السید الحکیم فی المستمسک: ان الریبة مفسرة فی کلامهم(ای الفقهاء) باحدى الأمور التالية:
1 - خوف الوقوع فی الحرام.
2 - ما یخطر فی البال عند النظر من المیل الی الوقوع فی الحرام من المنظور الیه من تقبیل و نحوه.
3 - خوف الافتتان.
و یظهر من کلماتهم حرمة النظر في جمیع ذلک ، و ان العمدة فیه الاجماع وارتکاز المتشرعة، و کذا النظر مع التلذذ. مستمسک العروه الوثقی: 14/29.
یظهر مما ذکره السید الحکیم تبعا لبعض الفقهاء ان الریبة حالة خاصة تحصل للانسان بمواجهة النظر ، قد یحصل له الخوف من الوقوع الی الحرام مرة و قد یحصل فی باله المیل الی الحرام ثانیا و قد یحصل له خوف الافتتان.
مقامان من البحث
ان الفقهاء قالوا فی جمیع الموارد الثلاثة المتقدمة بحرمة النظر و لکن بدقة و تامل یظهر للمتامل أن هنا مقامان من البحث:
الاول: قصد الریبه فی النظر.
الثانی: حصول الریبه من دون القصد .
و لاریب فی ان لکل من المقامین دخل فی استنباط الحکم فیما نحن فیه و اشار بعض الفحول من العلماء المدققین الی هذین المقامین من البحث و أحب أن أقدم لكم نصوص کلامهم.
و لم أعثر الي الآن من تعرض لهذه البحث و لعل أول من دقق النظر فی المسألة و بدأ بالبحث عنها بالتفصيل هو الشیخ الاعظم الانصاری فی رسالة النکاح حیث قال: ان النظر اذا کان بقصد التلذذ حرام اجماعا کما ادعاه غیر واحد... أما اذا لم یقصد به التلذذ و لکن علم بحصول اللذة بالنظر، أو لم یعلم به و لکن تلذذ فی اثناء النظر، فهل یجب الکف ام لا؟
الظاهر: الثاني، لاطلاق الأدلة و لأن النظر الی حسان الوجوه من الذکور و الأناث لاینفک عن التلذذ غالبا- بمقتضی الطبیعة البشریة المجبولة علی ملائمة الحسان- فلو حرم النظر مع حصول التلذذ لوجب استثنا ء النظر الی حسان الوجوه مع أنه لاقائل بالفصل بینهم و بین غیرهم و یؤید ما ذکرنا ما رواه فی الکافی عن علی بن سوید فی الصحیح، قال: قلت لابی الحسن علیه السلام: انی مبتلی بالنظر الی المرأة الجمیلة فیعجبنی النظر الیها؟
فقال(ع): لابأس یا علي! اذا عرف الله من نیتک الصدق و ایاک و الزنا فانه یمحق البرکة و یرهق بالدین. الکافی:5/ 542 . وسائل الشیعه: 14/ 231.
فان من المعلوم و الواضح أن مراد السائل أنه کثیرا ما یتفق له الابتلاء بالنظر الی المرأة الجمیلة و أنه حین نظر الیها و المکالمه معها - لمعاملة او غیرها - یتلذذ بالنظر‘ لمکان حسنها و لعل ذلک من جهة کون الراوي من أهل الصنائع و الحرف التی یکثر فیه مخالطتهم للنساء کالصابغ و البزاز حیث یکثر تردد النساء يالیهم سیما نساء البوادی اللاتي لایسترن‘ فسأل عن أنه یجب الکف عن النظر عند التلذذ ام لا؟
فأجاب علیه السلام بأنه لابأس بذلک اذا علم الله من قصدک مطابقة ما تظهره من أن نظرک لیس لمجرد التلذذ و حیث عبرت عن مخالطتک معهن «بالابتلاء بهن» وانک کاره لاعجابک الحاصل حین النظر.... کتاب النکاح للشیخ الانصاری، ص 53.
و للسید الحکیم ایضا دقة نظر في المسالة و ذكر بحثا مفیدا و الیکم نص کلامه.
هل یختص التحریم بقصد التلذذ کما یظهر من عبارة الشرایع و القواعد و غیرها حیث ذکر فیها أنه لا یجوز التلذذ أو ریبة - أو یعم ما اذا حصل التلذذ في حال النظر و ان لم یکن واقعا بقصد التلذذ فیجب الکف مع التلذذ؟ وجهان.
و في رسالة لشیخنا الأعظم: الظاهر الاول لاطلاق الادله و ...
فیه: ان الظاهر من المرتکزات الشرعیه حرمة النظر مع التلذذ، فیقید به الاطلاق.
اما ما ذکره ثانیا ففیه: ان التلذذ الذی هو محل الکلام التلذذ الشهوی و ما تقتضیه الطبیعة البشریة المجبولة علی ملائم الحسان هو التلذذ غیر الشهوی کالتلذذ الحاصل بالنظر الی المناظر الحسنه، کاالحدائق النظره و العمارات الجمیلة و الاشعة الکهربائیه المنظمه علی نهج معجب و نحو ذلک و کل ذلک لیس مما نحن فیه.
واما صحیح علی بن سوید فالظاهر منه الاضطرار الی النظر لعلاج و نحوه، بقرینه قوله (علیه السلام): اذا عرف الله من نیتک الصدق یعنی الصدق فی ان نظرک للغایه اللازمه لا ماذکره (قده) و لا ما ذکر فی کشف اللثام و الجواهر من النظر الاتفاقی، اذ النظر الاتفاقی لا نیة فیه. متمسک العروه الوثقی، ج 14، ص 31.
الايرادات على كلام السيد الحكيم و الشيخ الانصاري:
الاول: نحن نمنع الظهور في المرتكزات الشرعيه حرمة النظر في صورتي قصد التلذذ و حصول التلذذ من دون القصد!
لان المتشرعة اولا لم يكونوا على هذا الارتكاز في خصوص النظر مطلقا‘ بل يفرقون بين انواعه.
و ثانيا أن المتشرعه و ان كانوا علي هذه الارتكاز في خصوص النظر و لكن لم يكونوا ملتزمين بالحرمة عمليا‘ يعني لا يتركون النظر لاجل حصول اللذة الحاصلة اثناء النظر من ىون القصد! لان التزامهم يوجب العسر و الحرج و خصوصا في بعض الاعمال المستحبة كالسفر الى زيارة الائمة المعصومين مع علمهم بانهم ينظرون الي بعض النساء غير المحجوبات و طبعا في بعض الاحيان تحصل لهم اللذة من دون القصد‘ فبالنتيجة لايمكن القول بوجود ارتكاز المتشرعين على الحرمة.
الثاني: ان حمل رواية ابن سويد على الاضطرار للنظر بقصد العلاج كما حملها السيد الحكيم أو على النظر الاتفاقي كما في كشف اللثام و الجواهر بلا وجه جدا.
لان ابن سويد اولا ما كان معالجا حسب تاريخ حياته و ثانيا ليس النظر اتفاقيا لان النظر كان دابه و عادته و حين العمل ايضا يعلم اصابة نظره الي المرأة‘ و فلايكون اتفاقيا.
الثالث: أن ما قاله الشيخ الانصاري من أن الظاهر أن علي بن سويد كان يتلذذ بالنظر الي المرأة الجميله أيضا غير تام‘ لان هذا ينافي وثاقته و جلالة قدره.
لايخفى أن الايراد الثاني و الثالث قد صرح بهما الشهيد الفقيه آية الله السيد مصطفي الخميني ابن سيدنا الامام في كتابه مستند تحرير الوسيلة: 2395.
و لا أعلم أحدا غیرهما تعرض لهذا التفصیل فی النظر الی الاجنبیه، الا ان السید الخویی ره فقد تعرض تلویحا الی التفصیل المذکور فی کتاب الصلاة فی ضمن بیان حکم النظر الی الوجه والکفین من الاجنبیة والاستدلال علی ذلک بخبر علی بن سوید المتقدم و هو ما حاصله:
(فقد یلتذ الانسان من النظر الی وجه الولد الجمیل من دون ان یخطر بباله انبعاث هذه اللذة عن الشهوة و الغریزة الجسمیة، و کذا غیر ولده من الامثلة المتقدمة، فهذا التفکیک متحقق حتی فی النظر الی المرأة الجمیلة الاجنبیة کما هو ظاهر.
ففصل الامام فی الجواب بین هذین النوعین ، و خص الجواز بالنوع الاول الذی عبر (ع) عنه بقوله: اذا عرف الله من نیتک الصدق.
و یویده قوله(ع) بعد ذلک : و ایاک والزنا، فان التحزیر عن الوقوع فی الزنا قرینة قطعیة علی أن المراد من النظر المنفي عنه البأس ما کان من النوع الاول المأمون عن الزنا دون الثاني الذي هو معرض للافتتان و یودي الی الزنا غالبا. موسوعه الامام الخوئی، ج12، ص 81.
لکن السید الخویی بعد ان حقق ان النظر الی الوجه والکفین من غیر قصد الریبه جایز و ان حصل للناظر تلذذ و ریبه بعد النظر و او حین النظر ، فقد احتاط فی الفتوی و قال بترکه احتیاطا للواجب و هذا بیانه:
لکن مع ذلک کله فی النفس شیء و الجزم به مشکل جدا و لامناص من الاحتیاط الوجوبي في المقام. موسوعه الامام الخوئی، ج12، ص 81.
فتلخص مما ذکرنا ان النظر یتصور بصورتین: أحدهما مع قصد الریبه و ثانیهما مع حصول التلذذ من دون القصد قبل النظر و حین النظر.
و لاریب فی ان النظر الی الوجه والکفین مع قصد الریبه والتلذذ حرام بلاخلاف، و لکن فی الصورة الثانیة و لها ایضا صورتان: احدیهما فی مورد علم انه سیحصل له التلذذ بعد النظر و ثانیهما : لا یعلم بانه سیحصل له.
والاول ایضا لا اشکال فی حرمتها و اما الثانی یعني في صورة عدم علمه، و ان کانت الأدلة لا تشملها ، لانها خارجة عن قصد الریبه، و ملاک الحرمة في النظر هو القصد المذکور و هو منفی هنا، لکن من حیث حصوله بعد النظر و يبقی مادام النظر باق، فالاحتیاط یقتضي الحرمة و الترک ایضا ، والحق مع السید الخویی فی القول بالاحتیاط.
و يويد هذ الاحتياط حسنة ربعي بن عبدالله الموجود في من لایحضره الفقیه عن الامام الصادق يقول:
و کان رسول الله(ص) یسلم علی النساء و یرددن علیه و کان أمیرالمؤمنین یسلم علی النساء و کان یکره ان یسلم علی الشابه منهن و یقول: أتخوف أن یعجبنی صوتها فیدخل من الاثم علی اکثر مما اطلب من الاجر.
فتامل.
والاخبار التی استدل البعض علی اطلاق القول بالمنع اکثرها مخصوص بالمورد الذی یکون فیه قصد الریبه والتلذذ، و سیاتی بیانه فی الوجه الثالث ان شاالله.
الفرع الثالث: حکم نظر الرجل الی الوجه والکفین من الاجنبیه بدون التلذذ والریبة.
اعلم ان هذا الفرع مشتمل علی ثلاثه اقوال: الجواز مطلقا. و عدم الجواز مطلقا. والتفصیل بین النظره الاولی والثانیه فیجوز فی الاولی و عدمه فی الثانیه.
و القول الاول أي الجواز منسوب الی بعض القدماء کالشیخ الطوسي في المبسوط و من تبعه و لکن المحقق السبزواري نسب القول الی الشیخ في المبسوط علی کراهیة.
و بعض المتاخرین کالشیخ الانصاري في رسالة النکاح و صاحب الحدائق و النراقي في المستند والمحقق السبزواري في الکفایة ومن تبعهم.
والقول الثانی ای عدم الجواز مطلقا منسوب الی المشهور حسب ما قاله السید الخویي في کتاب الصلاة‘ لأنه محل تعرض السید لها في لزوم الستر في الصلاة. و علیه صاحب الجواهر و کاشف اللثام و غیرهما.
و أما بعض القائلين بالجواز فی مقام الاستدلال ، هم القائلون بالاحتیاط الوجوبي فی ترک النظر في مقام الفتوى‘ فوافقوا مع القائلین بالقول الثانی فی الفتوی و خالفهم في الاستدلال کالسید الیزدی فی العروه والسید الخویی فی الموسوعه في کتاب الصلاة والنکاح.
و القول الثالث أي التفصیل بین النظرة الاولی و الثانیة و هو مذهب المحقق والعلامه فی اکثر کتبهما کالشرایع والقواعد والتحریر.
و بمقتضی رعایة الترتیب یناسب أن نتعرض أولا لادلة القول بالجواز ثم الحرمة ثم التفصیل ، لکن بنظري و زعمی أن المناسب في هذا المقام أن نتعرض أولا لأدلة القول الثانی یعني أدلة القول بالحرمة ، لأنه ان استطعنا اثبات الحرمة فلا مجال للبحث عن الجواز و ان لم نستطع اثبات الحرمة فقد القول بالجواز بنفسه، و لانحتاج الی اراءه دلیل اصلا، فعلیهذا نبدأ بالبحث عن أدلة عدم الجواز والحرمة.
ادله القول بالحرمه:
فقد استدلوا علیه بامور:
اولا بآیات من کتاب الله عزوجل. و ثانیا بالاجماع علیه. و ثالثابالسیرة العملیة من المتشرعة المتصلة بزمن المعصومین. و رابعا بحکم العقل. و خامسا بالاخبار منطوقا و مفهوما.
اما الآیات اولا اطلاق آیه الغض.
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَرِهِمْ وَ يَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَ لِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُ بِمَا يَصْنَعُونَ . النور:30/24.
و کیفیه الاستدلال التمسک باطلاقه قوله تعالی یغضوا من ابصارهم، یعنی ان الغض فی الآیة مطلق یشمل جمیع بدن المراة و منها الوجه و الکفین، و لار یب في شموله لهما. یعنی ان الآیه تحکم بانه یحرم النظر الی ا
أی جزء من بدن المراة الاجنبیة.
و فیه أولا ما قدمنا فی الفرع الاول، فی تحقیق معنی الغض، بانه غیر الغمض، یعنی أن الغض عبارة عن النقص فی النظر و لايكون معناه ترک النظر. فالآیة لا تناسب للاستدلال علی تحریم النظر.
و ثانیا: یمکن ان نقول بان الغض الذی امره به فی الآیة عبارة کنائیه عن التجاوز عنها و عدم القرب لها و لا یتوقف أحد عندها ان کانت من الأجنبیة، و یستفاد منه أن المراد من الغض هو اعراض الرجل عن المرأه الأجنبیة لأن الوقوف عندها یقوی التلذذ الشهوی الذی یوجب الابتلاء بالأمور التی تکون من مقدمات الزنا و یوید ما قلنا‘ قوله تعالی: یحفظوا فروجهم.
و ثالثا: یحتمل أن یقول أحد: أن الأیة لا اطلاق فیها‘ بل اطلاقها منصرف الی غیر الوجه والکفین، و هو المتعارف العرفی من الآية الكريمة‘ لأن المرتكز عند أهل العرف عدم شمول الآية الكريمة بالنسبة الى الوجه و الكفين.
و رابعا: لو سلمنا ان الغض بمعنی الغمض فلا یجوز لنا ان نستدل باطلاقها علی التحریم أیضا، لجواز النظر الی کثیر من الموجودات و خروج الاکثر عنها بالاستثناء یوجب الابتلاء بالامر المستهجن و هو استثناء الاکثر.
فبالنتیجة ان الامر بالغض فی الایة مجمل بالنسبة الی الوجه والکفین و حیث کان فیها الاجمال فلا یصح الاستدلال بها.
وثانیا: الاستدلال بقوله تعالی: وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآلِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآلِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَ تِهِنَّ أَوْ نِسَآلِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُنَّ أَوِ التَّبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَ تِ النِّسَآءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )النور:31/24)
مدعیا ان الآیه تدل علی حرمه الابداء ای اظهار الزینه الملازم لعدم جواز النظر ، حیث لا معنی لحرمه الابداء و جواز النظر و لا یمکن الجمع بین الحکمین بهذه الصوره مضافا الی ان اطلاقها تشمل الوجه و الکفین، یعنی حرم علی النساء ان یظهرن وجوههن و ایدیهن ، و بالملازمه العقلیه حرم علی الرجال النظر الی الوجه و الکفین منهن.
و فیه: ان فی نفس الآیه یستثنی من ابداء الزینه ، الزینه الظاهره بقوله تعالی (الا ما ظهر منها) ، و لا ریب فی ان اکمل المصادیق من الزینه الظاهره هو الوجه والکفان و بهذا یسقط الآیه عن الاستدال بها علی التحریم.
مضافا الی ان فی بعض النصوص کصحیحه الفضیل و موثقه ابی بصیر فسر الزینه الظاهره بالخاتم و امثالها و واضح ان النظر الی الخاتم لا ینفک عن النظر الی الکف.
و مویدا بما روی مسعده بن زیاد عن الصادق فی جواب السوال عما تظهر المراه من زینتها قال: الوجه و الکفین.
و بالنتیجه الاستثناء الوارده فی الآیه بقوله تعالی (الا ما ظهر منه) یقتضی جواز النظر الی الوجه والکفین خلافا علی ما یدعیه المستدل.
و ثالثا: الاستدلال بمفهوم قوله تعالی: وَ الْقَوَ عِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّتِى لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَتِ بِزِينَةٍ وَ أَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )النور:60/24)
و کیفیه الاستدلال ان الآیه صرحت بان القواعد من النساء لیس علیهن ان یضعن ثیابهن عن اجسادهن ، و بالملازمه دلت علی جواز النظر الیهن، و لاریب فی ان مفهومه الآیه دلت علی ان غیر القواعد من النساء لا یجوز لهن ان یضعن ثیابهن و لا یجوز ایضا النظر الیهن بالملازمه ، و وجوب التستر علیهن، و واضح ان اطلاق المفهوم یشمل عدم الجواز فی وضع الثیاب عن الوجه والکفین عن غیر القواعد و عدم جواز النظر الیهما منهن ، بل یجب التستر علی الوجه والکفین منهن و هو الذی یرید اثباته المستدل.
و فیه:
ان الثیاب مجمل من حیث معناه فی ان معناه هل هو یشمل جمیع الثیاب عن جمیع البدن ام یختص ببعض مواضعه؟
و لاریب فی عدم جواز وضع الثیاب عن جمیع جسد النساء و ان کن من القواعد! لان هذا من ضروری المذهب بل الدین ، و بهذا البیان یلزم ان نخصص الثیاب هنا بمعناه الخاص ببعض اعضاء الجسد.
و فی غیر واحد من الاخبار فسرت الثیاب التی کانت فی الآیه بالخماروالجلباب و هما ساتران الراس و الشعور من النساء لاغیرهما.
و علیهذا ان المستفاد من مفهوم االآیه عدم جواز النظر الی الراس و الشعور من غیر النساء القواعد، و لکن من حیث شمولها للوجه والکفین فلا اطلاق فیها. و ما تعرض لها بل هی ساکته عن حکم النظر الیهما، و حیث ان الآیه ساکتة لا یمکن اخذ المفهوم عنها فی مورد لا تتعرض له الآیه ، لان المفهوم تابع للمنطوق و لا یمکن اخذ المفهوم مما لا یتعرض المنطوق.
و علیهذا لا یجوز الاستدلال بها فی المقام.
و بعض من العامة كابن قدامة استىدل ببعض الآيات كآية الحجاب:
...وَ إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَعًا فَسَْلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَ لِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ.... الاحزاب: 3353.
و كقوله تعالي:
يَأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِاَّزْوَ جِكَ وَ بَنَاتِكَ وَ نِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَبِيبِهِنَّ ذَ لِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَ كَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )الأحزاب:59/33)
و لكن لاجل ضعف الاستدلال بها في المقام من جهة أن بعضها مخصوصه بنساء النبي و ليس فيها ما يدل على العموم‘ و بعضها كالاستدلال بادناء الجلباب أيضا لا تدل علي المطلوب‘ لان الجلباب حسب ما فسره أهل اللغة هو الملحفة (ستر شبيه بچادر) أو المقنعة الطويلة أو غيرهما و ليس في شيء منها ستر الوجه و الكفين‘ فلذلك نترك الحديث عن الاستدلال بهذه الآيات!
فتحصل مما ذکرناه من الاستدلال بالکتاب و ما اوردناه علیها من الایراد ان الایات قاصره عن قابلیه الاستدلال فی المقام و قاصره عن الدلاله علی حرمه النظر الی الوجه و الکفین من المراه الاجنبیه من دون تلذذ و ریبة‘ بل الاحسن و الاقوي الاستدلال بها على الجواز.
الاستدلال بالاجماع:
فقد ادعی الفاضل المقداد (ره) الاجماع علی حرمه النظر الی الوجه والکفین من المراه الاجنبیه من دون تلذذ و ریبه قائلا : ان جمیع الفقهاء قائلون بان تمام المراه عوره ، لایجوز النظرالیها، و من جمله العوره التی لایجوز النظر الیها الوجه و الکفین، لانه ورد فی الاخبار عن امالی الشیخ الطوسی عن النبی(ص) انه قال: النساء عی و عورات فداوور عیهن بالسکوت و عوراتهن بالبیوت.
و رواه الصدوق مرسلا عن الصادق(ع): ان النساء عی و عوره فاستروا العوره بالبیوت واستروا العی بالسکوت. وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، الباب 24. ح 4و 6. راجع التنقیح الرائع لمختصر الشرائع: 3/22.
و فیه:
اولا ان دعوی الاجماع بهذا البیان دعوی اجماع منقول والمعتبر منه محصل.
و ثانیا: ان الاجماع دلیل حیث لا دلیل لفظیا من الکتاب والسنه و لایستند الیهما، والحال ان مستند هذه الدعوی الاخبار التی ذکرناه نموذجا منها آنفا، فیکون الاجماع مدرکیا لا یعتنی به.
و ثالثا: ان الاجماع لو ثبت لدل علی تحریم اخراج المراه من البیوت، و القول به مناف لما ثبت من الشرع سالفا و لاحقا و من السیره المتشرعه المتصله بزمن المعصومین.
و رابعا : ان الاجماع لو ثبت للزم منه العسر و الحرج علی النساء فی معاشرتها الاجتماعیه و فی تهیئه اللوازم الضروریه لبقاء الحیات الفردیه و من مزاولتهن البیع والشراء و دخولهن فی المجتمع الانسانیه باقتضاء الضروره لمعاشهن و واضح ان الحکم الحرجی مرتفع فی الشریعه.
و خامسا: ان هذه الدعوی فی المقام موهونه علی مدعیها، لانها لا تخرج عن صورتین: اما الاطباق علی جمیع جسد المراه حتی یشمل الوجه والکفین.
و اما الاطباق علی دون الوجه والکفین.
فالاولی لا یثبت لنا بل لاحد ، و هو معلوم لمن تامل بادنی تامل فی اقوال الفقهاء حیث ذهب جماعه من محققیهم کالشیخ الطوسی و الشیخ الانصاری و غیرهما الی الجواز، و مع ثبوت هذا کیف یمکن ان یدعی الاجماع المذکور
واما الصوره الثانیه لا تنفع فی المقام ، بل اجنبی عما انت بصدد اثباته.
فظهر مما ذکرنا ضعف الاستدلال بالاجماع فی المقام و عدم ثوبته ، و لکن یمکن لنا ان نقول بان الامر بالبیوت او السکوت فی بعض الاخبار التی ذکرناها آنفا، یکون امرا ارشادیا او استحبابیا یدل علی رجحان عدم خروج المراه من البیوت، الا لضرورة، صیانة لعفافهن، و حذرا من الابتلاء بمحرم.
الاستدلال بالسیره العملیه من المتشرعه المتصله بزمن المعصومین(ع).
قد استدلوا علی حرمه النظر الی الوجه و الکفین من الاجنبیه ، بالسیره العملیه قائلا ان السیره من المتشرعه المتصله بزمن المعصومین(ع) قائمة علی التستر عن الاجنبی، الملازم لحرمه النظر الیها.
یعنی اذا کانت السیره قائمه علی وجوب التستر عن الاجنبی حتی الوجه والکفین، فیلزم ان نقول بحرمه النظر الیها، لانه لا معنی للقول بالتفریق بین وجوب التستر و عدم حرمه النظر.
و فیه فی الاستدلال بها ایرادات غیر قابله للذب عنها:
اولا: المنع من قیام السیره فی جمیع بلاد المتشرعه، بل السیره قائمه علی العکس ، لا سیما فی البلاد الکبیره و المدن العظمیه، التی تکون فیه منور الفکر من المتشرعه، لانهم لا یسترون الوجه والکفین عن الاجنبی.
و لکن یمکن ان تکون السیره فی بعض البلدان بالاضافه الی بعض نساء المجللات، و اما بالنسبه الی عموم المتشرعه فلا.
و ثانیا : لو سلم ان السیره قائمه ، فلابد من الاختصاص بالاجانب المحضه، التی تکونون فی الاسواق و الشوراع و غیرها، و اما بالنسبه الی الاقارب غیر المحارم کزوج الاخت و اخت الزوجه و غیرهما فلا، لانهم لایتسترون الوجه و الکفین عن الاقارب و ان لم تکونوا محارم.
والحال عند الشارع ، کلها اجانب، و ان کان العرف یحکم بخلافه، و لافرق فی وجوب التستر بین الاجانب المحضه و الاقارب غیر المحارم، لانه ورد فی الاخبار کصحیح البزنطی عن الرضا(ع) قال: سالته عن الرجل یحل له ان ینظر الی شعر اخت امراته؟ فقال(ع): لا، الا ان تکون من القواعد. قلت له: اخت امراته والغریبه سواء؟ قال: نعم.
و ثالثا: لو سلم ان السیره قائمه ، فلم نسلم اتصالها بزمن المعصومین(ع) لجواز ان تکون منشا هذه السیره ، فتوی المشهور ، فعلیهذا لم یثبت لنا اتصالها بزمن المعصومین(ع)، و اذا لا یتصل بزمن المعصومین ، فلا اعتبار به لان یحتج بها.
و رابعا: ان السیره لو سلم قیامها فغایه ما تدل انها تدل علی الجواز، لانه فعل، و من المعلوم ان الفعل لا یدل علی الوجوب ، بل یدل علی الجواز فقط.
یعنی لوقلنا بثبوت السیرة المتشرعة علی وجوب تستر المراه وجهها و کفیها فلا دلاله لها علی الوجوب ، لان هذه السیرة عباره عن تقریر المعصوم و رضاه بفعل المتشرعه ، و هي لا تدل الا علی الجواز فقط، و الحال ان المستدل یستدل بها علی الوجوب التستر الملازم بحرمه النظر، فالدلیل اعم من المدعی.
الاستدلال بحکم العقل:
ویقرر هذا الدلیل بوجوه:
منها: حکم العقل بدفع الضرر المظنون او المحتمل.
بیان الاستدلال: لا ریب فی ان عمده مشاکیل الاجتماعی و النزاع الطائفی التی تقع بین الناس فی المجتمع الانسانی ،مرتبطة بالامور الجنسیة خاصة ، و مبدوها و منشوها النظر الی الاجنبیة.
بحیث یودی بعضها الی الجراحه و القتل، لا سیما امور خاصه بنوامیس الاشخاص الذین للهم الحرمه الاجتماعیه.
و لا شک فی ان النزاع و الجراحه و القتل من اعظم الضرر المحتمل لو لا المظنون، للمجتمع الانسانی و حیات الاسره و العقل یحکم بان دفع هذا الضرر واجب و لازم عقلا لا سیما اذا کان الضرر دنيویا و اخرویا و الشرع ایضا یوید العقل.
و اشار الی هذا الاخوند الخراسانی فی الکفایه حیث قال: دعوى استقلاله (أي استقلال العقل) بدفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة جداً لاسيما اذا كان هو العقوبة الاخروية.
و من المعلوم دفع هذا الضرر المحتمل لا یمکن الا بالقول بمنع النظر الی الاجنبیه حتی الوجه و الکفین. فتحصل منها ان النظر الی الوجه و الکفین من الاجنبیه ممنوع.
و فیه:
لا شک فی صحه حکم العقل بدفع الضرر المظنون او المحتمل و لکن الاستدلال به فی ما نحن فیه ، لایکون فی محله، لان الذی حکم به العقل بوجوب دفع الضرر هو النظر التی احدث بریبه و تلذذ ، لان الضرر اذا کان فی النظر قصد الریبه و التلذذ، و اما اذا لم یکن فی النظر قصد الریبه فلا ضرر في البين حتی بالنظر الی النوامیس و الاقارب، لانا نشاهد کثیرا و العرف ایضا يصدق ان کثیرا من الناس ینظرون الی الاجانب من الاقارب و غیرها و لا تکون فی نظرهم ریبة و تلذذ و لا ضرر فی البین و لا يوجب حادثه فی المجتمع الانسانیه.
فعلیهذا أن العقل یحكم بوجوب دفع الضرر المحتمل وطبعا اذا کان الضرر فی النظر الی الاجنبیه فحرام قطعا‘ و لکن المشكة انه لا یرتبط بما نحن فیه بل مرتبط بالفرع السابق و قد اثبتناه فی مظانه.
فهذا الوجه من حكم العقل لا یدل علی ما ادعاه المستدل.
و اما لو قيل: بانه يمكن تصور الضرر المحتمل في النظر الي الوجه و الكفين من المرأة الأجنبية بغير قصد الريبة و التلذذ‘ و هو اذا ينظر الرجل الى الوجه و الكفين من المرأة الأجنبية بدون القصد و لكن يحصل التلذذ في اثناء النظر‘ فهذه الصورة مورد الضر المحتمل الذي يجب بحكم العقل دفعه.
قلنا: أن هذا الفرض صحيح و نحن أيضا نعترف به و نقول بوجوب ترك النظر بعد حصول التلذذ و لايجوز له التوقف و الاطالة و الاستمرار ‘ و حكن العق أيضا يويد ‘ و لكن قبل حصول التلذذ و بدون القصد فكيف يمكن القول بحرمة النظر!
و منها: حکم العقل بلزوم دفع المفسده.
بیان الاستدلال: بما أن فی النظر الی الاجنبیة مفسدة الریبه و التلذذ و الوقوع فی الحرام، فالعقل یحکم بوجوب دفع المفسده‘ فیجب الاجتناب عن النظر الی الاجنبیه حتی الوجه و الکفین دفعا للمفسدة التي فیه، و حسما لمادة الفساد‘ و من الواضح ان لزوم دفع المفسدة امر يحکم به العقل السلیم.
و فیه کسابقه ایرادات:
اولا: لا شک فی وجود المفسده فی بعض موارد النظر الی الوجه و الکفین من المراه، و لا ننکر حکم العقل بلزوم دفع المفسده، لکن انت تعلم أن المفسدة و المصلحة هما ملاکان فی الاحکام لا نفس الحکم و لا حكمة للحكم.
و واضح ان استخراج الملاک لیس من شان العقل ، بل من شان النص و الوحی فقط.
والحال ان المستدل استخرج ملاک الحكم و هو وجود المفسدة فی النظر، و اذا کانت المفسده موجوده ، فالعقل یحکم بلزوم دفعه الذی لا یمکن الا بالقول بالمنع من النظر.
نعم ان للعقل ان یستکشف حکمة للحکم الشرعي و لکن لایجوز له ان یستخرج ملاکا و عله للحکم، نظیر حکم الشارع بالاعتداد لحکمة عدم اختلاط المیاه، و أنت تعلم أن هذا حکمة للحکم لا علة و ملاکا له، و أما استکشاف الحکم الشرعی من خلال هذا الوجه أي الحكمة فلا.
و ثانیا: ان لملاکات الاحکام جهتین من التدخل فی تشریع الحکم الشرعی، و هما الاقتضایی و اللا اقتضایی، یعنی ان المصلحه ملاک الوجوب و الاستحباب و ان المفسده ملاک للحرمه و الکراهه، لکن ان هذین الملاکین قد یقتضی الفعلیة و قد لا یقتضی الفعلیة، و معلوم ان فی مرحله الاقتضاء و الشان لا تعارض بین الحکمین الذین ذا الملاکین، و انما التعارض يحصل بعد اقتضاء الملاک فعلیة الحكم، لان التعارض لایکون فی الشأنیات و الاقتضائیات بل فی الفعلیات محضا.
و اما الفعلیه لا تحصل بنفسها بل هی مرتبه من الحکم الذی لا یحصل الا بارادة الله تعالی فعلیا.
و حین اذا کان الشارع یعلم بان صیروه الفعلیه فی الملاک یوجب التعارض و التزاحم فی الاحکام من جهه المکلفین، لا یرید الفعلیه فی الملاک، بل يبقيه فی مرتبه الشأنیة و الاقتضائیة، لأن الشارع بما انه حکیم و محیط بکل شیء لا یرید فعلیة الحکم الذی یوجب التعارض فی الاحکام من جهت الملاک.
نظیر ما ذكر الشهيد الفقيه المطهري بخصوص الطلاق‘ ان الطلاق یکون من اببغض الموارد عند الله عزوجل و لکن ما حرمه الشارع، لأن الله عزو جل عالما بأنه و ان کان فی الطلاق مفسدة من جهه تزلزل الاسره، لکن لایرید تحریمه، لانه اذا صار فعلیا حصل التعارض بینه و بین سایر الملاکات.
فبهذا جعل الله الطلاق بید الاشخاص، لانهم اذا عرفوا ان بقاء النکاح موجب لمفسده مهمه ، فله ان یختار الطلاق بین الزوجین.
و ما نحن فیه ایضا من قبیل ما ذکرناه، لانا لا ننکر ان فی بعض الموارد من النظر مفسدة شانیة و اقتضاییه، و لکن بما ان الشارع عالم بجمیع المصالح و المفاسد ، یعلم قطعا اذا الزم المکلفین بحرمه النظر یحصل فیه التعارض ، و من جهه عدم حصول التعارض فی احراز الملاکین فی حکم واحد ، لایجعله الزامیا.
یعنی ان الشارع علم بان فی النظر مفسده و لکن لایصیره الزامیا ، لرعایه عدم حصول التعارض، یعنی لاینهی عن النظر الوجه و الکفین من الاجنبیه بدون الریبه و التلذذ.
فعلیة المفسده تحصل اذا کان فیه الزام من الشارع، یعنی حرم الله النظر الی الاجنبیه نظير ما ورد عن رسول الله بشان السواك وقال: لولا ان اشقّ علي امتي لامرتهم بالسواك. و لمن ما أمر الناس و ما ألزم الناس بالسواك لان السواك بنفسه ليس فيه مفسدة و اما فيه الزامه المفسدة قطعا.
و ثالثا: ان المفسده المظنون فی النظر مختصه بما اذا حصل النظر مع تلذذ و ریبه، لأنه لایکون فی النظر مفسدة غیر الریبه و التلذذ، و هو خارج عن الفرض و عما نحن فیه، لانا فی صدد بیان حکم النظر الی الوجه و الکفین من الاجنبیه بدون التلذذ و الریبه، فما قصد لم یقع و ما وقع لم یقصد.
و منها: حکم العقل بلزوم دفع المفسده من طریق آخر: و هو ان من الظاهر ان عمده محاسن المراه فی وجهها و بما ان النظر یودی غالبا الی الوقوع فی الامر المحرم کالزنا، و هو مبغوض للشارع ، فیحکم العقل بعدم جواز النظر حتی بدون الریبه، لان مقدمه الحرام حرام کذیه.
و فیه ایضا:
اولا: نمنع ان النظر یودی غالبا الی الوقوع فی الحرام ، و ان کان فی بعض الموارد یودی‘ لانه هو الذی یتطرق فیه احتمال التللذ والریبه، و اما فی بعض الموارد لا یکون النظر معرضا للافتتان، و لايتطرق فيه احتمال التلذذ.
و بالنتيجة أن الملاک فی الحکم لایطرد فی جمیع موارده حتی یلزم بحکمه.
و ثانیا: ان المفسدة هی ملاک الاحکام، و الملاک لا یعلم به الا من ناحیه النص والوحی، والعقل اجنبی عن الدرک لملاکات الاحکام.
فظهر مما بیناه من الایرادات علی الاستدلال بدلیل العقل، ان هذا الدلیل ایضا لا ینبغی الاستدلال به.
الاستدلال بالاخبار
و یشمل هذا الدلیل طوائف من الاخبار والروایات و نذکر هنا بعضا منها مع بیان كيفة الاستدلال بکل منها و كذلك بيان بعض الایرادات التی تقع علیها انشا الله.
الطائفه الاولی: الاخبار الدالة علی جواز النظر الی المرأة لمن یرید تزویجها.
فهی کثیرة لکن اکثرها لا تختص بما نحن فیه ای الوجه والکفین بل کانت دالة علی مطلق النظر من الوجه و الشعر و الراس و غیرها، و اما فی بعضها اختصاص الجواز بالنظر الی وجهها، فانها من حیث اشتمالها علی اراده التزویج ، فبمفهومها تدل علی عدم جواز النظر الی الوجه من المراه الاجنبیه التی لا يرید أن یتزوجها، و نذکر هنا منها.
الاولی: صحیحة هشام و حماد و حفص
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ وَ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ كُلِّهِمْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهَا وَ مَعَاصِمِهَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا. الكافي: 5365 ح 2. وسايل الشيعة: كتاب النكاح ابواب مقدمات النكاح الباب 36 ح 2.
نقول فیها و فی الاستدلال بها:
اولا: ان النظر الذی صرح بجوازه فی الحديث‘ ينصرف الی النظر مع التلذذ والشهوه، لانه يقع ممن یرید تزویجها و لا شک أن من نظر الی المرأة التی یرید تزویجها، فنظره مقترن بشهوة و تلذذ، حتی تصور فی ذهنه ما یمکن ان یتلذذ منها، و ان لم يكن في بداية النظر بهذا القصد و لكن يحصل له التلذذ أثناء النظر و بهذا تصیر اجنبیا عما نحن فیه، لانا بصدد بیان حکم النظر الی الوجه والکفین من المراه من دون تلذذ و ریبه و الدلیل یشمل النظر مع تلذذ وریبه، و هما لا یجتمعان فی مورد حتی یصح الاستدلال به.
مضافا الي ذلك أنه ذكرت في الرواية المعصم و لايذكر فيها الكف و لكن من جهة ان النظر الي المعصم يستلزم النظر الي الكف لا اشكال في البين من هذه الجهة.
والمعاصم جمع معصم وهو موضع السوار من الساعد، والسوار حلقة كالطوق تلبسها المرأة في زندها أو معصمها الذي هو فوق الزند، ولذا استدل بها القائلون باختصاص جواز النظر بالوجهين والكفين بحمل المعاصم على الكفين.
و لکن يعجب الانسان من مشاهدة بعض كلمات الفقهاء من حیث اشتماله علی تناقض واضح، کالسید الخویی حیث وقع تعارضا فاحشا بین کلامه فی کتابی الصلاه و النکاح فی الایراد علی هذ الخبر، حیث عد ما قلناه هنا من حمل النظر فیها الی النظر المقترن مع التلذذ، بعیدا جدا، و الیک نص کلامه فی کتاب النکاح: و حمل النظر فی هذه الروایات علی المقترن بالتلذذ فلا تدل بمفهومها علی عدم جواز النظر المجرد اذا لم یکن قاصدا تزویجها، بعید جدا و لا موجب له. مبانی شرح العروه المطبوع ضمن الموسوعه: 32/48.
ولکن فی کتاب الصلاه صرح بأن نفس الایراد وارد على الاستدلال:
قال: انها اجنبیه عما نحن فیه، لان النظر المحکوم فیها بالجواز هو النظر عن شهوه والتذاذ علی ما یقتضیه طبع النظر بقصد الزواج، فان الناظر حینئذ یفکر فی امور؛ .......فیتامل فی محاسنها و جمالها نظر شهوه و تهییج کی تحصل له الرغبه فی التزویج، فمفهومها المنع عن مثل هذا النظر لو لم یکن لهذه الغایه، و این ذلک من النظر الساذج العاری عن الشهوه والریبه الذی هو محل الکلام. المستند فی شرح العروة المطبوع ضمن الموسوعه الخویی: 12/74.
ففي كلامي السيد الخويي في كتابيه تناقض واضح .
و اما نحن مع السيد الخويي فيما قاله في كتاب الصلاة الا انه يقول بأن النظر مقترن بقصد التلذ ذو الشهوة و لكن نحن نقول باحتمال أن لايكون في النظر قصد التلذذ و الشهوة و انما يحصل التلذذ للناظر اثناء النظر.
و ثانیا: لو سلم دلالتها علی المنع من النظر الی الوجه و الکفین من دون تلذذ و ریبة، يبقی فیه ایراد آخر و هو تعارضها مع ما ظهر من کتاب الله عزوجل و هو آیه الابداء.
یعنی ان الآیه تدل علی جواز ابداء ما يظهر من الزینه، و لا ریب فی ان الوجه و الکفین من مصادیق الزینه الظاهره، والخبر المذکور يدل علی المنع، و واضح أن مخالفة الخبر مع کتاب الله عزوجل تسقطه عن الحجیة، لانا مامور بأخذ موافقه الکتاب و طرح ما خالفه.
ان قلت: ان الایه تدل علی عدم وجوب التستر فقط و لا تدل علی جواز النظر فکیف استدللتم به؟
قلنا: ان الایه تدل علی جواز الابداء لا علی عدم وجوب التستر، و واضح ان جواز الابداء ملازم لجواز النظر فثبت المطلوب.
الثانیة: خبر الحسن بن السری.
وَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ السَّرِيِّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ يَتَأَمَّلُهَا وَ يَنْظُرُ إِلَى خَلْفِهَا وَ إِلَى وَجْهِهَا؟
قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا يَنْظُرُ إِلَى خَلْقِهَا وَ إِلَى وَجْهِهَا . الكافي: 5365 ح 3. وسايل الشيعة: كتاب النكاح ابواب مقدمات النكاح الباب 36 ح 3.
و کیفیه الاستدلال به علی ما مضی فی الخبر السابق من الاخذ بالمفهوم.
و فیه اولا: ضعف سنده من جهة الحسن بن السری ، فانه لم یثبت وثاقته فی الرجال، الا عند قلیل من العلماء الرجاليون کما فی الخلاصه و ابن داود، و لکن لا یفید وثاقتهما من دون ورود توثيق عن النجاشی و غیره ، لأن توثيقهما مستند الی توثيق النجاشی و حیث لا یکون فی رجاله فالامر غیر معلوم.
و ثانیا: ان التعبیر ب-یتأملها حاک عن النظر الشهوی ، لانه هذا التعبیر لا ینفک عن التلذذ و الریبة و هو خارج عما نحن فیه.
الا أن يمكن لأحد أن يقول: اذا كان النظر الشهوي يجوز للرجل الذي يريد التزويج بالمرأة الأجنبية ‘ فبطريق أولى يجوز النظر غير الشهوي و من دون تلذذ!
أول لاجل أن الاستدلال بالخبر من جهة المفهوم لا من جهة منطوق الرواية فمفهوم هذه الرواية عدم جواز النظر الشهوي لمن لايريد النكاح بالمرأة المنظورة.
و كذلك جواز النظر غير الشهوي الي المرأة التي يريد الرجل نكاحها بطريق أولي.
و اما النظر من دون تلذذ و ريبة الي المرأة الاجنبية فلا يمكن الاستدلال عليه بهذه الرواية اصلا‘ لانها خارج عما نحن فيه.
الطائفة الثانية: الاخبار المشتملة علی ان النظر سهم من سهام ابلیس، و انه زنا العینین.
كيفية الاستدلال بها من جهتين:
الاولي: انه اذا کان النظر بمثابة الزنا، و انه سهم من سهام ابلیس، فلا شک فی مبغوضیته.
الثانية: من جهه اطلاقها و شمولها لجمیع الموارد حتی الوجه و الکفین، و اذا کان النظر الی الوجه و والکفین من المرأة الاجنبیة مبغوضا للشارع‘ فحرام و يجب الاجتناب عنه.
و من جملة هذه الطائفة من الاخبار مرسله ابن ابی نجران
محمد بن يعقوب عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع .
وَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَمَّادٍ وَ غَيْرِهِ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَا: مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَ هُوَ يُصِيبُ حَظّاً مِنَ الزِّنَا فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ وَ زِنَا الْفَمِ الْقُبْلَةُ وَ زِنَا الْيَدَيْنِ اللَّمْسُ صَدَّقَ الْفَرْجُ ذَلِكَ أَمْ كَذَّبَ . وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، الباب 104 ح 2.
و مرسلة داود بن أبی یزید العطار
وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْعَطَّارِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع: إِيَّاكُمْ وَ النَّظَرَ فَإِنَّهُ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ وَ قَالَ: لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا وَصَفَتِ الثِّيَابُ . وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، باب 36 ح 9.
و خبر عقبة
محمد بن علی بن الحسین باسناده عن هشام بن سالم عن عقبه قال: قال ابوعبد الله(ع): النظره سهم من سهام ابلیس مسموم، من ترکها لله لا لغیره اعقبه الله امنا و ایمانا یجد طعمه. وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، باب 104 ح 5
قلنا فیها:
اولا: بضعف سند اکثرها و ان کنا نعترف بان هذه الطائفه غير منحصرة فی ما ذکرناه بل اکثر منها، لکن فی كثير منها ضعيف من حیث السند، و ان یحتمل ان یقول أحد بتظافرها.
و ثانیا: ان هذه الطائفه من الاخبار اجنبیه عن الاستدلال فیما نحن فیه، لان النظر الوارد فیها بقرینه مناسبه التشبیه الوارد فی الاخبار بسهام ابلیس، حاکیه عن ان النظر الوارد فیها عباره عن النظر الشهوی و مع التلذذ والریبه.
بما ان النظر الذی لا یکون فی تلذذ و ریبه لا مشابهه فیه بسهام ابلیس، بل النظر الشهوی یشبه بسهام ابلیس من جهه مسمومیته و عقابه و آثاره السوء.
و لکن السید الخویی اضاف عما ذکرناه هنا ، کلاما و بیانا یمکن ان یستشکل علیه و هذا لفظه ما قال.
الخامس: الأخبار الدالة على أنّ النظر إلى الأجنبية سهم من سهام إبليس و أنّه «زنا العين» و ما شاكله. لكن الظاهر أنّ هذه الطائفة مما لا يصح الاستدلال بها على حرمة النظر المجرد، فإنّ التعبير بأنّه «سهم من سهام إبليس» لا ينسجم إلّا مع كون الناظر في مقام الريبة، فإنه في هذه الحالة قد لا يتمكن الإنسان من السيطرة على نفسه فيقع في الزنا، و قد يتمكن من كفّ نفسه و منعها من المحرمات فينجو من ذلك، و حينئذ يصح تمثيله بالسهم فإنه قد يصيب الهدف و قد يخطئ. و أما إذا لم يكن في مقام الريبة فهو غير مصيب دائماً، فلا يتلاءم مع تشبيهه بالسهم.
و كذا الحال فيما دل على أنّه زنا العين، فإنّه و مع غض النظر عن سنده ظاهر في كون الناظر في مقام التلذّذ لا مطلقاً، كما يظهر ذلك من قوله: «فإنّ لكل عضوٍ زنا و زنا العين النظر، فإنّ من الواضح أنّ زنا العين هو النظر متلذّذاً كما هو الحال في زنا سائر الأعضاء لا النظر المجرّد.
و نقول فیما قاله السید الخویی:
بانا و ان کنا صدقناک فیما تقول من الایراد علی الاستدلال بهذه الطائفه من الاخبار و عدم صلاحیتها للاستدلال علی حرمة النظر الی الوجه والکفین من الاجنبیة، و لکن لا نصدقک فیما قلت فی بیان وجه التشبیه بسهام ابلیس، بان النظر قد یصیب و قد لایصیب، و النظر الذی قد یصیب الی الزنا و قد لا یصیب هو النظر الشهوی و مع التلذذ و النظر الذی لا یصیب قطعا، هو النظر من غیر ریبه و شهوه.
لان ما استظهرنا من الاخبار غیر ما استظهرت ، لان الخبر لا یکون فی مقام بیان ان النظر قد یصیب و قد لا یصیب، بل انما الوجه فی التشبیه هو سرعه اصابه النظر الی الوقوع الی الزنا .
و یوید ما قلنا سایر الروایات التی فی هذا الباب من وسایل الشیعه، ای الرقم الباب 104، الناهیه عن اعاده النظر ثانیا و ثالثا و ازید، لان التشبیه یحکی لنا ان النظر سریع اللحاق بالزنا ، فلیراقب عن لا تعیده حتی لا تقع فیه، لانه ان کنت لا تقع فیه بالنظره الاولی ، یمکن ان تقع بالنظره الثانیه.
و لکن اساس ما قیل فی الایراد علی الاستدلال حق لا یرد علیه شیئ.
الطائفة الثالثة: الاخبار الآمره بالتنقب لحضور المراه فی مجلس الشهاده.
قد استدل علی حرمه النظر الی الوجه و الکفین من الاجنبیه ، بالخبر الذی ورد فی باب شهاده المراه و الیک نصه.
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى الْفَقِيهِ ع فِي رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى امْرَأَةٍ لَيْسَ لَهَا بِمَحْرَمٍ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ وَ يَسْمَعَ كَلَامَهَا إِذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي تُشْهِدُكَ وَ هَذَا كَلَامُهَا أَوْ لَا تَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا حَتَّى تَبْرُزَ وَ يُثْبِتَهَا بِعَيْنِهَا؟
فَوَقَّعَ (ع): تَتَنَقَّبُ وَ تَظْهَرُ لِلشُّهُودِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ع وَ ذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ الصَّدُوقُ وَ هَذَا التَّوْقِيعُ عِنْدِي بِخَطِّهِ ع
و کیفیه الاستدلال انه(ع) امرها بالتنقب یعنی بتستر الوجه حین ارادت اقامة الشهاده و معلوم ان الامر بالتستر ملازم لحرمة النظر.
فیه:
اولا: ان التنقب لا یستر جمیع الوجه ، بل یستر بعضها من الانف و الفم حتی الذقن، بعض آخر من الوجه مکشوف لایستره النقاب، و واضح انه لا فرق بین النظر الی جمیع الوجه او النظر الی بعض الوجه، و علیهذا لا یمکن استفادة الوجوب منه، لانه لو سلم دلالتهاعلی وجوب التستر فیلزم منه حرمة النظر الی بعض الوجه و جواز النظر الی بعض آخر و هو معلوم الفساد.
و ثانیا: یحتمل ان نقول ان الخبر لا یدل علی وجوب التستر الملازم لحرمه النظر‘ بل یدل علی حکم اخلاقی للتحفظ و الصيانة علی المرأة في مقام حضورها لاقامة الشهادة و غیرها. لان المرأة محجبة بالحیاء و حضورها مکشوف الوجه لا یناسب الحیاء و العفاف، فمن هذه الجهة أمرها بالتنقب لا للوجوب الشرعی الملازم لحرمة النظر. مضافا الى أن حضور المرأة الجلیلة مکشوفة في مجلس الرجال من مجلس الحكم و غیره مناف لوجاهتها الاجتماعیة.
الطائفة الرابعة : خبر المرأة الخثعمیه:
ورد فی بعض الاخبار لا سیما فی المصادر العامة خبر سمي بخبر المرأة الخثعمیة و رواها أيضا بعض مصادر الخاصه کالمحدث النوری و الیک نصه:
أن المرأة الخثعمية أتت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) بمنى في حجة الوداع تستفتيه، و كان الفضل بن العباس رديف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، فأخذ ينظر إليها و تنظر إليه، فصرف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) وجه الفضل عنها، و قال: رجل شاب و امرأة شابة، أخاف أن يدخل الشيطان بينهما.
و کیفیه الاستدلال بها ان رسول الله صرح بان فی النظر خوف الوقوع فی الفتنه و هو یدل علی حرمه النظر.
و استفاد ایضا منها الدلیلیه علی الحکم ولد العلامه تبعا لوالده فی الایضاح الفوائد.
وقال والدي في التذكرة ، يحرم النظر إليهما كساير جسدها وهو الأصح عندي لعموم الآية ولأنه مظنة الشهوة والفتنة ( لأن ) الخثعمية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله بمنى وهو في حجة الوداع تستفتيه في الحج وكان ابن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه فصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وجه الفضل عنها وقال رجل شاب وامرأة شابة فخشيت أن يدخل الشيطان بينهما ( لا يقال ) لا دلالة فيه لأنه عليه السلام صرح بخوف الفتنة ولا شك في تحريمه معه والمدعى عدم الخوف ( لأنا ) نقول علل بشبابها وهو مظنة الشهوة وخوف الشيطان وهو شرح لازم لعدم العصمة في مثلهما.
إيضاح الفوائد - ابن العلامة ج 3 شرح ص 6 – 7.
نقول فیه و فیما قاله ولد العلامه:
اولا: انها لا تدل علی وجوب التستر ، بل تدل علی الجواز ، لانه لا ینهییها عن النظر بل صرف وجهها عن النظر و و صرح بأنه یخاف أن یدخل بینهما الشیطان، الناشی من التلذذ، یعنی يخاف رسول الله من أن دوام النظر منه الیها یوجب خوف الوقوع فی الفتنه.
و ثانیا: ان الخبر حاک عن نظر رسول الله الیها حتی یتوجه الی نظر الفضل الیها فصرفها ، لانه لا یمکن تصور عدم نظر رسول الله الی المراه و لکن صرف وجه الفضل، و اذ قلنا ان رسول الله نظر الیها فیدل علی جوازا النظر، لا حرمه النظر.
و ثالثا: ان المرأة أتت رسول الله بمنی و هو قرينة علی أنه یمکن ان المرأة کانت فی احرام، و هو حالة خاصة یجب انکشاف الوجه فيها‘ فلذلك هذا الخبر اجنبی عما نحن فیه.
و رابعا: یحتمل ان الفضل نظر الیها نظر ریبة و تلذذ فصرف رسول الله وجهه عن النظر.
و الحاصل أن خبر المرأة الخثعمیه لا تدل علی حرمة النظر قطعا.
السادس: خبر سعد الاسکاف.
قد مضی فی اول البحث من هذه المساله خبر سعد الاسکاف و هذه لفظه:
مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ سَعْدٍ الْإِسْكَافِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ اسْتَقْبَلَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ امْرَأَةً بِالْمَدِينَةِ وَ كَانَ النِّسَاءُ يَتَقَنَّعْنَ خَلْفَ آذَانِهِنَّ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَ هِيَ مُقْبِلَةٌ فَلَمَّا جَازَتْ نَظَرَ إِلَيْهَا وَ دَخَلَ فِي زُقَاقٍ قَدْ سَمَّاهُ بِبَنِي فُلَانٍ فَجَعَلَ يَنْظُرُ خَلْفَهَا وَ اعْتَرَضَ وَجْهَهُ عَظْمٌ فِي الْحَائِطِ أَوْ زُجَاجَةٌ فَشَقَّ وَجْهَهُ فَلَمَّا مَضَتِ الْمَرْأَةُ نَظَرَ فَإِذَا الدِّمَاءُ تَسِيلُ عَلَى صَدْرِهِ وَ ثَوْبِهِ فَقَالَ والله لآتین رسول الله و لاخبرنه ، فاتاه فلما رآه رسول الله قال: ما هذا؟ فاخبره فهبط جبرائیل بِهَذِهِ الْآيَةِ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ. الکافی: 5/520 باب ما یحل النظر الیه من المراه. ح5.
و قد قدمنا الاستدلال به فی الدلیل علی حرمه النظر الی الاجنبیه فیما عدم الوجه و الکفین، و فیه اولا:کما ذکرناه سابقا عدم صلاحیته للاستدلال، لانا أثبتا هناک ان الآية لا تدل علی حرمة النظر، من جهه ان الغض لا یکون معناه سد النظر و قطع النظر بل معناه النقص فی النظر و هو غیر ترک النظر، و اذا ثبت هذا فبالنتیجه لایکون الخبر الذی هو مورد نزول الایه صالحا للاستدلال!
و ثانیا: کما قلناه سابقا ایضا بانه لایذکر فیه متعلق النظر ، بل هو مجمل من حیث تعلق النظر ، هل هو یختص بالوجه والکفین ؟ او یشمل جمیع اعضاء جسد المراه؟ او یختص بما عدا الوجه والکفین؟ و من حیث اجماله فی المتعلق ، فلیس صالحا للاستدلال.
و ثالثا: لا ریب فی ان النظر الذی کان فی هذا الخبر بقرینه حالیه فیه ، هو النظر مع التلذذ و الریبه، لان النظر الذی یوجب الخسارة فی وجه الناظر باصابة الجدار فی السوق، لا یخرج عن کونه مع التلذذ الشهوی، لان الشهوة تورث ذهاب العقل و الفکر حتی لا یری الجدار و ما کان فیه!.
فعلیهذا الاستدلال بهذا الخبر اجنبی عما نحن فیه ، لان الذی نحن بصدده هو النظر بدون الریبه.
فتحصل مما ذکرناه فی الدلیل علی القول بحرمه النظر الی الاجنبیه من الوجه و الکفین من دون ریبه و تلذذ ، ان لیس فی البین دلیل معتبر، دال، صریح او کالصریح علی المدعی، و کل ما قیل فیه اما مردود او ماول.
و اذا لم یثبت الحرمه و لم یوجد دلیل علی حرمه النظر ، فبالطبع یخرج القول بالمنع عند الفقیه من دائره الاقوال المعتبره، و بقی فیها القول بالجواز فقط، فحیث لم یوجد دلیل علی المنع، واضح ان عدم الدلیل دلیل علی العدم، یعنی عدم المنع، و عدم المنع مساوق للجواز.
و لکن القول بالتفصیل فلیس قولا ثالثا، بل انما هو نفس القول بالمنع، لان المنع مختص بالنطره الثانیه و الثالثه و ما زاد و هي مراحل النظره لا نفسها، و الجواز مختص بالنظره الاولی لا غیر،
و نحن نقول ان النظره الاولی لا یکون محلا للبحث بل هو خارج عما نحن فیه، بما ان النظره الاولی کانت اتفاقیا و لا یکون الناظر مریدا لها، والاتفاقی لا یتعلق به الحکم، لان الحکم یتعلق بما کان مورد للعلم و القدره، والاتفاقی لا یکون موردا لهما.
فحیث ابطلنا القول بالمنع فقد بطل القول بالتفصیل، و بالطبع ثبت القول بالجواز ، بما ذکرنا آنفا ان عدم الدلیل علی المنع دلیل علی الجواز، التفصیل نفس المنع لا غیر، والاقوال فی المساله منحصره فی الثلاثه ، و بالبیان الذی ذکرناه؛ ترجع الی الاثنان، و اذا بطل الاول بقی الثانی.
الا ان یقال: لو سلم ان التفصیل نفس المنع ، و انت قد ابطلت دلیل المنع ، لکن دلیل التفصیل فاین؟ لانک تعرضت لادله المنع و ابطلتها، و ما تعرضت لادله التفصیل حتی تبطلها، فاللازم لک الترعض لادله التفصیل و الحكم فیه و ارائه النظر و الدقه فیه حتی تصیر المساله اوضح مما کانت حتی الآن.
قلنا: هذه کلمه حق ، لایقاوم فی مقابلها شی، و الآن نتعرض لادله التفصیل قبل التعرض لادله الجواز.
ادله القول بالتفصیل
و قبل ذكر أدلة هذا القول ينبغي لنا أن نتحدث عما قاله بعض الفقهاء بأن القول بالتفصيل هو أضعف الاقوال بين الاقوال الثلاثة.
فراجع مستمسك العروة الوثقي للسيد الحكيم و الانار الفقهية للشيخ المكارم و المباني في شرح العروة للسيد الخويي.
و عمدة ما قاله القائلون في مقام الاستدلال بان القولين الاولين اي حرمة النظر و جواز النظر متعارضان و لايمكن الجمع بينهما الا بالقول بالتفصيل‘ لان التفصيل يستطيع أن يجمع بين القولين المتعارضين.
و لاجل الاقدام على الجمع بين طائفتين من الروايات استدلوا بعض الاحاديث الدالة علي التفصيل.
يعني انهم ذكروا هذه الروايات لاجل امكان الجمع بين الروايات.
ان القائلين بالتفصيل قد ذکروا فی مقام الاستدلال علی القول بعدة من النصوص والروايات التي بظاهرها تدل على التفصیل بین النظرتین، و الیک نص بعضها:
1 - محمد بن علی بن الحسین بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْكَاهِلِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع النَّظْرَةُ بَعْدَ النَّظْرَةِ تَزْرَعُ فِي الْقَلْبِ الشَّهْوَةَ وَ كَفَى بِهَا لِصَاحِبِهَا فِتْنَةً . وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابوب مقدمات النکاح، الباب 104، ح 6.
ان الكاهلي و ان لم يرد نص علي وثاقته و لكن النجاشي قال: عبد الله بن يحيى أبو محمد الكاهلي: عربي، أخو إسحاق،
رويا عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان عبد الله وجها عند أبي
الحسن (عليه السلام)، ووصى به علي بن يقطين، فقال له: (أضمن لي الكاهلي
وعياله أضمن لك الجنة).
وقال الشيخ: عبد الله بن يحيى الكاهلي، له كتاب.
وعده في رجاله من أصحاب الكاظم (عليه السلام.
وعده البرقي في أصحاب الصادق (ع).
و بعد ذكر هذه الموارد لايبعد أن يكون جميع ذلك موجبا لتوثيقه.
2 - قَالَ محمد بن علی بن الحسین قَالَ الصادق ع: أَوَّلُ نَظْرَةٍ لَكَ وَ الثَّانِيَةُ عَلَيْكَ وَ لَا لَكَ وَ الثَّالِثَةُ فِيهَا الْهَلَاكُ . وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابوب مقدمات النکاح، الباب 104، ح 8.
3 - قَالَ وَ قَالَ الصَّادِقُ ع مَنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ غَمَّضَ بَصَرَهُ لَمْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ بَصَرُهُ حَتَّى يُزَوِّجَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ .
قَالَ وَ فِي خَبَرٍ آخَرَ لَمْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ حَتَّى يُعْقِبَهُ اللَّهُ إِيمَاناً يَجِدُ طَعْمَهُ.
وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابوب مقدمات النکاح، الباب 104، ح 9 و 10.
4 - وَ فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْجِعَابِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّازِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ قَتَلَ حَيَّةً قَتَلَ كَافِراً وَ قَالَ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَلَيْسَ لَكَ يَا عَلِيُّ إِلَّا أَوَّلُ نَظْرَةٍ .
وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابوب مقدمات النکاح، الباب 104، ح 11.
5 - وَ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَا عَلِيُّ أَوَّلُ نَظْرَةٍ لَكَ وَ الثَّانِيَةُ عَلَيْكَ لَا لَكَ. وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابوب مقدمات النکاح، الباب 104، ح 13.
6 - وَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَدْلِ عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ لَكَ كَنْزٌ فِي الْجَنَّةِ وَ أَنْتَ ذُو قَرْنَيْهَا فَلَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى وَ لَيْسَتْ لَكَ الْأَخِيرَةُ . وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابوب مقدمات النکاح، الباب 104، ح 14.
7 - وَ فِي الْخِصَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ ع فِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِمِائَةِ قَالَ لَكُمْ أَوَّلُ نَظْرَةٍ إِلَى الْمَرْأَةِ فَلَا تُتْبِعُوهَا نَظْرَةً أُخْرَى وَ احْذَرُوا الْفِتْنَةَ . وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابوب مقدمات النکاح، الباب 104، ح 15.
8 - وَ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِمْرَانَ الدَّقَّاقِ عَنْ (حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيِّ) عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الصَّادِقِ ع فِي حَدِيثٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قَالَ إِنَّمَا قَيَّدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالنَّظْرَةِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ النَّظْرَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُوجِبُ الْخَطَأَ إِلَّا بَعْدَ النَّظْرَةِ الثَّانِيَةِ بِدَلَالَةِ قَوْلِ النَّبِيِّ ص لَمَّا قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع يَا عَلِيُّ أَوَّلُ النَّظْرَةِ لَكَ وَ الثَّانِيَةُ عَلَيْكَ لَا لَكَ. وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابوب مقدمات النکاح، الباب 104، ح 17.
اعلم ان الاستدلال بهذه الاخبار ایضا لا یخلوا من اشکال
منها: ضعف الاخبار من جهه الارسال فی اسانید بعضها و ضعف روات بعض آخر و ان کانت هذه الطائفه مشتمله علی بعض الاخبار الموثقة کخبر الکاهلی.
ومنها: ان النظر الممنوع فی الاخبار هو النظره بعد النظره، و لا شک فی ان الاولی منهما اتفاقیا و غیر مقصودة والثانیه عمدیا و مقصودا، فلیس الاعتبار فی المنع بالعدد، لان العدد هنا لا دخل له فی الحکم، بل الاعتبار من جهه ان النظره الاولی اتفاقیا لا یشمله الحکم، و بقی الثانی عمدیا یشمله الحکم ، فلا محالة ان النظر المحرم لا تخرج من ان تکون مع التلذذ و الریبه، و هو محرم و ممنوع لکنه خارج عما نحن فیه.
و منها: ان النظر الوارد فی الاخبار مطلق و لایختص بالنظر الی الوجه و الکفین، بل یشمل اطلاقه النظر الی جمیع جسد المراه ، و اذا کانت الاولی من النظرتین جائزه فاللازم من اطلاقه جواز النظره فی المرة الاولی الی جمیع جسد المراه الاجنبیه ، و هو امر لایقول به احد من الفقهاء.
و ان كان المراد من النظرة الاولى هو النظرة الاتفاقية فلاربب في جوازه حتى بالنسبة الي جميع جسد المرأة‘ لانه اتفاقي و غير اختياري و لااثم علي مرتكبه اذا لم يعد نظره اليها ثانيا.
و حيث یدور أمر تقييد الروايات بين التقييد بالوجه و الكفين والتقييد بالاختياري و غير الاختياري، و واضح أن التقیید لا یخرج من هذين الامرین و التقييد الذي يساعده العرف هو التقیید بالامر الثانی و بهذا البيان يرجع القول البتفصيل الي القول بالحرمة فلذلك لا نحتاج الي الجمع و الي تاسيس القول الثالث بعنوان القول البتفصيل.
فلذلك یسقط الدليل عن دليليته و عن الاستدلال، لان النظر الاختیاری من الاجنبی الی الاجنبیه باطلاقه یشمل النظر الی جمیع جسد المراه و لا یختص بالوجه و الکفین و المنع من النظر الی جمیع جسد الامراه واضح و لایرد علیه شیء.
مضافا الى ذلك لو فرض صحة الاستدلال بهذه الطائفة من الروايات فكيف يمكن للفقيه أن يأتي بالجواب عن بعض الاسئلة:
1 - ما هو المقدار في صدق نظر الاول الى الوجه و الكفين من المرأة الاجنبية؟
هل يجوز احتساب الوقت بالدقائق والثواني أم لا؟ هل يجوز له الاستمرار الي زمان معين أو لا؟
2 - ما هو المقدار والفترة التي يجوز النظر اليها ثانيا؟ يعني اذا نظر الرجل الى المرأة بعنوان النظر الاول فالي أي مدة لايجوز له النظر؟ هل لايجوز مادام الحيات أو الي فترة معينة؟ هل يمكن احتساب الفترة بالساعة و اليوم و الشهر و السنة أم لا؟ فمثلا هل يجوز القول بتكرار النظر بعد اليوم الذي نظر اليها بالنظر الاول؟
كل هذه الاسئلة في القول بالتفصيل تحكي للفقيه أن هذه الطائفة من الروايات ليست في مقام تقسيم النظر من حيث العدد بل الظن القوي يدل على أنه في مقام تحديد النظر من حيث الاختياري و غير الاختياري.
فتحصل مما ذکرنا ان هذه الطائفه من الاخبار المفصله أيضا لا تصلح ان تكون دلیلا علی المدعی، و بالنتیجه بقیت الطائفه المجوزه سلیما عن المعارض و لا طائفیتین من الاخبار المتعارضتین حتی یلزم القول بالجمع بینهما، کما یقول بعض فی توجیه القول بالتفصیل بانه جمع بین الاخبار المتعارضه.
و اما الدلیل علی القول بالجواز مطلقا:
لا ریب فی انا اذا ابطلنا القول بالحرمه و اوضحنا القول بالتفصیل و أرجعناه الی القول بالمنع ، فقد ثبت الجواز بلا معارض و لا حاجة الی ذکر دلیل الجواز، لأن الجواز مقتضی عدم المنع و اما المنع يجتاج الى الدليل.
و لکن نريد أن نتعرض لأدلة الجواز ارشادا الی تبیین الأدلة و الاستدلال بها.
فقد استدل علی الجواز بالأدلة المتعددة:
منها: الاستدلال بالکتاب.
قوله تعالی : وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآلِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآلِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَ نِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَ تِهِنَّ أَوْ نِسَآلِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُنَّ أَوِ التَّبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَ تِ النِّسَآءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَ تُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )النور:31/24)
مدعیا ان الآیه بما انها یستثنی فیها من ابداء الزینه، الزینه الظاهره ، و لا محاله ان الزینه الظاهره تشمل الوجه و الکفین ، فالنظر الیهما جائزه قطعا.
علی انها لا ریب فی ان اکمل المصادیق من الزینه الظاهره هو الوجه والکفان و بهذا البیان یظهر صلاحیه الآیه للاستدال بها علی الجواز.
مضافا الی ان فی بعض النصوص کصحیحه الفضیل و موثقه ابی بصیر فسرت الزینه الظاهره بالخاتم و امثالها و واضح ان النظر الی الخاتم لا ینفک عن النظر الی الکف. فراجع الباب 109 من ابواب مقدمات النکاح، ح 4.
و مویدا بما روی مسعده بن زیاد عن الصادق فی جواب السوال عما تظهر المراه من زینتها قال: الوجه و الکفین. فراجع الباب 109 من ابواب مقدمات النکاح، ح5.
و بالنتیجه الاستثناء الوارده فی الآیه بقوله تعالی (الا ما ظهر منه) یقتضی جواز النظر الی الوجه والکفین بلا ریب.
و منها: الاستدلال بالسنة:
صحیحة ابی حمزه الثمالی.
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ يُصِيبُهَا الْبَلَاءُ فِي جَسَدِهَا إِمَّا كَسْرٌ وَ إِمَّا جُرْحٌ فِي مَكَانٍ لَا يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَيْهِ يَكُونُ الرَّجُلُ أَرْفَقَ بِعِلَاجِهِ مِنَ النِّسَاءِ أَ يَصْلُحُ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا قَالَ إِذَا اضْطُرَّتْ إِلَيْهِ فَلْيُعَالِجْهَا إِنْ شَاءَتْ . کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، الباب 130ح 1.
و کیفیه الاستدلال ان السوال عن ابی جعفر عن موضع من جسد المراة الذی لا یصلح النظر الیه، و بالتامل یفهم منه ان فی جسد المراه مکانا یصلح ان ینظر الیه، و مکانا لا یصلح ان ینظر الیه، والاول لا یتصور الا فی الوجه و الکفین، لانهما من القدر المتيقن و بالثانی جمیع جسد المراه عدا الوجه والکفین.
و سکوت الامام فی مقابل ما سئل عنه و عدم اعتراضه(ع) علیه عباره عن تقریر الامام بوجود مکان فی جسد المراه یصلح النظر الیه، و تخصيص جواز النظر الى الوجه و الكفين لاجل أنهما هو القدر المتيقن المستفاد من التقریر.
و مضافا الي أن الاجماع قائم على منع نظر الاجنبي الي ساير جسد المرأة الاجنبية.
ففي الحقيقة الاستدلال بهذا الحديث استدلال بمفهوم العبارة التي تكون في سوال السائل: " في مكان لا يصلح النظر إليه.
الشيخ الانصاري يقول في كتابه النكاح: ان الاستدلال بهذه الصحيحة تامة.
نحن نقول: ان هذا الحديث من حيث السند لا اشكال فيه و أما من حيث الدلالة قد أشكل عليه بأنه استدلال بمفهوم الوصف و من المعلوم أن الوصف لا مفهوم له عند البعض.
و انتم تعرفون أن المقصود من الوصف عند الاصوليين ما يعم النعت، وغير النعت عند النحويين‘ فيشمل الوصف عند الاصوليين النعت والحال والتميز وحتى الجار والمجرور مما يصلح ان يكون قيدا لموضوع التكليف.
فلو قال المولى (صل الى القبلة) فهذا الجار والمجرور يعتبر وصف عند الاصوليين لانه قيد لوجوب الصلاة وهو وصف اصولي وان لم يكن وصفا نحويا.
مضافا الى أن الوصف لابد له من عدم ترتب الحكم عليه فقط ‘كأن يقال: المستطيع يحجّ، فهذا خارج عن البحث، بل يعتبر أن يكون الوصف معتمداً على الموصوف كأن يقال: المكلّف المستطيع يحج.
و مضافا الى أنّ الوصف ينقسم بأقسام كما ذكره المرحوم المظفر (قده) فقال: ان الوصف ينقسم الى اقسام أربعة من حيث النسبة بين الوصف وموصوفه، فقد تكون التساوي مثل الانسان والمفكر، وقد يكون اعم مثل الانسان والماشي، وقد يكون اخص كالانسان العادل، وقد يكون اعم من الموصوف من وجه مثل الغنم السائمة.
فالقسمان الثالث والرابع مورد البحث في المقام
مضافا الي ذلك أن الرواية في مقام بيان حكم آخر وهو جواز النظر عند المعالجة فلا تشمل كل الحالات في الأماكن التي يصلح النظر اليها والأماكن التي لا يصلح النظر اليها.
و من الواضح أن من مقدمات الحكمة أن يكون في مقام البيان، وأمكن أن يبيّن، ولم يبيّن.
و هذه النقطة غير تامة في الرواية إذ الامام(ع) ليس في مقام بيان ما يصلح النظر اليه وما لا يصلح. فلذلك لايجوز الاستدلال بصحيحة الثمالي.
أما الجواب الذي يمكن أن ندفع به الايراد:
نقول: ان هذه الامور مسلمة و لايمكن العدول عنها، ولكن لسان الحديث يمكننا أن نستظهر منه أن المسلَّم عندهم أن في جسد المرأة نوعين من المكان: مكان لا يصلح النظر إليه و مكان يصلح النظر اليه.
والامام(ع) كالسائل أرسل ذلك إرسال المسلمات‘ بعبارة أخرى: ان هناك مسلمات و هي أن هناك أماكن يصلح النظر اليها و لكن لا نعلم ما هي الاماكن في جسد المرأة؟ فنأخذ بالقدر المتيقن باعتبار عدم تعيين الاماكن التي يصلح النظر اليها. والقدر المتيقن من الاماكن التي يصلح النظر اليها في جسد المرأة الوجه و الكفان.
فلذلك نحن لا نتكل في مقام الاستدلال علي مفهوم الوصف كي يمكن البحث عن اثبات المفهوم له أو لا‘ بل نتكل على المسلمات الموجودة بعنوان المسلمات العرفية و السائل أيضا اعتمد علي هذه الخلفية و سأل الامام عن كيفية العمل في علاج مرض المرأة الذي كان في مكان لايصلح النظر اليه!
فبهذا البيان يجوز الاستدلال بهذا الحديث حتى عند من لايقول بمفهوم الوصف.
منها صحیحه فضیل.
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنِ الْفُضَيْلِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الذِّرَاعَيْنِ مِنَ الْمَرْأَةِ هُمَا مِنَ الزِّينَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ؟
قَالَ(ع): نَعَمْ وَ مَا دُونَ الْخِمَارِ مِنَ الزِّينَةِ وَ مَا دُونَ السِّوَارَيْنِ . وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، الباب 109 ح 1.
کیفیه الاستدلال ان فی الخبر تصریح بان مادون الخمار و ما دون السوار من الزینه التی یجب التستر علیها و لا یجوز ابدائها و بالملازمه لایجوز النظر الیها، و من المعلوم ان الخمار لا یستر الوجه والکف فوق السوار لا دونه، فبهذا البیان ان الوجه والکفین خارج عن الزینه المحرم ابدائها فتدل علی جواز النظر الی الوجه و الکفین من المراه الاجنبیه من دون تلذذ و ریبة.
و للسید الخویی کلام فی مقام الایراد علی الاستدلال بهذه الصحیحه ، و لکن یمکن الجواب عنه و الدفاع عن الاستدلال و الیک نص کلامه قبل الایراد علیه.
بعد أن أورد عليه بعدم وجود الملازمة و لكن نحن قد قبلنا الملازمة قال: على أن الصحيحة في الحرمة أظهر من الجواز فإن الظاهر أن المراد بما دون الخمار هو ما يعم الوجه أيضا لأنه مما يكون على الرأس فيكون الوجه مما هو دونه لا محالة ولا مبرر لملاحظة الخمار من أسفله أعني ما يكون على الذقن كي يقال : أن ما دونه هو الرقبة خاصة ، بل ما دونه الوجه فما دون كما أن الظاهر بل الواضح أن المراد بمادون السوارین هو ما یکون دونهما الی اطراف الاصابع و حمل ذلک علی الفاصلة اليسيرة بينهما وبين الكف ، بحيث يكون الكف خارجا من قوله ( ع ) وما دون السوارين لا يخلو من تعسف .
إذن فالرواية تدل على أن الذراعين وما دونهما إلى أطراف الأصابع والخمار وما دونه مطلقا من الزينة المحرم ابداؤها فلا يبقى وجه للاستدلال بها على جواز النظر إلى الوجه والكفين . مبانی فی شرح العروه الوثقی المطبوع ضمن الموسوعه: 32/45.
و لکن یرد علیه ایرادان:
الاول: ان لکلمه (مادون) معنیین: احدیهما: المراد بما دون هو الاسفل. و ثانیهما المراد بمادون هو الباطن.
و لا دلیل علی ان المراد من کلمه مادون هو الاسفل بل یحتمل ان یکون المراد هو الباطن، لانه اذا کان مراده الباطن، فالایراد من السید الخویی لا یرد علیه، لان ما کانت من الزینه المحرم ابدائها هو ما کان باطن الخمار و باطن السوار، معلوم ان الوجه و الکفین لایکونان باطنهما، بل خارج عما صرح به الخبر، و اذا کان خارج عن الزینه فیدخل فی ما ظهر من الزینه الغیر المحرم ابدائها و الاستدلال بها علی الجواز یکون فی محله و لا یرد علیه شیئ.
والثانی: ان ما دون بکلا المعنین اذا استعمل فی عباره، یختص مدار دلالته فی ما یستعمل، و لایدل علی ما هو خارج عن مدار استعماله، وما یستعمل هناک هو فی مدار ما یستره الخمار و و ما یستره السوار، و اما ما یستره الخمار عباره عن الراس و الرقبه و لا ربط له بالوجه، و اما ما یستره السوار فهو الیدین لا الکفین، و اذا قیل ما دون ذالک یعنی ما دون السوار من الیدین لا ما دونه من الکفین.
فعلی کل ان الوجه و الکف خارج عما یشمله الخبر، فدلالته علی الجواز لایرد علیه شیء.
ىىىىىىىىىو یوید ما قلنا ما قال اکثر الفقهاء نظیر صاحب الحدائق ئ غیره.
قوله عليه السلام : " وما دون الخمار " أي ما يستره الخمار ، من الرأس والرقبة ، فهو من الزينة ، وما خرج عن الخمار من الوجه ، فليس منها ، " وما دون السوارين " يعني من اليدين ، وهو ما عدا الكفين ، وكأن " دون " هنا في قوله " دون الخمار " بمعنى تحت الخمار ، ودون السوار بمعنى تحت السوار ، يعني الجهة المقابلة للعلو ، فإن الكفين أسفل ، بالنسبة إلى ما فوق السوارين من اليدين. الحدائق الناضرة ج 23 ص 54.
و منها: مرسله مروک بن عبید
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مَرْوَكِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قُلْتُ لَهُ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرَى مِنَ الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَحْرَماً قَالَ الْوَجْهُ وَ الْكَفَّانِ وَ الْقَدَمَانِ
وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْخِصَالِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ. وسایل الشیعه: کتاب النکاح، ابواب مقدمات النکاح، الباب 109 ح 2.
أن شخصية مروك معروفة عند علماء الرجال و له روايات عديدة في الفقه و ورد اسمه 3 3 موردا‘ و لكن المشكلة من جهة ارسال الرواية و هو أيضا يمكن القول بجبرها بسبب ورود مضمونها في الروايات الصحيحة. و دلالتها واضحة جدا.
و منها: روایه ابی الجارود.
علي بن إبراهيم في تفسيره : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، في قوله : ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار ، والزينة ثلاث : زينة للناس، وزينة للمحرم، وزينة للزوج، فأما زينة الناس فقد ذكرناه ، وأما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها ، والدملج وما دونه ، والخلخال وما أسفل منه ، وأما زينة الزوج فالجسد كله . مستدرك الوسائل ج 14 ص 275.
اقول: ان خبر ابی الجارود مرسل من حیث انه روی عن الباقر(ع) و لکن بین علی بن ابراهیم القمی و بین ابی الجارود فصل طویل لایمکن ان یروی عنه.
و منها: روایه علی بن جعفر
علي بن جعفر عن أخيه ( ع ) : ( قال : سألته عن الرجل ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحل له ؟ قال : الوجه ، والكف ، وموضع السوار). بحارالانوار: 104ظ34 ح 11 عن قرب الاسناد.
استدل صاحب الجواهر بخبر علی بن جعفر و ذکر ان سنده معتبر و لکن السید الخویی صرح بان فی سنده ضعف من حیث اشتماله علی عبدالله بن الحسن من جهه عدم ورود مدح و توثیق فیه.
و لکن نقول: من حیث وجود مضمونه فی الاخبار الصحیحه لا یسقط عن الاستدلال به.
و اما السید الخویی اورد علیه ایرادا آخر و هو اشتماله علی النظر الی الوجه و الکفین من الذی لا تحل له و فسر (لا تحل له) بالمحرم و قال: من الواضح انها لیست الا المحرم فلا یبقی لها ارتباط بمحل کلامنا‘ أعني الاجنبية‘ بل يمكننا استفادة الحرمة منها‘ نظرا الى تخصيص الجواز بالمحارم.
فمن العجيب من صاحب الجواهر الاستدلال بها علي الجواز!
و لکنا نقول: ان هذا الایراد لا یکون فی محله لانه یحتمل ان یکون المراد من (لا تحل له) انه لا تحل النظر الیه فیشمل الاجنبیه و النظر الی الاجنبیه و حینئذ مرتبط بمحل کلامنا‘ فلذلك ليس من العجيب استدلال صاحب الجوار به على الجواز.
و منها: الاستدلال بخبر جابر بن عبدالله الانصاری
محمد بن یعقوب عن عده من اصحابنا عَنْ أَحْمَدَ بن محمد عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ص يُرِيدُ فَاطِمَةَ وَ أَنَا مَعَهُ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَابِ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَدَفَعَهُ ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ.
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ(ع): وَ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ!
قَالَ: أَدْخُلُ؟
قَالَت: ادْخُلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ!
قَالَ: أَدْخُلُ أَنَا وَ مَنْ مَعِي؟
قَالَتْ لَيْسَ عَلَيَّ قِنَاعٌ.
فَقَالَ(ص): يَا فَاطِمَةُ خُذِي فَضْلَ مِلْحَفَتِكِ فَقَنِّعِي بِهِ رَأْسَكِ فَفَعَلَتْ ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكِ. فَقَالَتْ: و علیک السلام یا رسول الله.
قال: ادخل. قالت: نعم یا رسول الله . قال: انا و من معی. قالت: و من معک .
قَالَ جَابِرٌ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ دَخَلْتُ وَ إِذَا وَجْهُ فَاطِمَةَ ع أَصْفَرُ كَأَنَّهُ بَطْنُ جَرَادَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): مَا لِي أَرَى وَجْهَكِ أَصْفَر؟َ
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْجُوعُ!
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): اللَّهُمَّ مُشْبِعَ الْجَوْعَةِ وَ دَافِعَ الضَّيْعَةِ أَشْبِعْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ.
قَالَ جَابِر:ٌ فَوَ اللَّهِ لَنَظَرْتُ إِلَى الدَّمِ يَتَحَدَّرُ مِنْ قُصَاصِهَا حَتَّى عَادَ وَجْهُهَا أَحْمَرَ فَمَا جَاعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ .
نقول اولا:
ان دلالتها علي المطلوب أي الجواز واضحة بل أوضح.بما أن كشف الوجه من المعصوم و كذلك نظر جابر اليها بمحضر رسول الله من أوضح مصاديق تقرير المعصوم و هو حجة بلاريب.
و لكن الاشكال على الحديث من جهتين:
الاولى: من جهة سند الحديث‘ بما أن سنده ضعيف‘ لأن روایة عمرو بن شمر ضعیف من جهه تضعیف النجاشی له فی اکثر من مورد‘. رجال النجاشي: 128 و 287 رقم 332 و 765.
و كذلك العلامة في الخلاصة.
و ذكر النجاشي انه أضيف في روايات جابر من قبل عدة ممن يروون عنه و خص بالذكر عمرو بن شمر فلا مجال للاعتماد عليها.
و زاد العلامة و قال: لا أعتمد علي شيء مما يرويه.
و الثانية: والانصاف أن متن الرواية غير قابل للتصديق و لايناسب نساء المومنين و بنات الموالين فضلا عن الصديقة الطاهرة.
من جهه اشتمالها علی ظهور الصدیقه الطاهرة فی حضور الاجنبی بحیث یراها حتی یمکن للاجنبی تعریف لون وجهها، و من المعلوم عدم امکان وقوع هذه الواقعة عن الصدیقه الطاهره مع جلالة شانها ، و عظم مقامها.
مضافا الي ذلك أن في الرواية (ما جاعت بعد ذلك اليوم) و هذه معجزة عظيمة فكيف يمكن أن لايرويها غير عمرو بن شمر!
منها: صحیحة مسعدة بن زياد
عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زیاد قال:
سمعتُ جعفراً و سُئِلَ عمّا تُظهر المرأةُ من زینتها.
قال (ع): الوَجهُ و الکفّین.
الوسائل: 14 146 الباب 109 من مقدمات النکاح ح 5 و قرب الاسناد: ص 40.
ان هذه الرواية من جهة الدلالة و السند تام لايرد عليها شيء.
منها: معتبرة أبي بصير
عن الحسين بن محمد عن أحمد بن اسحاق عن سعدان بن مسلم عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّٰه (علیه السّلام) قال: سألتُهُ عن قولِ اللّٰه عزّ و جلّ وَ لٰا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا قال (علیه السّلام): الخاتَمُ و الْمِسْکَةُ و هی الْقُلب . الوسائل: 14 146 الباب 109 من مقدمات النکاح ح 5.
فبالنتيجة ان الاستدلال بالسنة بعد الستدلال بالكتاب علي القول بجواز النظر الى الوجه والكفين من المرأة الاجنبية تام لا يرد عليه شي.
لان الروايات في هذه الباب مشتملة على الصحاح و والمعتبرات و ان كان فيها بعض الروايات الضعيفة و لكن وجود الضعاف بين الصحاح و المعتبرات لاتضر بالاستدلال لانه يمكن الافتاء بسب نص واحد صحيح عليه فضل عن الروايات العديدة.
أضف الى ذلك عدم وجود معارض معتبر في مقابل هذه الروايات الصحيحة و المعتبرة‘ لانا قد أبطلنا القول بالحرمة و قد ارجعنا القول بالتفصيل اليه فصارت المسألة مقتضي الاصل الاولي!
و اضف الى ذلك امكان الاستدلال بالسيرة المتشرعة.
لاريب في استقرار سیرة المتشرعة المتصلة بزمن المعصومين(ع) علی عدم وجوب ستر الوجه والكفين بشهادة ما نُقل في کتب التاریخ و التراجم و سیرة النبی (صلّی اللّٰه علیه و آله و سلّم) و أهل البیت (علیهم السّلام) و الصحابة و التابعین، من تبادل الأحادیث و الأشعار بین الرجال و النساء المؤمنات من غیر نکیر و حضورهنّ فی مجالس الوعظ و تعلّم قراءة القرآن و التفسیر و الفقه من الرجال. و مشارکتهنّ فی الغزوات و علاج الجرحی و سایر شؤون المجاهدین بالمباشرة.
و قد اثبتا في البحث وجود الملازمة بين ابداء الوجه و الكفين بما أنهما من الزينة الظاهرة التي تجوز اظهاراها و بين جواز النظر اليهما.
فالجواز في نظر الرجل الي المرأة ثابت في سيرة المتشرعة.
و أضف الى ذلك دعوی وجود السیرة بین المسلمات علی عدم ستر الوجه و الکفّین من الفقهاء في عباراتهم الفقهية‘ لانهم قد صرحوا بذلك.
كما قال الشهید الثانی (قدّس سرّه) فی توجیه جواز النظر إلی الوجه و الکفّین: لأن ذلک أی إبداء الزینة الظاهرة و کشف الوجه و الکفین ممّا یَعُمُّ به البلویٰ. و لإطباق الناس فی کلّ عصر علی خروج النساء علی وجه یحصل منه بدُوّ ذلک من غیر نکیر. المسالک: ج 1 ص 436.
و قال العلامة الحلی فی المختلف: «و لأنّ الوجه لا یجب ستره بإجماع علماء الإسلام و کذا الکفّان عندنا لأنهما لیستا بعورة، إذا الغالب کشفهما دائماً.. و کذا الرِّجلان بل کشفهما أغلب فی العادة. المختلف: ص 83.
و بعد ثبوت هذه السيرة بين المتشرعة لم یرد ردع عن هذه السیرة‘ من جانب المعصومين(ع) و بهذا البيان يثبت تقرير الامام بالنسبة الى ذلك.
بقي هنا شيء:
حكم النظر الي القدمين من الاجنبية:
إن من المسائل عامة البلوى مسألة كشف القدمين للمرأة أمام الأجنبي. ولقلّة الاعتناء بها ـ حتى في بعض الوسط الملتزم والمتديّن من النساء المسلمات، وخاصة القرويات ـ ارتأينا أن نبحث هذه المسألة بحثاً فقهياً موضوعياً. وكما أن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً كذلك هو فقه أهل بيت العصمة والطهارة يوضِّح بعضه بعضاً.
لا يخفى أن علماءنا في هذه المسألة ـ أي كشف القدمين أمام الأجنبي ـ على قسمين: قسم حكم بجواز الكشف والنظر؛ وقسم آخر حكم بوجوب الستر وحرمة النظر.
قال صاحب الجواهر: بعد أن ذكر جواز كشف المرأة لوجهها وكفيها وقدميها في الصلاة، وقال بأنّه المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً: وقد ظهر ذلك كله بحمد الله ما يجب على المرأة ستره للصلاة، من غير فرق بين وجود الناظر وعدمه وما لا يجب(.الجواهر، كتاب الصلاة 8: 174.
الادلة علي القول بالجواز:
أـ كتاب الله تعالى
وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها} (النور: 31.
وأما ما ذكره العلماء حول هذه الآية الشريفة فقد ذكر صاحب الرياض&، عند قوله تعالى: {إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها} (النور: 31)، بأنه الوجه والكفان، وزيد في بعضها ـ أي في بعض الروايات ـ القدمان أيضاً. وظاهر الكليني القول به. ولم أقف على مَنْ عداه قائلاً به على خلافه، وهو كون الوجه والكفين والقدمين من مواضع الزينة الظاهرة. ولم يتم ذلك إلا على تقدير كون دروعهنّ يومئذٍ غير ساترة للمواضع المزبورة(.رياض المسائل 1: 135.
وقال المحقق الكركي&: فُسّر قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها} بالوجه والكفين، والمشهور بين الأصحاب استثناء القدمين أيضاً؛ لبدوهما غالباً(.جامع المقاصد 2: 76.
وقال العلامة الطباطبائي&، في ذيل قوله تعالى: {إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها}: وقد استثنى الله سبحانه منها ما ظهر، وقد وردت الرواية أن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان والقدمان(.. تفسير الميزان 15: 111.
وفي تفسير «الكشاف»: إن المرأة لا تجد بُدّاً من مزاولة الأشياء بيديها، ومن الحاجة إلى كشف وجهها، خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها، وخاصّة الفقيرات منهنّ، وهذا معنى قوله: {إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها}، يعني إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره، والأصل فيه الظهور(.تفسير الكشاف 3: 231.
فتحصل مما تقدم أن الظاهر من قوله تعالى: {إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها} هو الوجه والكفان والقدمان.
الآية الثانية:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. الأحزاب: 59.
قال في «الرياض»: والذي نشاهد من نساء الأعراب في زماننا هذا عدم ستر دروعهنّ لأقدامهنّ أصلاً، ولو كانت واسعة ذيلاً، بل لو زادت السعة إلى جرّ الأذيال على الأرض لم تستر الأقدام بجميعها، بل تبدو منها شيء ولو رؤوسها حالة المشي(.رياض المسائل 1: 135.
وحينئذٍ فعندما كان الواجب على المرأة أن تتجلبب، بأن تستر رأسها وبدنها، فإن القدمين خارجتان بالتخصُّص لا بالتخصيص، ولذا لا تحتاجان إلى دليل على الجواز. ومن هنا كان جواز الكشف موافقاً للأصل.
ب ـ السنّة.
1ـ في الكافي: عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله× قال: قلت له: ما يحلُّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً؟ قال: «الوجه والكفان والقدمان. الكافي، كتاب النكاح، باب ما يحلّ النظر إليه من المرأة، ح 2.
وهذه الرواية من ناحية الدلالة واضحة في جواز كشف القدمين للمرأة. وأما من ناحية السند فهي مرسلةٌ.
2ـ وأما الرواية الثانية التي تدل على الجواز فقد ذكرها الشيخ الصدوق&، حيث قال: كتب أبو الحسن علي بن موسى الرضا× إلى محمد بن سنان في ما كتب من جواب مسألة: «أن علّة الوضوء التي من أجلها صار على العبد غسل الوجه والذراعين ومسح الرأس والقدمين فلقيامه بين يدي الله تعالى، واستقباله إياه بجوارحه الظاهرة، وملاقاته بها الكرام الكاتبين، فيغسل الوجه للسجود والخضوع، ويغسل اليدين؛ ليقلِّبهما ويرغب بهما ويرهب ويتبتّل، ويمسح الرأس والقدمين؛ لأنّهما ظاهران مكشوفان، يستقبل بهما كل حالاته، وليس فيهما من الخضوع والتبتل ما في الوجه والذراعين. من لا يحضره الفقيه 1: 35، باب علّة الوضوء؛ عيون أخبار الرضا× 2: 89.
ج ـ السيرة العملية
ذكروا في المعتبر والمنتهى وغيرهما أن الحاجة ماسة إلى إظهار الوجه والكفين غالباً، للأخذ والإعطاء، فليست من العورة؛ وأن ابن عباس فسّر بها قوله تعالى: {إِلاَّ ما ظَهَرَ مِنْها}؛ وأنه يحرم سترها بالنقاب في الإحرام؛ وأن ظهر القدمين كالكفين في الظهور غالباً(.مفتاح الكرامة 2: 168، كتاب الصلاة، في ستر العورة.
وذكر في «مفتاح الكرامة» أن جواز النظر إلى القدمين موافق للأصل، وشيوع مشيهن حافيات في جميع الأعصار، وأوليتهما بالترخيص من الوجه(.نفس المصدر السابق.
وقال العلامة في «المختلف»، عند ذكره لستر العورة في الصلاة بالنسبة للمرأة: إن الوجه لا يجب ستره بإجماع علماء الإسلام. وكذا الكفّان عندنا؛ لأنهما ليسا بعورة؛ إذ الغالب كشفهما دائماً؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك للأخذ والعطاء وقضاء المهام. وكذا الرجلان، بل كشفهما أغلب في العبادة(.المختلف، كتاب الصلاة، الفصل الثالث في لباس المصلي: 83، ط حجرية.
وقال في «التذكرة»: وعورة المرأة جميع بدنها إلا الوجه؛ بإجماع علماء الأمصار…. وأما الكفان فكالوجه عند علمائنا أجمع…. وأما القدمان فالظاهر عدم وجوب سترهما ـ وبه قال أبو حنيفة والثوري والمزني ـ؛ لأن القدمين تظهر منها في العادة، فلم تكن عورة كالكفين(.تذكرة الفقهاء 2: 446 ـ 447.
وقال الآلوسي البغدادي بأنّ الحرج في سترهما (أي القدمين) أشدّ من الحرج في ستر الكفين، ولاسيما بالنسبة إلى أكثر نساء العرب الفقيرات اللاتي يمشين لقضاء مصالحهن في الطرقات(.روح المعاني 18: 141.
فتحصل أن السيرة العملية قائمة على كشف المرأة لقدميها؛ إما للعادة والجبلة؛ أو لفقرهن؛ أو للحرج الشديد. وقد قال تعالى في محكم كتابه: {ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} (المائدة: 6)، وقال: {وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، ثم يقول تعالى في آية أخرى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (الحج: 78). مضافاً إلى ذلك لم يأتِ ردعٌ من قبل الأئمة^ ـ حسب ما وصل إلينا ـ ينهى عن كشف القدمين للمرأة.
و يويد الاستدلال علي القول بجواز النظر الي القدمين من المراة الاجنبية بعدم ورود نصّ شرعي خاص على لزوم تستر القدمين.
بعبارة أخري إن عدم ذكر الجوارب في السنّة النبوية أو في أَثَرٍ عن الصدر الأول للإسلام يكشف عن أنها لم تكن متعارفة. ولما كان من الواضح أن ستر القدمين للمرأة لا يتم إلا بالجوارب فهذا يعني أنها كانت مكشوفة ظاهراً في ذلك الوقت، أعني زمن التشريع. فقد ذكر القرآن الكريم والسنّة الشريفة لباس المرأة الواجب والمستحب، كالخمار والجلباب والسراويل ونحوها، لكن لم يصل إلينا أنه تعرض لذكر الجوارب.
والذي يؤيد عدم تداول الجوارب في ذلك العصر أن كلمة جوارب معرَّبة، وليست كلمة عربية، وهذا يكشف عن أن الجوارب ليست من لبس العرب. والظاهر ـ بحسب التتبع ـ أن الجوارب عُرفت في العصر الأموي، بعد أن فتح المسلمون بلاد فارس والإفرنج.
وعلى أية حال فلو كان ستر القدمين واجباً، وهو يتوقف على الجوارب غالباً، ولم تكن زمن التشريع، فإنّه يلزم نوع مشقة وحرج على المرأة، وهما منفيان بصريح القرآن الكريم.
د ـ أصل البراءة
وهو أنه عندما شُرّع الحجاب والستر على المرأة نشك في شموله للقدمين، وحيث لا تصريح ولا تلويح في البين يدلّ على ستر القدمين كان الأصل هو الجواز. وما قيل أو يمكن أن يقال في الوجوب غير تام، كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى.
نتيجة البحث
فتحصل من جميع ما ذكرناه أن كشف القدمين للمرأة أمام الأجنبي جائز؛ لما تقدم من الأدلّة المتينة حسب بحثنا الموضوعي لها؛ وأنّه مذهب المشهور من أصحابنا؛ وأن أدلّة المانعين غير تامة. و لذلك لا ينبغي الخلاف في مسألة جواز كشف القدمين. نعم، يبقى الاحتياط حسناً على كل حال، والحمد لله رب العالمين.